عمانيات عمانيات
عودة   عمانيات > منتديات عامة > قصص حقيقية
مواضيع اليوم
قصص حقيقية قصص يومية, قصص من المـاضي, قصيرة وطويلة

عمانيات   عمانيات
موضوع مغلق
 
خيارات الموضوع ابحث بهذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 23/12/2006, 09:39 PM
صورة لـ زهرة الخزامى
زهرة الخزامى
ودود
 
رد: فجعت قلبي

*******************
فجعت قلبي ~



الحلقة الثامنة



* * * * * * * *







سبعة عشر يوم مروا ، من ليلة العزومة ...

17 ليلة و أنا أدعي كل ليلة ، و أطلب من الله أنه يقــّـوم


صديقتي قمر بالسلامة



17 مرة ، سألني أخوي سلطان عنها ...





كان كل يوم ، أما وهو يوديني أو يجيبني من الجامعة –

بعد ما يوصل منال ، و أحيانا بعز الليل ، بعد ما يرجع من

مشاويره اللي كثرت ، يسألني عن صحتها .




و اليوم ، الأحد ، خلصنا المحاضرات بدري ،

و رجعت البيت الظهر ، مع وحدة من زميلاتي ، بالتالي

... ما شفت سلطان من الصباح .



سلطان ما كان سالني عنها أول النهار ، عشان كذا ،

توقعته يمر علي بالغرفة قبل ما يروح ينام ، نص الليل ...





كنت جالسة أراجع بعض النوتات ،

و كل شوي أناظر الساعة ... و سلطان ... تأخر ...



يمكن يكون جا ، و راح نام ؟ بس ...

غريبة ما سأل عنها اليوم ! أكيد خلاص تطمن ...

و قمر ، الحمد لله ، ردت

طبيعية ، و رجعت للجامعة من الإثنين الفايت





فضولي ما قدرت أقاومه ، طلعت من الغرفة أبي أتأكد ،

أخوي رجع و إلا لا ؟



رحت عند نافذة الصالة ، المطلة على الكراج ،

و ما شفت سيارته موجودة ...






- ما أدري وش به تأخر !



التفت ناحية صوت منال ، جاي من مدخل الصالة ...



- منال ! لسـّـه صاحية ؟؟

- تأخر ، و كلما اتصلت على جواله لقيته مقفل ...

- أكيد جاي بالطريق ... خلينا نروح نلحق ننام لنا كم ساعة !





قلتها ، و أنا مو مقتنعة بها ، بالعكس قلقت أكثر لما

شفت منال كذا قلقانة ...




- تصبحين على خير




و رجعت غرفتي ...

طفيت الأنوار و غمضت عيني ، و غفيت ...





انتبهت من النوم فجأة على صوت طرقات على الباب ،

ركزت سمعي ، أبي أتأكد هذه حقيقة و الا حلم ... و تكررت

الطرقات مرة ثانية ...



( هذه منال ، أخوي ما رجع و جت تقول لي ...

أكيد يا رب يكون بخير ... )




قمت عن فراشي و رحت و انا متخوفة للباب ،

و فتحته بقلق ...



- ... سلطان ... !



حسيت براحة كبيرة ، هذا أخوي سلطان قدامي الحين ،


الحمد لله ...



و ابتسمت ..



- هلا !


- آسف شوق ...



أكدت ابتسامتي ، و هزيت راسي مشجعة

( أبدا ، يا هلا بيك )



- أبي أتكلم معك دقيقتين ...

- تفضل أخوي ...




و ولعت الأنوار ، و دخل أخوي ، و صكيت الباب ...





حسيته متردد ، طبعا ، أنا عرفت أنه – بلا شك –

يبي يسألني عن قمر ...


لكن تردده حيرني ، و شفت أني اختصر عليه و أقولها :



- الحمد لله اليوم قمر كانت بألف خير ،

حتى نفكر نطلع السوق سوى نهاية الأسبوع !





ابتسم ابتسامة خافته ، باهتة ، ما هي ابتسامة واحد مرتاح البال ...

مع ذلك ، قلت انا بمرح :



- إيدك يا أخوي على ألفين ريال ! مكافآت هذا الشهر

و اللي قبله أخروها علينا و أنا أفلست !





هالمرة تمدد فمه بابتسامه أوسع ، و قال :



- حاضرين ...




- خير سلطان ؟





واجهته بالسؤال مباشرة ، أبيه يتكلم دون تردد ...

و أخيرا نطق ... و أذهلني ...



- أبي أسلم عليها ...





طالعته و أنا مو مركزة ، يمكن ما سمعت زين ؟


يبي يسلم عليها ؟




- ... كيف يعني ... ؟؟؟

- بس ... أقول لها : حمد الله على السلامة ،

و ما تشوفين شر ...

- .... تبيني أوصل لها كلامك ؟

- لا .... ودي أقوله لها ... بنفسي ...





يعني بطريقة أخرى ، يبي أخوي سلطان ... يشوفها ...



سكت ، ما رديت و لا علّـقت حتى بنظرة ...

لما حس بسكوني الرهيب ، قال :



- ما هو ممكن ؟

- قلقان عليها ؟ ما تصدقني ؟ و الله صارت عادية جدا ...

- ما هو ممكن ؟؟؟





شفت بعينه ، نظره أقرب للتوسل منها للتساؤل ...

نظرة ما عمري شفتها بعينه من قبل .. ذبحتني ذيك النظرة...

أجهضت كل كلمة اعتراض كانت بتنولد ردا عليه



- كيف ؟ وين ؟

- أجيبكم بكرة من الجامعة ...

- ... بس ... بس قمر يجيبها خطيبها كل يوم ...




ما علـّـق ، و كأن ّالجملة ما عجبته ، من التنهيده

اللي طلعت منه ...




حسيت بعيونه تقول لي : ( يعني ما هو ممكن ؟ )


و كأنها متعلقة بآخر طيف أمل ... ما اقدر أشوف أخوي الغالي

كذا ...





- طيب ، رح أدبرها




تهلل وجهه ، و ابتسم هذه المرة ابتسامة رضا مشرقة ...

بعدها ، قال يختم الكلام :




- تصبحي على خير ...




و لف ، و صار ظهره لي و مشى لين وصل الباب ، و فتحه ...




- أنت َتحبها ؟





سألته فجأة ، و هو فاتح الباب بيطلع ، و وتوقف بنص الطريق ...

مرت ثلاث أو خمس أو ست ثواني ،

و هو واقف بنفس الوضع ، و رديت ناديته :



- سلطان ؟؟؟




استدار لي ، و جت عينه بعيني ...



- تحبها يا سلطان مو صح ؟




ما رد ... ذكرني بذيك اللحظة ، لما كنا عنده بالمكتب ،

لما سألته قمر السؤال نفسه و ظل صامت ...




- سلطان ... أنا شفت ورقة الفاكس ...

اللي كنت تبي تبعثها لها ، ذاك اليوم ...




عنيت الورقة اللي شفتها بين أوراق سلطان


المتبعثرة في المكتب ،




(( قمر أنا أحبك ))






أخوي سلطان اللحظة ذي ، حسيته جبل يوشك أنه ينهار ...





- شفتيه على الورق ؟ أجل لو شفتيه داخل صدري ...


هنا في قلبي ... محبوس بين ضلوعي ... إش تقولين ؟





تفجرت الكلمة من لسانه ، بالأحرى من قلبه فجأة ،


بعد كتمان طويل ... كان يضرب على صدره و هو يقول


( هنا بقلبي )




شفت عذاب الدنيا كلها مكتوب في عينه ...



- أحبها ؟ نعم أحبها ، أحبها و أعشقها ... و بعد ؟؟؟ و تالي ؟؟؟




تمنيت إني ما سألته هذا السؤال ...


ليته خليته يروح بأمان الله ، ندمت ، و لآخر العمر باظل ندمانه ...




لف أخوي سلطان يبي يروح خلاص ، بس استوقفته :


- سلطان ...


ما التفت لي ، قال بمرارة :


- نعم يا شوق إش بعد ؟




جريت صوبه ، طوقته بذاعيني ، أخذته بحضني ،

و ضغطت عليه بقوّة ...

كانت دموعي تسيل لا إراديا ... ما بغيت اللحظة تنتهي ،

ليتني كنت أقدر أسوي شي عشانه ... أخوي الحبيب ...





الشي ، اللي ما اكتشفته إلا بعد فترة شهور طويلة ،

هو ... أن ( منال ) لحظتها كانت عند الباب ...






*
* *
*





سلـّـمت عليها سلام عابر ، و مشيت عنها !


تجاهلتها أول الساعات ( أمثل دور الزعلانة )

لكن بعد كذا ... رحنا الكافاتيريا سوى ،

أنا و قمر و شوق و زميلات غيرنا ، و جلسنا في لمـّـة حلوة ...



و عشان أأكد أن الأمور بيننا ( صافي يا لبن )


مهما تهاوشنا ، طلبت منها بكل مرح و جرأة :


- قمورة بـ اجيب لك بحثي و أنت ِاكتبيه بالكمبيوتر ،


خلصيه و جيبيه لي خلال يومين مو توهقيني !


- حاضر يا ستـّـي ، بس إن شاء الله ما يكون

( ثامر ) لاعب بجهازي زي المرة اللي فاتت !



أخوها ثامر ما شاء الله مولع بالكمبيوتر ،

و أكيد رح يلتحق بها التخصص بعد الثانوية !




تطمنت ، جوابها كان يعني أن كل الأمور بيننا


( سمن على عسل ) ، و يعني بعد أن روحتنا للسوق

الخميس الجاي ما انحذفت .


و احنا جالسين نسولف مع بعض ، شوق قالت لقمر :


- ( أبيك بشغلة )


و راحوا ثنتينهم عنا ...



إن جيتوا للحق ، أنا ما اكترثت لشي و لا كنت باكترث ،


لولا الوجه اللي رجعت به قمر بعد دقايق ....



العيون تبرق ...

الشفايف متقوسة مفتحة ...

الخدود محمرة متوهجة ...

الابتسامه لاصقة بوجهها و الأسارير منفرجه عليه ... !




الأمر فيه ( سر ) !

و إذا ما خابت ظنوني ، الأمر فيه (( سلطـــان )) !



طبعا رح تقولوا أن مالي حق أتدخل ، بس هذه صديقتي


اللي أعزها أكثر من أخواتي ، و أعطي نفسي الحق في أني

أسوي الشي اللي من صالحها ...



كانت مجرد شكوك ، بس بعدين ، لما شفتها رايحة تجري


مكالمة بالتلفون ، و سمعتها بعد تقول – تكلم خطيبها على

الطرف الثاني – (بارجع مع زميلتي ... )

تأكدت ... شوق قالت لها شي عن سلطان أكيد ، وأنا لازم أعرفه ...




أمس كنت متهاوشة معها و ما أبي أواجهها مرة ثانية اليوم ،

كنت قاسية معها كثير ... قمر بعدها تتكلم بالتلفون ، و

شوق موجودة قريب مني ...




تركت قمر ، و جيت لعند شوق ، و أنا مصرة أعرف .. ايش السالفة ؟؟





- شوق

- هلا ؟

- ممكن سؤال ؟

- أكيد سلمى !

- إيش قلت ِلقمر ؟





طالعتني بنظرة استغراب ، و عاد أنا أسلوبي ما به

لف و لا دوران ، قلتها مباشرة :



- إيش قلت ِلقمر قبل شوي ؟ إش بينك و بينها ؟ ممكن أعرف ؟




اسنكرت سؤالي و ظهرت تعابير الاستياء على وجهها ،


بس ، رضيت على نفسي ها لمرة أكون ( وحقة ) شوي ، و لا


أن سلطانوه الزفت يرجع يظهر بحياة قمر ، يعذبها من جديد ...



- إذا ما خانتني توقعاتي يا شوق ، أنت ِقلت ِ


لها شي له علاقة بأخوك ...



رفعت حاجبها الأيسر ، في نظرة تجمع بين التنبيه ، و الدهشة و الاعجاب !

اللي زادني يقين فوق يقين ، أن الزفت له ضلع في الموضوع .




- قمر بـ ترجع معك اليوم ؟

- نعم

- و اللي يوديك البيت طبعا أخوك

- نعم

- يعني ... قمر رح تلتقي بـ أخوك

- ....

- ليه يا شوق ؟

- عفوا سلمى بس ما تلاحظي أن الأمر ، ما له صلة بك ؟

- إلا ، قمر صديقي و أختي الحبيبة الغالية ،

و اللي ما اسمح لأي مكروه يصير لها و أنا أتفرج !


نسيتي اللي صار




ببيتكم قبل كم يوم ؟؟؟


أنا ما ابي أقول شي لقمر لأني توني متهاوشة معها أمس ،

امنعي أنها تشوفه فورا .




ناظرتني بنظرة غضب ، و شاحت بوججها عني ...

يعني هي تأيد هذا اللقاء و تبيه يصير ...




- قمر هي اللي طلبت منك توصليها ؟

- لا

- أنت ِ؟ انت ِاللي تبينها تشوفه ؟ تعتقدي أن هذا رح يفرحها ؟

- أخوي يبي يقول لها حمد الله على السلامة ، لا أكثر .

- يعني سلطانوه هو اللي طلب !؟




طلعت الجملة من لساني عفويا ، و لفت علي و طالعت


بي شوق بغضب ، ليه أسمي أخوها سلطانوه ! زين ما قلت :

( الزفت ) بعد !




- شوفي يا شوق ، أحسن لك تقولي لأخوك يبتعد عن قمر نهائيا ،

يكفيها اللي قاسته بسببه طول المدة اللي فاتت ، و هو

لا حاس و لا كأنه واحد من البشر


- ما اسمح لك يا سلمى ، ما اسمح لك تقولي عن


أخوي أي كلمة غلط ، رجاءا انتبهي لكلامك ...


- لكن هذه الحقيقة ، أخوك مثله مثل الكرسي اللي


أنت ِجالسة عليه ، بس للكرسي فوائد أكثر ...



وقفت شوق فجأة بعصبية ، و صرخت بوجهي ،


و زين ما كان أحد قريب منا و الا كان سمع ..



- سلمى اسحبي جملتك بسرعة ، إش تعرفي انت ِ


عن أخوي ؟ ما أقبل أي أحد يقول عنه كذا ،


لا أنت ِو لا قمر و لا



غيركم ، اسحبي كلامك ...






و جت قمر ، منبسطة الأسارير مشروحة الصدر ،

كأنها طفلة بريئة تحلـّـق في السماء ... بعفوية و بلا قيود ...




فرحتها ما خلتها تقدر تلاحظ الجو المشحون بيننا أنا و شوق ،


حضورها خلانا نقطع الموضوع ، و ما عاد قدرت أفتحه



مرة ثانية ...




*
* *
*







دقايق و ألتقي بالعسل ...

ما أصدق ...هذا حلم وإلا حقيقة ...


؟؟؟ سلطان يبي يشوفني ...؟؟؟

آه يا سلطان ...



المحاضرة أنا ما ركـّـزت عليها ....


مسكت القلم و فتحت الدفتر ، و حلقت بخيالي بعيد


... بعيد ... في عالمي الخاص ...


كتبت كم بيت شعر ... زمان لي ما كتبت ..


. عسل غاب ... و الالهام غاب معه ...



سلطان يحب يقرأ أشعاري ... و رح أهديه هذه الأبيات ،


لما أشوفه بعد شوي ...

الوقت بطيء ...

ليه يا عقارب الساعة تخاذلت ِعن المشي ؟؟

ليه يا شمس طولت ِالزيارة ...؟؟

ما بغيت أصدق أنها جت الساعة 3 أخيرا ...

تفكيري مشلول ، ما فيه أي شي ثاني ببالي ،

بس عسل و عسل بس ...

ودي بس أشوفه ، لو نظرة وحدة ...

بس أسمعه ، لو كلمة وحدة ...

أحس بوجوده ، لو لحظة وحدة ...




كثير علي ؟ لحظة وحدة بس ، من عمر الزمن ؟؟؟ كثير علي ؟؟؟






- هذا هو وصل !




انتبهت فجأة على صوت شوق ، اللي كانت واقفه

جنبي عند المواقف ، ننتظر وصول سلطان ...



ما طاوعتني رجلي ، ما قدرت أخطو ... حسيت بنفسي مشلولة ...


مسكت شوق إيدي ، و سحبتني معها ، للسيارة ...


شوق فتحت لي الباب الخلفي ، و راحت تجلس قدّام ، جنب أخوها ...

ما أذكر وشلون جلست ، بس شفت نفسي


على الكرسي ، ورا سلطان مباشرة ...



أول ما وصلني ، كانت ريحة عطره الفواحة الجذابة ...


اقتحمت أنفاسي و سرت في جسمي كله ...

ما انسى ريحة ذاك العطر ... مهما حييت ...

أبدا ...



عيني ثبتت على يديني ، يديني كانت ترتجف ،


كانت باردة و متوترة ، رغم أن جسمي حار ..


و صدري ملتهب ...





- السلام عليكم ، كيف الحال قمره ؟




هو اللي بدأ السلام ، أنا صوتي تلاشى فجأة ،


شديت حبالي الصوتية شوي ، لا ،


شديتها كثير ، بغيت أقطعها من كثر الشد ،


بس خانتني ، و طلع صوتي مبحوح و أقرب للهمس ...


- و... عليكم السلام


- كيف حالك الآن ؟ حمد الله على سلامتك


- ااالله يسلللمك ...


- ما تشوفين شر ، الله يعافيك و يقومك بالسلامة يا قمره





رفعت عيني ، طالعت في المراية ... و جت عيني على عينه ....

سرت رعشة بجسمي ، مثل صدمة الكهربا ...

بسرعة بعدت انظاري و بعثرتها يمين و شمال ...

من زمان ما شفتها ... في لمحة وحدة ،


تذكرت كل شي شفته في ذيك العيون ...

و آه من ذيك العيون ...



حسيت بلهيب حار يطلع من صدري ،


و صرت أهف على نفسي بيدي ، سلطان انتبه لي ،

و رفع التكييف بالسيارة

لأقصى حد ...



ما قدرت أقاوم ... تسللت نظارتي خلسه ناحية المراية ، و مرة ثانية ... اصطدمت
به ...

عيني بعين العسل ... و ريحته تداعب أنفاسي ...


و هو جالس قدامي ما يفصلني عنه إلا مقعد ...



إذا كان هذا حلم ... أرجوكم ... أرجوكم لا تصحوني ....



و إذا كانت حقيقة ... فتكفون ... خلوني ...


روحوا و خلوني ...





*
* *
*







- سلطان ... وقـّـف عند محل الآيسكريم ! مشتهية واحد !



قالت شوق لما قربنا من محل آيس كريم في طريقنا ...



و وقف سلطان السيارة ، و نزلنا إحنا الثلاثة ، و دخلنا المحل ...

و احنا طالعين ، و كل واحد بإيده نصيبه من الآيس كريم ،

التفتت شوق ناحية البحر ...



- الله ! بالمرة بديع ! وش رايكم ، خلونا نجلس عند البحر شوي !



مو من اعتباط ، كانت تقصد شي ، و الفكرة راقت لنا كثير ...

و مشينا لعند البحر ...



الشمس ، مازالت في كبد السماء ...


نورها يسطع على الوجوه مباشرة ....

يتخلل عدسات العيون ...

و يبرق لونها العسلي الجذاب ...



و من الناحية الثانية ، يترك ضياها ظل طويل ممدود ...


يتراقص على الرمال الناعمة ... مثل ما تتراقص القوارب

الخشبية على أمواج البحر ...



أحسد الرمال اللي قدرت تعانق ظله و هو يمشي عليها ...



ما أذكر كيف كان طعم الآيس كريم ...



حواسي كلها فقدتها ذيك اللحظات ...


كان بارد و الا حار ؟ كان حلو و الا مر ؟

كان آيس كريم و الا قهوة ؟ ما اذكر ...



وقفنا عند الساحل ... نراقب الأمواج و هي تضرب بالرمال ...


بدون كره أو نقمة ، و كانت رمال الشاطيء مستسلمة

لضرباتها ، مثل استسلام الرضيع لضربات راحة


يد أمه على ظهره ، و هو نايم بحضنها ...



شوق ، عشان تتيح لنا فرصة نتكلم ،


مشت بمحاذاة الساحل ، و ابتعدت كم خطوة ...



- ألف حمد الله على سلامتك يا قمره ، عدّاك الشر و كل مكروه ...

- الله يسلمك ... الشر ما يجيك ...

- إن شاء الله كل شي بخير ؟ وش قالوا الأطباء ؟

- كل شي تمام ، عندي موعد بعد كم أسبوع ، للمتابعة لا أكثر ...

- الحمد لله ...



كأنّ البحر ، كان فرحان بلقائنا ؟ كأنّ أمواجه هاجت شوي ،


تغني و تتراقص احتفالا بنا ؟


ليه تهيأ لي أن كل الكون ... جاي يحضر لقاءنا و يحتفل ...؟


الشمس ... الطيور .. الأمواج ... الرياح ... كل الكون ...


يشهد لقاء المحبين ، بعد طول فراق ....



اشهدوا معي كلكم ... أحبه ، و مشتاقة له و ولهانة عليه ...




الشعور الـّـي أحس به ، لما يكون العسل قريب مني ،


شعور ... أعجز و لو كنت أملك قدرات العالم كلها ، عن إني

أوصفه ...



- متى زواجكم ؟




اخترقت هذه الجملة الدخيلة المشؤومة جمال اللحظات ...


و توقف كل شي عن الغناء و الرقص ... و افسدت الحفلة ...



طالعت بسلطان ... و نظراتي كلها لوم و اتهام ...

ليه خرب علي حفلتي ؟؟؟


سلطان ، طالعني ينتظر مني الجواب ...




قلت بصوت مخنوق :



- ما تحدد



سكت شوي ، بعدين قلت و أنا مقهورة منه :



- ليه تسأل ؟

- مجرد سؤال ...

- مو في مكانه



هزته جملتي الأخيرة ... و طالع فيني بعمق ،


كأنه يبي يقرأ المكتوب على عيوني ،


و كأن اللغة كانت غريبه عليه ...

ما عرف يقراها ...



- ليه ؟

- تسألني ليه ؟!




ابتعد بانظاره صوب البحر ... ما كان يبي يقرا أكثر ...




- سلطان ...



ناديته بصوت ... كله حنين و مشاعر ... التفت لي ...



- نعم ؟

- تتوقع ، أني ... خلال الشهرين اللي فاتوا ...


قدرت أحب بسـّـام ... و أنساك ؟؟




ما عرف يجاوب ... أو يمكن ما بغى يجاوب ...




- سلطان ... أنا ... بعدني .... أحبك أنت ...




تنهد تنهيدة طويلة ، و قال ... ببرود ...


أبرد من الآيس كريم اللي كان بايدي ...


- إش الفايدة يا قمره ؟ ... إش الفايدة ؟ ....

قمر ... قمر ... لازم تنسيني ... لا تخلي ...



تعلـّـقك بي يكون السبب ... في أي مكروه يصيبك ...


مو أنا ... اللي

استحق ... مشاعرك ... أرجوك ... وجهي مشاعرك لزوجك ...



زي ما أنا ... وجهتها لزوجتي ...




دارت بي الدنيا ، امتلكتني رغبة مفاجئة في ( التقيؤ ) ،


صرت اتلفت يمين و شمال ، قلق سلطان ، و حس أن فيه

شي ...




- قمره أنت ِبخير ؟




هزيت راسي لأ ...

لأ يا سلطان لا تسوي فيني كذا ...

لا يا سلطان لا تحطـّـمني في عز فرحتي

لا يا سلطان لا تسمح لغيرك ياخذ مشاعري ...

لا يا سلطان لا توجـّـه مشاعرك لأحد غيري ...

لا يا سلطان مو بخير .... لا مو بخير ...

مو بخير ....





- قمر ... ؟



نادى و هو مذعور و قلق ... ، طالعت فيه و دموعي


مثل المطر ... و في قلبي صرخة ما قدرت أكبتها بعد أكثر ...




- هذا اللي بغيت تقوله لي يا سلطان ؟ جايبني هنا عشان كذا ؟؟؟


- لا يا قمر ... مو قصدي




قاطعته بحدة :




- إش تقصد ؟ وضح لي ؟

- قمر نعيد و نزيد ؟ انسيني يا قمر... اعتبريني ...


فيلم و انتهى ... قصة و خلصت ... اعتبريني ... اعتبريني ....





و أشار على البحر ، و كمـّـل :


- ... اعتبريني موجة و عدت ... و ما بقى ... إلا الزبد ...



لما رجعت عيونه تطالع بعيني ، ما شفت ... إلا الزبد ....




- فاهمتني يا قمر ...؟؟؟




نزلت بانظاري ... الى الآيس كريم اللي بيدي ، انصهر معظمه ...

جماد ... بارد ... بدون احساس ....


رفعت عيني مرة ثانية لعينه ...



- الفرق بينكم ... أن هذا ينصهر ... و أنت لا ...




قلتها بكل غضب ، و بحدة جارحة ... و أنا متأكدة ،


أن المخلوق التمثال الجامد قدامي ، اللي


مصنفينه بالغلط ضمن البشر ، مستحيل يحس ...




محاولة أخيرة ، اختبر فيها ( حيوية ) هذا المخلوق ، من عدمها ...

قلت :



- أحبك ...




ما تحرك ، كل شي من حولي تحرك ، الهوا تحرك ...


الموج تحرك ... الشمس تحركت ... حتى الظل ... تحرك ...

لكن هو ... ما تحرك تيقنت تماما ، أن هذا ..


. مخلوق أجمد حتى من الجماد ...




فجأة ، رن هاتفه الجوال ...

أخذه من جيبه ، و رد ...





ما كان صعب علي ، أني اعرف من كان المتصل ...

بعد ثواني ، انهى المكالمة ، و حط الجوال بجيبه ...





- المدام ؟


- .... نعم ، تقول تأخرنا ...





و طالع بشوق ، اللي كانت جالسة عند الشاطي


على بعد كم متر منا ، تناظر البحر ...



- تحبها ؟



سألته ، سؤال ما توقعه ... و تلكأ في الإجابة ...




- مو الحب بس ، هو اللي لازم عشان ينجح الزواج يا قمر ...


هي مسألة تعود ، و رح تتعودي على زوجك ، مثل ما

أنا ... تعودت على منال ... و يصير بينك و بينه عشرة


و مودة و حياة ، مثل ما صار بيني و بين منال ... و يصير

يعني لك ، مثل ما صارت تعني لي منال ...





غمضت عيني بقوة ، بألم ، بمرارة ، أبي أمنعها من


شوفة صورة منال ، انعصرت دموعي ، و انشدت أعصابي ، ما

أبيه يذكر اسمها قدامي ، أكرهها قبل ما أشوفها ،


و يوم شفتها أكرهها أكثر ... و لا جاب طاريها أكرهها أكثر و أكثر و

أكثر ...

أبي أمحي صورتها من بالي نهائيا ...


ناداني سلطان بصوت متعاطف و قلق في نفس الوقت :


- قمره ؟؟



فتحت عيني ، طالعت فيه ، الحين ، ما أشوفه هو ،


أشوف صورة منال مرسومة على وجهه ... مخلوطة مع صورة

الزبد ... و صورة الفصوص الفضية و هي تتبعثر في الغرفة ....


صحت بوجهه :




- أكرهك ...




قلتها ، من نار صدري ، من حرقة فؤادي ، من عصرة قلبي ...


- أكرهك يا سلطان ...

فجعت قلبي ... الله يفجع قلبك ...




و رميت ( كوب ) الآيس كريم عند رجله ،


و رحت أجري صوب السيارة ...

وصلت السيارة ، و فتحت الباب ، و طلـّـعت شنطتي ...

وصلت شوق و سلطان لعندي ، و كل واحد يناديني من جهة ،


و أنا ما أرد عليهم ...





فتحت الشنطة ، و دوّرت على المحفظة ،


شفتها و شفت جنبها الورقة اللي كتبت فيها آخر


شعر لي اليوم وقت المحاضرة ...





طلـّـعتهم اثنينهم ، فتحت المحفظة و طلعت ( خمسة ريال ) ،


سعر الآيسكريم ، و قطـّـيتها على سلطان ، و الورقة ،

مزعتها و رميتها صوبه ...




كانوا اثنينهم يكلموني ، لكني ما اسمع أي واحد منهم ...

جيت بامشي أبتعد عن سلطان ... و عن الحيز اللي فيه

سلطان ...

و عن الدنيا اللي فيها سلطان ...

و عن اللحظة اللي عرفت فيها سلطان ...

و عن القلب اللي ما حب واحد في هالعالم ...

غير سلطان ....






اللي اسرقت مني حبيبي و باقت أحلامي
اللي بسببها تبددت في الكون أيامي
اللي كرهت أنا اسـ مها من بد الأسامي
لا عاد ابيك تجيب لها أي طاري قدامي

*
* *
*

لا جيت تذكر اسمها أوصالي تتقطع
و النار اللي بتنخمد ، ترجع و تتولع
إهي العزيزة الغالية تامر و تتدلع
و انا الوحيدة الباكية أصرخ و اتوجع

*
**
*

يكفيها كل وقتك لها كل حبك و خيرك
حتى فدقايق لي أنا ، محتلة تفكيرك ؟
ارحمني يا ابن الناس أنا ما حبيت غيرك
شكرا ( لفهم ) مشاعري ، شكرا ( لتقديرك
***************************




من مواضيعي :
  #2  
قديم 23/12/2006, 09:47 PM
صورة لـ زهرة الخزامى
زهرة الخزامى
ودود
 
رد: فجعت قلبي

~ وداعا ًأيّها العسل ~



الحلقة التاسعة


* * * * * * * *










كنت جالسة أحفر حفرة صغيرة في رمل الشاطىء ،

بملعقة كوب الآيس كريم ، اللي أكلته قبل شوي ...

قمر و سلطان ، كانوا قريبين مني ،


بس بمسافة ما تسمح لصوتهم أنه


يوصلني و انا طبعا ما تعمدت أسمع ...





فجأة ، شفت قمر تمشي بسرعة صوب السيارة ،


و أخوي رايح وراها ، و جيت معهم و أنا متوقعة


أن مشاحنة حصلت بينهم ...





قمر كانت كل شوي تمسح دموعها ، و فتحت باب السيارة

و سحبت شنطتها و طلعت (خمسة ريال ) و رمتها على

سلطان ، و بعدها مزعت ورقة و رمتها صوبه ... !





تركت باب السيارة مفتوح و راحت تمشي بسرعة ...


كانت ، تبي تروح البيت مشي !


أنا ما أدري وش اللي دار بينهم بالضبط ،


بس صرخت بوجه أخوي :


- ( وش سويت ؟؟؟ )






سلطان ، كل علامات الهلع و الفزع كانت


متفجرة على وجهه ، و هو ينادي :

- ( قمره أرجوك ... )




ابتعدت قمر عن موقف السيارات و راحت تمشي


بسرعة على الشارع ، و أنا امشي وراها و انادي عليها

و لا ترد ، لين مسكتها ...






- قمر اصبري ! وين رايحة !!؟؟

- تركيني ... بـ ارد البيت

- جنـّـيتي يا قمر ؟ الله يهديك ، تعالي بس ...






و حاولت اسحبها معي ، لكنها تملـّـصت مني ،


و راحت تبي تكمل طريقها ...




- أرجوك قمر اهدئي شوي ...






في ذي اللحظة ، مرت علينا سيارة ( ليموزين ) ،


و لا شفت إلا قمر تأشر عليها ...




وقفت سيارة الليموزين جنبنا ، و جت قمر بسرعة

و فتحت الباب ... تبي تدخل ... و أنا مسكتها ...






أخوي سلطان ، و اللي كان قريب منا جا مسرع


و قبل ما تدخل قمر السيارة صك الباب اللي كان مفتوح و هو يصرخ

على ( السواق ) :




-( خلاص روح )

- لا انتظر





صرخت قمر و هي تمد إيدها مرة ثانية لباب السيارة تبي تفتحه






تحركت يد سلطان ، يمكن لا إراديا ،

و مسك إيدها يبعدها عن الباب بقوة ...





- اتركني

- ما أخليك تروحين يا قمر أبدا

- مو بكيفك ، وش دخلك أنت؟ من تظن نفسك ؟





و هي تسحب إيدها و تحاول تمسك ( مقبض ) الباب ،


و تفتحه شوي ، و يرد سلطان يصكه بالقوة ، و يصرخ على

السواق :




- قلت لك روح خلاص يالله...






السواق الهندي ، مسكين شكله تخرّع ، بسرعة فلت ...






- ليه؟

صرخت قمر




- مجنون أنا أخليك تروحي معه؟ يالله نرد السيارة

- ما أبي أروح معك ، غصب هي؟ ما أبي أركب سيارتك ،


أكرهك يا سلطان ، أكرهك ، أكرهك أكـــرهــــــــــــــــك









و التفتت لي ، و ارتمت بحضني و صارت تبكي بكا يقطع القلب ،



و انا أحاول أهديها




- قمر ، خلينا نروح السيارة كذا وقفتنا بالشارع غلط ... ا


لله يخليك قمر...




قالت بشكل متقطع ، بين الكلام و الشهق و البكاء و الدموع :




- ما... أبي ...... أركب ........ معه .....



- أرجوك قمر ، عشان خاطري أنا أرجوك ...






بصعوبة أجبرتها ترجع للسيارة ، بعد مدة ، خلها توصل البيت ،


و بعدين اللي تبي تسويه تسويه ...






جلست معها على المقاعد الخلفية و هي

تبكي بشكل مو طبيعي ، خفت يصير لها شي ،

و الله ما اسامح نفسي لو صار

لها أي شي ...




سلطان في البداية ظل واقف برى السيارة ، بعيد عنا شوي ،


لين بدت قمر تهدأ شوي ، و بعدين ركب ...



أول ما جلس على المقعد و صك الباب قال :

- قمر أنا آسف...



و تمر ، ردت بسرعة و بحنق و انفعال :



- ما ابي أسمع صوتك ، اسكت ... اكرهك...






طالعت بعين أخوي من خلال المرايا ،


حسيته يبي يقول شي ، لكن أنا قطعت أي محاولة نقاش بينهم :



- بعدين سلطان ، يالله نمشي...






سلطان قاد بسرعة ، و كذا مرة كان يسأل :

- (أنتوا بخير؟ )







لما وصلنا عند بيت بو ثامر ، رد قال :




- قمر ... أنا ... أنا آسف ...






قمر فتحت الباب ، دون ما تقول كلمة وحدة ،

و نزلت من السيارة صكته بقوّه هزّت السيارة كلها !




التفت سلطان علي و قال :


- روحي معها







نزلت فتحت باب السيارة و نزّلت رجلي على الأرض ،

أبي أنزل ، لكن قمر – وهي تطلّع مفاتحيها من الشنطة –

قالت لي بحدة :



- خليك يا شوق ، مع السلامة.






و دخلت البيت ، و صكـّـت الباب ....




نزلت من السيارة و وقفت لحظة ، و رديت ركبت جنب أخوي ...





- وش صار يا سلطان؟


- كان لازم تكرهني ... عشان تعيش حياتها ...





و مشى بالسيارة ، أنا ما رديت سألته عن شي ...




مشى ببطء ، كان شارذ الذهن ، و متوتر ،


و لما وصلنا عند الإشارة ، خذ اللفة و رجع نفس الطريق !





طالعت فيه و انا مستغربة ، و لا سألته لين وصل

عند بيت بو ثامر مرة ثانية و وقف عند بابهم و قال :



- انزلي شوفيها يا شوق...


- نعم؟


- انزلي شوفيها يا شوق لا تذبحيني...







ما شفتها عدلة ، ترددت ، تفشلت أروح لها الحين ،


بعدين وش أقول لها و لأمها ؟ و وش تقول هي عني ؟

لما شافني أخوي جالسة بمكاني


ما تحركت طالع فيني بنفاذ صبر ...





- زين خلني بس أتصل و اسأل ... جيب جوالك...


- انزلي شوفيها يا شوق لا يكون صابها شي...






خوفتني جملته ، قمر كانت منفعلة بالمرة ،

و يمكن لا قدر الله يتكرر اللي صار قبل كم يوم ..





و أنا جاية بانزل وفتحت الباب ، شفنا سيارة ( بسـّـام ) ،

جاي لبيت بو ثامر ، و أول ما شافها سلطان ، قال لي

( خلاص )

و انطلق بنا ...









*
* *
*








تغيبت قمر عن الجامعة اليوم التالي ، لما ما شفتها


في الصباح ، فزعت ، خفت يكون صار لها شي ، ما قدرت أتصل

عليها بعد اللي صار ... ما تجرأت ...






رحت لسلمى اسألها عن قمر ، و قالت لي أنها كانت


تحاول تتصل عليها الليل و لا قدرت تكلمها ...




وجهت لي سلمى سؤال مباشر :


- (صار شي أمس؟ )





و لا عرفت بإيش أجاوبها ...

سلمى يمكن كانت على حق ، لما حاولت تمنع لقاء قمر بسلطان ... لكن ...



كانت عيونها كافية ، ما كانت بحاجة للكلام ...


( لو يصير لقمر أي شي ، يا ويل سلطان مني )








تكرهه ، بمقدار حبها لقمر ... و بديت أشك


أنها تكرهني أنا بعد ، و تعتبرني المسؤولة



عن اللي صار لقمر ، ذيك الليلة ...


مع أني ، ما دبرت أي لقاء بين قمر و منال ،


و تفاجأت بها مثلهم بالضبط ...





الكره ، عمى قلبها ... و جردها من انسانيتها ،


و خلاها تتصرف بلا رحمة ، مثل وحش ...



يشمت بفريسته ... و يتلذذ بعذابها ...







*
* *
*






ليلة الخميس ، هي ليلة الخطيب الخاصة ...


و الليلة جاي لي بسـّـام ، للمرة الأخيرة ....




قراري ، كان إني أنفصل عنه ، مو لأنه عندي أي أمل


في أن العسل يرجع لي ، أو أني أحب بسـّـام ،


إنما لأني شفت في بسـّـام إنسان أفضل من


أنه يستحق انسانة مثلي ...









ما عدت فتحت الموضوع قدام سلمى ،


قراري الخاص و ما بغيت أي شخص يشاركني فيه ...




الأيام الثلاثة اللي فاتت ، تغيبت عن الجامعة ،


مو من تعب ، بس اعتبرتها فترة نقاهة ،


و فاصل بين أحداث الأمس و اليوم ..




قضيت كثير من الوقت ، أكتب في بحث سلمى



على الكمبيوتر ، و لما جهز ، أرسلته مع ثامر لبيتها ...


ما كنت أبي التقيها و أظن هي بعد حست بكذا ،



و اكتفت بشكري على الهاتف ، دون أيه أسئلة ....






استقبلت بسـّـام بشكل طبيعي ،


و هو كان ( مشتاق ) لأنه ما شافني من يوم السبت ...


يوم الأحد ، يوم لقائي الأخير بالعسل ،


كانت أمي طالعة مع أمه السوق سوى ،


و هو وصلهم مشوارهم ، مر على

بيتنا بس ما نزل شافني ...



و هذا أفضل ، لأني يومها ، لو كنت شفته بوجهي ،


كنت رميت الدبلة عليه بعنف ...



أما الحين ، أعصابي هادئة و أقدر اشرح له بهدوء ...



و بطيب خاطر ...







- تصدقي يا قمر ، توحشيني بسرعة !


الأسبوع طويل و ما فيه غير ليلة خميس وحدة ! ما تكفي ...




قلت في بالي :


- ( أجل لما تعرف أنها الليلة الأخيرة ! وش رح تسوي ؟؟؟ )






قررت اللحظة ذي إني أدخل في الموضوع ،


كرهت نفسي و أنا فاتحة له المجال للتعبير عن مشاعره ،


فيما أنا أخفي( السكين ) ورا ظهري ...






- بسـّـام ....

- عيون بسـّـام ؟

- .... تسلم عيونك ...

- غمضي عيونك !






اندهشت ، و طالعته باستغراب ، و رد قال :


- يالله قمر حلوة ، غمضي عيونك !






ما ادري ليه ! بس جاريته و غمضت عيني ...


فجأة ، حسيت بشي يتحرك حول رقبتي ،


بغيت افتح ، جا صوته يأكد علي :



- لا تفتحي !





و ثواني ، و قال :



- الحين افتحي !



فتحت عيني ، و جت على عينه مباشرة ،


كانت مليانة حب و تقدير ...



و نزلت بعيني أبي أشوف الشي اللي علقه على رقبتي ،


جيت أبي أحرك إيدى أتحسسه ، لقيتها مضومة بين يديه ...


رديت أطالع بعينه ، ابتسم لي ابتسامه عذبة و


رفع إيدي إلى شفايفه ... و قبلها ....






- إن شاء الله يعجبك !





كان عقد ذهبي جميل جدا ... به حجرة بالمنتصف ،


محفور على خلفيتها :


(( حبيبتي قمر حلوة ))








نقلت بصري بين العقد و بسام ...


و فاضت عيني بالدموع غصبا علي ....




الإنسان اللي شاريني و يبيني ...


إللي يحبني و يقدرني ...


اللي يتودد لي و يتقرب مني ...


و أنا اللي كنت ، ناوية أغرز سكين بقلبه ....




ما قدرت اتحمل ...


ظهرت صورة سلطان ، و احنا عند البحر ، و هو يقول :



- ( اعتبريني موجه عدت ... و ما بقى إلا الزبد ) ....








تلاشت كل معاني الحب اللي حملتها لسلطان ...


تبددت كل مشاعر العشق اللي خزنتها لسلطان ....


تبعثرت آخر أطياف



الأمل ...و تجمدت آخر قطرات الدموع ...


و انطفت آخر ألهبة الشموع ...



و انطلقت آخر صرخات القلب المفجوع ...




... وداعا يا سلطان ....

... وداعا يا العسل ...

و داعا بلا رجوع ....








*
* *
*







كنت أبي استعير كم ورقة من عند أخوي






سلطان ، أطبع عليهم بحثي ، و اللي رح يكون الدور


علي أقدمة السبت الجاي .



بحث ( سلمى ) كان حلو ! معد بالكمبيوتر !


قمر ساعدته فيه ... يا ليت أقدر أسوي مثله !


بس مستحيل أطلب من



قمر أنها تساعدني ... !





دقيت الباب ، و ما جاني جواب ، فتحته و دخلت .


ما كان أخوي موجود بالمكتب ،



و رحت لعند أوراقه و أخذت رزمة .





على نفس المكتب ، لفتت نظري ورقة نصف مطوية ،


كانت ممزقة ، و بشريط لاصق جمعت أجزاءها ...


بفضول أخذت الورقة و فتحتها ... و عرفت على الفور ،


أنها من قمر ! ...









*
* *
* * * *

أشيلك فوق رمش العين ..... و أعزّك و انت هاملني...

حسبتك لي حبيب ٍزين ..... و اثاري بس تجاملني ...

عشانك باسط الكفين ..... و كل شي أنت حارمني...

يا ساكب دمعي عالخدين ..... يا شاغلني و ظالمني...

يا سالبني و ناسي الدين ..... و زي داين تعاملني ...

حبيبي فيك طبع ٍشين ..... تـواعدني و تماطلني...

تغيب و ما اعرفك وين ..... تفر مني و تغافلني ...

و لا منّي بعدت يومين ..... تصر أنك تقابلني ...

و لا مرة اجتمعنا اثنين ..... تمل منّي و تعاجلني ...

كلامك ينقسم نصّين ..... تذم فيني و تغازلني ...

حبايب حنّا لو ندّين ..... اعــاتبك و تــراددني ...

تبيني و الا حاير بين ..... تهدني و الا تاخذني ؟...

تلاعبني على الحبلين ..... تقرّبني و تبـاعدني ...

تحمّلتك و طبعك لين ..... كرهتك ، لا تواخذني ...




* * * *
* *
*














ظهر أخوي فجأة ، طالع من دورة المياه ،


و شافني و شاف رزمة الورق الأبيض تحت ذراعي ،


و الورقة الممزقة بإيدي ...






- هلا شوق..

- هلا ، بغيت كم ورقة أطبع عليها بحثي ...

- تفضلي أكيد...





و دنا مني ، ومد إيده ، و أخذ ورقة قمر من يدّي ....



- أنا آسفة !

- ما فيه داعي ...

- ... تامر بشي أخوي؟ بـ أروح أكمل شغلتي ...



- ... ما ردت للجامعة؟

- ... لا ...







جلس سلطان عن كرسي المكتب الدوار ...


و تنهد بضيقة صدر ... و رفع الورقة قدام عيونه ،


فما قدرت أشوف تعابيره بعدها ...




انسحبت من الغرفة بهدوء ... و تركت سلطان ...


يلملم أجزاء قلبه ، مثل ما لملم أجزاء الورقة الممزقة .....









يوم السبت اللي بعده ، رجعت قمر للجامعة ...


لا ، في الواقع ... ما رجعت قمر ...


اللي رجعت وحدة غير ... اكتشفنا انها ما هي قمر



اللي نعرف مع مرور الأيام ...



فيها شي تغير ...




صارت أميل للجدية ، و العصبية ، و نفاذ الصبر ...



و تشاحنت أكثر من مرة مع زميلاتنا ، و لأسباب


ما كانت تعبرها في الماضي ...




و لاحظت ، أنه و لو بالصدفة جا طاري


سلطان أو منال قدامها ، يضيق صدرها و تتأفف


و تعابير وجهها تمتلي كره و



بغض و تعلق أحيانا تعليق جارح ،



أو تغير الموضوع بشكل غير لائق ...






هل ممكن للحب ، أنه يغير الانسان بذا الشكل ...؟؟






كان أول خبر تفاجأنا به يوم السبت ذاك ،


هو أن موعد زواجها خلاص تحدد بعد كم أسبوع ...




أنا تحاشيت أتكلم معها عن أي شي من اللي



صار مع أخوي سلطان ، و هي بدورها بعد ما


أشارت للموضوع و لابحرف واحد ...







أنا صارت عندي عقدة الذنب ...


حسيت أنني تسببت بتحطيم حب قمر لسلطان ، بحسن نية ...






في نفس اليوم ، بعدين لما سألني أخوي عنها :




- ردت للجامعة ؟

- نعم ...

- و كيفها ؟

- خلاص يا سلطان ، نصف شوال الجاي ... حفلة زواجها .








طالعت بسلطان ، مثل اللي يطالع بمتهم ... و قلت :



- ارتحت الحين ؟





و عطيته ظهري و طلعت .







أنا ما عمري سألته عن اللي صار بينهم ذاك اليوم ،


بس منها عرفت ... أنها كانت خاتمة القصة ... قصة الحب



المأساوية ، اللي انكتب عليها أنها تنذبح و هي في المهد ...



و بكذا ، كانت نهاية حب قمر حنا لسلطان ...





*
* *
*











خلصنا الدوام ، و جت الساعة 5 و نص ، و أنا و سلطان


لسا موجودين بمكتبه نملم أوراقنا .




كان يوم أربعاء ، و كنت أبي ألحق أروح ارتاح و اقضي


لي كم شغلة ، قبل ما اروح عرس بسـّـام .


أنا و بسـّـام معرفة قديمة و الرجال عزيز علي ،


و لازم احضر زواجه .








- يالله سلطان يكفي ! نكمل بكرة .


- بكرة الخميس يا ياسر ، ما فيه دوام . أبي أخلص


الشغلة و تكون جاهزة للسبت .


- أجل أنا بـ اطلع ، وراي عزومة الليلة و عندي كم شغلة أنجزها ...





يعني أنا مو قوي الملاحظة لذيك الدرجة ،


بس كأنه وجه الرجـّـال انعفس ، و قط القلم من إيده ، و قال :


- يالله ، أنا بعد طالع خلاص ...







و في نفس اللحظة ، جا العامل و بايده علبة صغيرة ،


و عطاها سلطان ...



- إش هذه ؟

- جاية بالبريد






بعد ما طلع العامل ، صار سلطان يقلب بذيك علبة ،


مستغرب ... و شاف اسمه و بريده الخاص مسجل عليها ...





- افتحها شوف !




قلت و أنا كلي فضول ، لأن العلبة الصغيرة


شكلها كان غريب ... !





فتح سلطان العلبة ، و أنا جنبه ، و اندهشنا


لما شفنا اللي فيها ...


أنا كان اندهاشي اندهاش تعجب و تساؤل ، لكن هو ...


كانت دهشته دهشة ذهول ... و وجهه اعتفس كلـّـش ...


و تعابيره صارت مخيفة و مهولة ... مفزعة

إن صح تعبيري ...







داخل العلبة ، كان فيه سلسلة فضية مقطوعة ...


و جنبها ... كان فيه ورقة صغيرة مكتوب عليها :



((( القمر يقول لك الوداع ... )))



*******************


~ فاجعة ~

الحلقة العاشرة


* * * * * * *





مرت سنتين من زواج قمر و بسام ،


و تقريبا سنة من زواج شوق و ياسر ،


و أربع شهور من خطوبتي أنا و

( يوسف ) .


احنا في بداية العطلة الصيفية و زواجنا رح يكون بعد 25 يوم ...



علاقتنا أنا و قمر و شوق ، استمرت مثل ماهي ،


أخوات و صديقات و زميلات دراسة ...




كانت المرة الأخيرة اللي تهاوشت فيها مع شوق


هي قبل سنتين ، لما دبرت لقاء بين قمر و سلطانوه ، بعدها ،

و لما شفت النتائج الإيجابية ، و قرار قمر باتمام


زواجها من بسام ، و طردها سلطانوه من حياتها نهائيا ،


بعدها ، حمدت ربي أن شوق قدرت تدبر بينهم هاللقاء ،


و صرت مدينة لها بالشكر !




أكبر دليل على أن سلطانوه انتهى من حياة قمر ،


هو تقبلها لمنال بشكل طبيعي ، و خصوصا في حفلة زفاف


شوق ، حتى أن اللي يشوفهم سوى يفكرهم من الأصحاب ...


... تقريـــــــــبا من الـ (( أصحاب )) ! !




بعد كذا ، التقت قمر بمنال مرة أو مرتين ، في بيت شوق ،


و الأمور سارت بشكل طبيعي .



... تقريـــــــــبا (( طبيعي )) ! !




آخر الأيام أنا كنت مشغولة بالتحضير لزواجي ،


و ما شفتهم أو كلمتهم من أكثر من أسبوعين ، إلا البارحة ،


اتصلت علي شوق و سمعتها تقول انها مخططة


تروح رحلة للبحر مع زوجها ...



*
* *
*






نجحنا احنا الثلاث ، و كنا مبسوطين ...


و قلت لياسر أبي أسافر سفرة حلوة ، بس ما شجعني ..،


عنده شغل كثير .... و بالمقابل ، وعدني انه طول


الأجازة يوديني رحلات ...




كنا مقررين نروح رحلة بحرية بكرة ...


و اليوم ما عندي شي و رحت بيت أهلي ..




كنت في البيت ، ملانة و ودي اغير جو ...


اتصلت على سلمى لقيتها مشغولة

و اتصلت على قمر أبي أشوف إذا فاضية


تطلع السوق معي ؟




- متى ؟

- الحين ! أمرك و نروح ؟

- خليها لبكرة شوق ، عندي شغلة العصرية ذي .

- بكرة باروح البحر مع ياسر ! يمكن ما نرد غير آخر الليل ...

- الله ! حلو ! زمان ما رحت البحر ...

- تجوا معنا ؟ و الله فكرة ! إش رايك قمر ؟




و على كذا تواعدنا نلتقي هناك ...


يوم ثاني ، و أنا أجهز بالأغراض ، قال لي ياسر :




- كثري من كل شي بعد زود ...

- تبالغ ياسر ! كلنا أربعة أشخاص ! هذا إذا جا


بسام و قمر و شفناهم !

- سلطان و زوجته و ولده جايين معنا .




اندهشت ، طالعت فيه باساغراب متفاجأة :




- سلطان و منال جايين ؟ من قال ؟

- أنا جبت طاري الرحلة قدام سلطان و عجبته الفكرة


و قلت له يجي معنا !



الحين ، صرت بحيرة ...

صحيح ... أن سنتين مروا ... عمر مر ... و ذكريات انست ...


بس ... ما ارتحت للفكرة ..




- ياسر .... قمر رح تكون معنا ....




كأني أبي ألفت انتباهه لشي يمكن يكون غفل عنه ؟




- و إذا ؟ أهلا و سهلا ... إحنا أولاد اليوم ....




للحق ، ما ارتحت ، كان ودي أتصل على قمر أقول لها


، سلطان و منال جايين ، أو حتى أقول لها ، لغينا

الرحلة ... ما ادري ، بس حسيت أنهم لو التقوا ...

رح يصير شي ... و شي ... الله يستر منه ... !




من قبل ، في مرة من المرات ، كنت اسأل أخوي إذا كان يحبها ،


و هو جاوبني بأنه يعشقها ...


بعدها بكم شهر ، سألتني منال بشكل مفاجىء :




- ( سلطان كان يحب وحدة قبل ما يتزوجني ؟ )




و اعترفت لي بانها سمعت كلام بيني و بينه ليلة من الليالي ،


و ما كان اسم قمر انذكر ذيك الليلة ، و ظلت منال

في داخلها تتساءل الى الآن :


-( من هي ؟ )





هذا السؤال شفته بعيونها بأكثر من مناسبة ، تقريبا ،



في كل مرة أشوفها فيها ...



و لا أنا جاوبت ، و لا هي ردت سألت ...


*
* *
*





وصلنا عند البحر ، احنا و أخوي سلطان قبل قمر و بسـّـام .



منال أصرت تجيب معها ( نواف ) الصغير ، و ما تركته عند امي بالبيت .


ياسر استأجر قارب آلي ( طرّاد ) ، و ناوي ياخذنا بقلب البحر فيه ...




لمحنا سيارة بسـّـام و هي تعبر ، و أشر ياسر عليهم ...




سلطان ، و حتى منال ، ما كانوا عارفين ان قمر و بسام جايين معنا




و حسيت بحرج الموقف ، و انقهرت في ياسر ، كيف يتصرف كذا ؟؟؟






بسام و ياسر تصافحوا بكل ترحيب و بساطة ،


و رد سلطان تحية بسام من بعيد !




أما قمر ، فأول ما نزلت من السيارة وقفت بمكانها ...




جيت لعندها و سلمت عليها ، و شفت بعينها نظرة ا



لاستنكار و اللوم و الاستياء ...



- بعدين أقل لك وش صار ، غصبا علي ...




ما حسيتها مرتاحة ، و لولا الحرج ... يمكن قالت لزوجها :


- ( خلاص رجعنا البيت ) !





ماجد و رائد ، أخوان بسام التوأم بعد كانوا موجودين ...


و أول ما نزلوا من السيارة على طول هجموا على

القارب و البحر ، بكل براءة الأطفال ...






حاولنا كلنا نتصرف بشكل (( طبيعي )) ،


ما كأنه فيه ( شي ) مو في محله !




الطبيعيين كانوا ياسر و بسام و منال ، و الأطفال طبعا ...




أما الباقي ، لو يدقق الواحد النظر ، كان لاحظ الشحنات


الغير مريحة اللي دارت حوالينهم ... !



*
* *
*




كنا متواعدين أنا و شوق ، نطلع رحلة بحرية مع بسام و ياسر ،


نغير جو و ننبسط شوي ...


رائد و ماجد ما صدقوا خبر ، على طول جهزوا عدتهم


و لباس العوم يبوا يروحوا معنا ، و طبعا ما كسرنا

بخاطرهم ، و أخذناهم ...



الولدين اليتيمين متعلقين بأخوهم بسام ،


تعلقهم بالأب ، اللي فقدوه من سنين ...




لما وصلنا المكان اللي اتفقنا عليه ، انصدمت ...




كان فيه سيارة ثانية ... أعرفها زين ....

سيارة ما ركبتها من سنتين ...

و صاحبها شخص ... ما شفته من سنتين ...


و لا أبي أشوفه أبدا ....




حسيت أنها حفرة و طحت فيها و ما قدرت أطلع ،


بسام وقف السيارة جنب سيارتينهم ، و ماجد و رائد قفزوا

على طول للبحر ...


و أنا ... تدبّست ... و ما قدرت أنسحب ...




جت شوق لعندي تسلم علي ،


و طالعتها بنظرة غضب و استياء ، و لسان حالي يقول :



- ( وش جابهم هذولا بعد ؟ )



شوق فهمت علي و قالت لي أنه صار غصبا عنها ...



ما كان عندي خيار ، ليتني قدرت أرجع ...

يا ليت ...





بعدين ، لو انسحبت ، رح يظن ( صاحب السيارة )


أن وجوده أثر علي ...

رفعت عيني للسماء ، الله يعدي الوقت بسرعة و بخير ...


و بعدها ناظرت المرأة الثانية ، اللي كانت مع شوق ...





كانت زوجة ( صاحب السيارة ) جالسة على


سجادة مفروشة على الرمل ، و بيدها ولدها الصغير نواف ...

و الله يعيني عليها ...




رحنا و جلسنا معها ، و بدينا نسولف


و أنا مو طايقة أسمعها ..

من بد كل البشر اللي خلقهم ربي ،


هذه الانسانة أنا ما أطيقها بالمرة ... !

غصب هي ؟ ...

ما أقدر أستحملها أبدا !




- الجو حلو كثير ! ليتنا نجي كل اسبوع هنا !




قالت منال ، و ردت شوق :




- ياليت ! بس وين ؟ ! ياسر كله مشغول بعمله ،


ما قدر ياخذ أجازة نسافر لنا كم يوم،


اذا بغيته لازم أحجز قبل

اسبوع على الأقل !

- يعني سلطان اللي فاضي ؟


و الله ما ادري كيف صادفت فرصة نجي معكم !

يا حظك يا قمر ، زوجك يقدر يأجز وقت ما يبي !




استثقلتها ، وش قصدها يعني ؟


عشان بسام شغله حر ، و مو صاحب منصب مثل أزواجهم ؟



رديت بلهجة حادة :



- بسام بعد مو فاضي ، و الحين نبني بيت جديد



و ماخذ كل وقته ... و بعدين عنده مسؤوليات كثيرة في البيت و

العيلة ، و لا يقدر يأجز أو يسافر بكيفه ...




و على هالحال ، كلما قالت شي وقفت



لها برد اعتراض ، يمكن هي ما حست ، أو ما اهتمت ،


بس شوق كل شوي تناظرني ( هدّي الجو شوي ) ... !


حتى و أنا أتكلم ، عيوني ما كنت أجيبها بعينها !


أسوي حالي منبهرة بالبحر و السماء ...

ما أبي أشوفها ...




و لأني كنت اناظر البحر ... كان لابد إن عيني تجي على ...


( صاحب السيارة ) ... تلقائيا ....



و بسرعة ، أبعدها ...

أصرفها أي مكان ...

يا ليت مركبة فوق راسي عشان ما أشوف إلا السماء !




جا الجماعة من جولتهم الأولى بالقارب ،


مبسوطين ، و أصروا ياخذونا معهم في الجولة الثانية ،


قبل ما تغرب

الشمس ...




الفكرة كانت فكرة ياسر ، أنا طبعا ما عجبتني ،


ما بغيت أركب مع ذاك الشخص في زورق واحد ، و بعد معنا

زوجته و ولده ... ؟؟ هذا اللي ناقص !




ما ابي اقترب منه مسافة أقل من عشرين متر ....


ما أبي أحس بوجوده و أكون في الحيز اللي تقدر فيه أنسام

الهواء تعبر عليه و تجيني ...

ما أبي صوته يهز طبلتي ...

يا ليتني جبت معي ( سدّادة آذان ) !

أو حتى ...

سدادة حناجر أبلعه إياها !

ما كنت أبي أرطب معهم أبدا ...

لكن ، لما شفتهم كلهم راكبين ، اضطريت أركب غصبا علي ...





جلسنا احنا الثلاث في مؤخرة القارب ،


و الرجال كانوا قدام ، و رائد و ماجد يتنقلوا من



جهة لجهه و معهم

كورة صغيرة ...





انطلق القارب بسرعة معتدلة ، كان ياسر هو اللي يقود ، و جت الأنسام تلفح الوجوه
و تداعب الرموش ، و

تشرح الصدور ...




كانت الشمس تقرأ خواتيم السورة ، قريب تودع ...



أمواج البحر كانت هائجة نوعا ما ... و كان القارب يتراقص مع رقصتها المستمرة ،
فوق و تحت ...

يمين و شمال ...





شوق كانت تتأمل الموجات اللي يتركها القارب وراه ، و منال كانت تداعب طفلها
الصغير ...





بعد شوي ، وقــّـف ياسر القارب وسط البحر ...




صرنا كأننا بجزيرة صغيرة ، الماء يحيط بنا من كل الجهات ،


و السماء تعانق البحر عند الأفق ، الساحل



بعيد ... قرص الشمي ( يذوب ) داخل البحر شوي شوي ...




المنظر الجميل ، و وجوده هو على نفس القارب ،


على بعد كم متر مني ، خلى الذكريات تدور براسي رغما

عني ....




تذكرته ، و هو يقول لي :


- ( اعتبريني موجه و عدت ، و ما بقى الا الزبد )





انتهزت فرصة انشغال الكل بجمال المنظر ، و تسللت بنظري ...



و القيت نظرة خاطفة عليه ...




كان جالس على يسار ياسر ، و بسـّـام على الطرف اليمين ،


كانوا يتكلموا و يضحكوا ...



صوت المحرك اللي غاب – بعد ما وقف ياسر القارب –


عطى فرصة لصوته أنه يوصلني ...

جهور و رنان و واضح ... مثل ما كان ...




يا ليت ياسر يشغل المحرك مرة ثانية ، ما أبي أسمع صوته ،



ما ابي أشوفه ، ما ابي أكون و هو بمكان واحد ....




شحت بوجهي بعيد ، و على وسع البحر و السماء ،


ضاق صدري ... الكل كان مبسوط و أنا كنت أبي بس يمر




الوقت بسرعة ، و أرجع لبيتي ....



آه يا بيتي ...




رائد ، و هو يلعب – يسوي حاله يقود –



ما ادري اش سوى و ضرب بالمحرك و انكسر شي منه بدون

قصد ...



جا ياسر يبي يشغل المحرك ، ما اشتغل ...


كرر المحاولة مرة و ثنتين و عشر ... دون فايدة ....


المحرك تعطل ، و احنا علقنا في وسط البحر ....



تسعة أشخاص ... على قارب صغير يتأرجح على الموجات


الغاضبة ، وسط البحر




ما كان في القارب أية مجاديف ، و المسافة بيننا


و بين الساحل ، مو قصيرة ...


بدا التوتر يسود الأجواء ، بدل الانبساط و المرح اللي كانوا قبل شوي ..



ياسر مازال يحاول و المحرك عنيد ...

إش يصير لو ظلينا كذا ....؟؟؟



الشمس ، كانت تنذرنا بالرحيل الموشك ، لازم نرجع الساحل و إلا ...




بعد مدة ، و ياسر و البقية يحاولوا يسووا اي شي بالمحرك ،


و بعد ضربات متكررة ، كسر ياسر منه جزء ثاني



، ما ادري وش صار له و فجأة اشتغل ....




اشتغل المحرك ، و انطلق القارب فجأة بسرعة مذهلة ،


بأقصى سرعة يقدر عليها ...


اهتز و كلنا اهتزينا معه ، و الأولاد طاحوا و تعوروا ......





حاول ياسر يخفف من السرعة ، لكن المقود المكسور ،


و المحرك الخربان عصوا الأوامر ...



بدا كل واحد يصرخ من جهه ، ( وقفوه ... وقفوه ) ،


و القارب منطلق بلا مبالاه مصر يكمل مشواره


للآخر ....




أي شي يطلع قدامنا رح نصطدم به ، و تكون العواقب وخيمة ...


و هذا الـ ( أي شي ) ، كان قارب كبير مهجور ، عايم وسط البحر ...



صرنا نقترب من القارب ، و لا نقدر نروح يمين


و لا شمال ، و قاربنا ( مفلوت من غير فرامل ) ....




ترافعت الصرخات ، و وقفنا كلنا مرة وحدة ،


و اهتز القارب و اختل توازنه ، و اللي قدر يمسك بشي مسك ، و

اللي ما لحق ... طار ...




عرفنا أن حنا رايحين فيها لا محالة ،


و الضوء الأحمر توهج قدامنا ... و دقت أجراس الخطر ...


و كل ٍعلق يده عند قلبه ...





- اقفزوا كلكم ... بسرعة .......




صرخ ياسر صرخة النداء الأخير ... و فزعنا الفزعة الأخيرة ...




ما اذكر ... إش اللي صار بالضبط ...


الفزع و الذعر اللي عشته ، كان أعظم من انه


يسمح لذاكرتي أنها تسجل تفاصيله

أو حتى تلحق تشوف تفاصيله ...




أذكر ، أني كنت أشوف القارب العائم يقترب ...


و أن قاربنا كان يتأرجح بعنف ...


ما اذكر ، من اللي قفز ... و إذا كان أحد قفز أو لا ...



بس أذكر ... أن سلطان كان بعده واقف ....




- سلطان اقفز ....





قلت له بفزع ، و التفت سلطان لي ، و جت عيني بعينه ...



- اقفز يا سلطان بسرعة ...





ما اذكر ، كيف كانت تعابير وجهه ،


اظن كان مذعور ؟ لا ... كان يبتسم ؟ تهيأ لي




أنه ابتسم ... أو يمكن






اختلطت علي الأمور ...




ما عاد بيننا و بين القارب إلا ثواني ...




كأني سمعت صوت بسـّـام يناديني ؟؟؟




- قمر ... يا قمر ... انزلي ...




خلاص ... القارب الثاني قدّام عيوني على طول ...


خلاص رح نصطدم به ...


خلاص هذه النهاية ...





صرخت ... بكل قوة الصراخ اللي سمح بها


الكون تطلع من حنجرة بشر ...

صرخة زلزلت الأرض ، و هزت البحر ،



صدعت السماء و دوت الكون ...





- اقفز يا ســـــــــــلــــــــــــطـــــــــااااااااان






فجأة شفت روحي وسط الماء ، داخل في عمق البحر ...


شوي و أختنق ...




بلعت ماء كثير ... و انكتمت انفاسي ...





سبحت لفوق لين وصلت سطح الماء ،



هجمت الأنفاس على صدري بقوة ...





طالعت صوب القارب ، شفته و نصه غارق



و نصه طافي ، و بعده يمشي صوب القارب الثاني ،



و سلطان





واقف فوقه ....





- سـلـطـان ... سـلـطـااااان ... ســـلـــطــــــــااااااااااااان ....









سلطان قفز للماء في اللحظة الأخيرة ...

شفته و هو يبتلعه البحر ... ، و شفته و هو يطلع



مرة ثانية على سطحه ، بعد ما ارتطم القاربين و جلجلوا



الأجواء بضجة قوية ....

و يرد يختفي ...






الشمس تخلت عني في أحوج ألأوقات لها ...



النور كانت خافت ... دورت على سلطان ما لقيته ...





سبحت تجاه المكان اللي شفته به قبل شوي ،


أدور عليه و انادي ... و أصرخ ....




طلع سلطان من قلب البحر ، يصارع الموج ، يصارع الموت ،



سلطان ما يعرف يسبح ....




سبحت بكل قوتي ، بأكثر من كل قوتي ،



ما خليت فيني غضلة وحدة الا و حركتها بالقوة ... بالجبروت ...

بالغصب ...




أطالع بسلطان ، و هو مرة يطفو و مرة يغرق ...



عيونه مفتوحة لحدها ، شهقاته قوية و مقطوعة ، و إيده تحاول

تمسك الماء ... و روحه تهدد بالنزع ......




- تماسك سلطان تماسك ... تماسك أرجــــــــــــــــــــوك ....





أمواج البحر كانت تعاندني ، اخترقتها غصبا عنها ...



سبحت و سبحت ... استرجعت كل دروسي و خبرتي

بالسباحة ، و أخيرا ... وصلت لسلطان ....






مسكت سلطان ، و رفعته فوق ... فوق ...


و هو تشبث بي مثل ما يتشبث أي غريق بأي طوق نجاه ....



- تنفس سلطان تنفس ... تنفس ...





تنفس سلطان بنهم ... بشراهه ... و هو يضغط بيده علي ،


خايف ينفلت و يبلعه البحر مرة ثانية ....



رفعت ذراعه على كتفي ، و صرت أدوّر ... وين الساحل ...




آخر بصيص للشمس كان من ناحية ،



يعني الساحل من الناحية الثانية ...




و سبحت بسلطان ، بكل قوتي و بأسرع



ما سمحت لي به الأمواج ....





فجأة ، فلت سلطان من إيدي و سحبه عمق البحر ...





لااااااااااا






غطست وراه و مسكته ، كنت أشوف بقايا فقاعات



الهواء اللي كان بصده ، تتخلى عنه و تطلع من صدره ، من




فمه و أنفه بكل غدر ...




شديته لي و رفعته فوق ، صرخت ...



- سلطان تنفس ... تماسك سلطان ...أرجوك تماسك ...


تماسك الحين نوصل ...




تعبت ، خارت قواي كلها ، و احنا بعد ما وصلنا ...


ما ادري كم من الزمن مر ... يمكن شهر ؟ يمكن سنة ؟؟؟




البحر كان متعطش للفتك ، للغدر ...



أمواجه تلاعبت بنا ... فوق و تحت ... يمين و شمال ...


قدام و ورا ...




ما بدا لي أن البر موجود ....




ما لازم استسلم ، لازم أوصل ... تمسك يا سلطان ... باقي قليل ...



سحبته معي ، و أنا أسمع أنفاسه مرة ، و مرة لا ...



و أشوف عينه مفتوحة مرة ، و مرة لا ... و أحس بإيده




تمسكني مرة ، و مرة لا ...





أخيرا قربنا من البر ... شوي ... و حسيت رجلي تلامس القاع ...



وصلنا بر الأمان يا سلطان ... تمسك ...



ارتميت على الرمل ، بين البر و البحر ، عند مضرب الأمواج ...



التقط أنفاسي ... ارخي عضلاتي المنهكة ...




و أحس بالألم في كل جسمي ...



التفت لسلطان اللي جنبي .... كان ملقى على بطنه ،


و راسه على الرمل المبلل ، و أمواج البحر توصل طرف




أنفه ...



قمت و سحبته ، ابعدته عن الماء ...


و قلبته على ظهره ... و رفعته على رجلي و ذراعي ...



كان مغمض ... و فاقد الوعي ...


صرخت ،



- سلطان ... سلطان تسمعني ؟

سلطان رد علي ؟؟؟




و صرت أضرب بوجهه و صدره ، و اهز أكتافه بعنف ....




- رد علي يا سلطان ... رد علي ... تكلم ... أرجوك ...



قلبته بسرعة على بطنه مرة ثانية ، و ضربته على ظهره ..

طلع ماء كثير ... كثير ... من صدره .... يا بعد عمري يا سلطان ...



صار يكح ... و يطلع ماء من صدره ... من أنفه و من فمه ...



و تالي توقف ...



- سلطان لا تموت ... سلطان حبيبي لا تموت أرجوك لا ... لا ... لا ...




رديت عدلته على ظهره ، و صرت أنعشه بأنفاسي ،



ما توقعت أني رح استخدم الانعاش اللي تعلمناه بالجامعة




يوم من الأيام ، و استخدمه ، لسلطان ...



صار يكح ، رفعته على رجلي و سويته جالس ،



و أحنيته لقدام شوي .... و أنا أضرب ظهره .... و هو يكح ،



بين الواعي و المغمى عليه ...




- سلطان لا تموت ...

أرجوك لا تموت حبيبي لا ...إلا أنت أرجوك لا ... أرجوك ...




فتح سلطان عينه ، و أخذت راسه بين يديني ...


الماء يقطر من شعره الناعم مثل ما تقطر الدموع من عيوني الحمراء ...


عيونه هو بعد كانت حمراء من ملوحة الماء ...



- سلطان حبيبي أنت حي ؟ رد علي أرجوك ؟؟



كان يتنفس ، و عينه كانت تطالعني ...



- رد علي يا سلطان ؟ أنت حي ؟؟ كلمني جاوبني سلطاااان ...


- آه ...



طلعت آهة من حنجرته ... سلطان بعده حي ... ما مات ....


سلطان حي ... حي ... حي ...



أخذته بحضني ، و لفيته بذاعيني ، و ضميته بقوة ، بقوة ، بقوة ....



ما أدري من وين جبت ها القوة بعد ذاك التعب ...

ضغطت عليه ضغطة ، يمكن بغت تكتم نفسه من جديد ...



قولوا عني اللي تبون ...

سلطان بيموت بين يدي ...

لا احد يلومني ...




-لا تموت حبيبي أرجوك ... لا تموت ... يا بعد عمري ...

لا تمو ت و تتركني ، لا ... لا سلطان ... لا ... لا ... لا ...

يا رب لا ... خذني و لا تاخذه يا رب لا ....



رفعت راسي شوي ، و بعدته عني ، أبي أشوف وجهه و أتاكد أنه حي ...

كانت عينه مفتوحة ، و الهواء أحس به يطلع من أنفه ...


- أنت حي سلطان مو صح ؟

- ... قمره ...

- يا بعدي ...



رديت ضميته لصدري ، بلا شعور ، بلا وعي ، بلا إرادة ، بلا إدراك ...



و أنا أبكي بشدة ، مفزوعة مفجوعة ...


ماسكتنه بقوة ... بقوة ... بقوة ... ، خايفة البحر يسحبه مني ...

لا ... لا ... لا ...

إلا سلطان ...



مرة ثانية باعدته عني شوي ، أتاكد أنه صحيح حي ...



- سلطان ... أنت حي مو صح ؟ أنت حي ؟



حرك سلطان راسه و صار يدور بعينه ، طالع صوب البحر و قال :




- نواف ... منال ... شوق ...





عند ذي اللحظة ، انهارت عضلاتي ...

فقد ت كل احساس ... فقدت كل وجود ...



تركت سلطان من بين يديني ...

رفعت روحي ، لين وقفت ، كأني معلقة بخيوط نازله من السماء ....

طالعت البحر ...

أسود ... غضبان ... خسر فريسته

لفيت ببصري حوالي ....

شفت ناس تجي و ناس تروح ...

شفت نور كشاف يتولع فجأة ، من ناحية البر ...

سمعت أصوات ... ما قدرت أميزها ...

البحر كان يرقص ، و أمواجه بعدها تتأرجح ...

حتى الأرض كانت تتأرجح ....

و السماء كانت تدور ...

وين اختفى النور ؟ من طفى الكشاف ؟

ليه الأرض تهتز ؟ أنا بعدني في البحر ...؟

ما عاد أشوف

ما عاد أحس

ما عاد ادري بنفسي ....

سلطان حي ...

الحلم كذاب ....



*
* *
*




فتحت عيونها شوي شوي ، كانت نصف واعية في البداية ، ب



عدها ، بدا و كأنها استردت وعيها الكامل فجأة ، و

طالعت حوالينها ، و فجأة صرخت بفزع :




- وين سلطان ؟



كنت أنا جالسة جنبها و مسكت إيدها ،



و أنا أشوف علامات الذعر و الفزع المهوله على وجهها الشاحب ...



ردت صرخت ، و هي تحاول تقوم من السرير :



- وين سلطان ؟؟؟؟


- اهدئي قمر خليك منسدحة




شدّت على إيدي لين بغت أظافرها تنغرس فيني ، و ردت صرخت :



- وين سلطان ؟؟؟

- بالغرفة الثانية ، اهدأي قمر ...



ما كأنها صدقتني ، هزت راسها ( لا ) ، و ردت تسأل :



- وين سلطان ؟

-أقول لك بالغرفة الثانية ، بخير

- لا تضحكي علي ... سلطان مات ؟

- لا يا قمر ، بالغرفة اللي جنبنا



و قامت ... ، وهي بعدها في ملابسها المبللة اللي ما جفت ...



- وين قمر ....؟!

- أبي أشوفه

- خليك قمر أنت ِتعبانة ارتاحي شوي ...

- لا تكذبي علي شوق ، وينه ؟ مات ؟ خليني أشوفه ؟

وينه ؟؟؟


حالتها كانت هيستيرية ، جنونية ، ما هي طبيعية أبدا ...




قمت و رحت معها حسب رغبتها الملحة الجارفة ،


و طلعنا للغرفة اللي كانت جنبنا في طوارىء المستشفى ...



كان أخوي سلطان متمدد على السرير ،


و عليه قناع الأوكسجين ، و نايم ...



و جنبه ، كانت منال جالسة تبكي ، و ولدها نايم بحضنها ...


توني تركتهم قبل دقايق و رحت لعند قمر ، و اللي



ما استردت وعيها من طاحت عند الساحل ...



أول ما دخلنا ، قمر وقفت تطالع ، كأنها تبي تتأكد



هذا اللي ممدد على السرير هو سلطان و الا غيره ؟




و شافت منال جنبه و معاها الولد ، و مع ذلك ،


لفت علي و سألتني بتوجس :


- سلطان ؟


هزيت راسي ، أأكد لها أنه هو ... و ردت سألت :


- حي ؟


رديت هزيت راسي ، ايه حي ...


- أبي أشوفه ...


طالعتني ، ما ادري هي ( تستأذن ) و الا تعلن ، و الا تنذر ؟؟؟




أنا ما قدرت أتحمل ، انهرت و جلست أبكي ... ،



فهمت هي أن صابه شي ، و ذعرت و وقف قلبها و هي تنقل

بصرها بيني و بينه ... بفزع ... بذعر ...



بهلع ... بحال ... ما عندي كلمة وافية أقدر



بها اوصف التعابير اللي









كانت على وجه قمر و بقلبها ...



- سلطان ...



نادت فجأة و بصوت عالي ، و مرة ثانية بصوت أعلى :



- ســلــطــان ...



انتبه أخوي من النوم ، و فتح عينه و دار بها بيننا ، و استقرت عند قمر



- ... سلطان ...



نادت هالمرة بصوت مكبوت ، مسحوب ، منخفض .


ممزوج بصيحة ، ممزوج براحة ، و أسى ...



جت تبي تتقدم خطوة ، ما شالتها رجلها ...


حسيتها بتطيح و بسرعة مسكتها و اسندتها علي ،



و جلستها على

كرسي قريب منا ...



حضنتها بقوة ، بقوة مرارة ... بقوة الصدمة اللي راحت ،


و الصدمة اللي جاية ...




و أنا أشوفها ، مجرد هيكل ... مجرد بقايا قماش متمزق ...


بقايا روح و بقايا جسد ... بقايا حب و بقايا

عذاب ... و بداية فجيعة أكبر ...



وصلتنا أصوات و حركة عند الباب ، و شفنا بو ثامر و


أم ثامر داخلين الغرفة ، و جت أم قمر مثل المجنونة

تحضن بنتها ... و تبكي و تنوح ...



و شوي ، و وصلتنا صرخة من الممر ... عند الباب ...




- و لـــيـــدي ...




كانت صرخة أم مثكولة ، فقدت ضناها ... غرقان وسط البحر ...




أم بسـّـام ....





بسام ، كان الشخص الوحيد اللي ... ما رجع من ذيك الرحلة .......





*******************



من مواضيعي :
  #3  
قديم 23/12/2006, 10:05 PM
صورة لـ زهرة الخزامى
زهرة الخزامى
ودود
 
رد: فجعت قلبي

~ خاتمة الذكرى ~




الحلقة الحادية عشرة



* * * * * * * * * * * *



ما أظن ، أن فيه فاجعة و مصيبة ممكن تمر على إنسان ، أعظم من اللي مرت على
صديقتي و حبيبتي قمر



وفاة بـسـّـام ، كانت أفظع من انه يتحملها أي قلب بشري ... أنا ما أعرف
التفاصيل لأني ما شهدتها معهم ، و لا

أبي أعرفها ...



الحمد لله ، أني ما كنت معهم ذاك اليوم ...



الفترة اللي تلت الحادث المفجع كانت أفجع و أمر ...





قمر قضت شهور ، تتنقل بين البيت و المستشفى في حالة انهيار عصبي و نفسي حاد و
شديد ... كنت ملازمة

لها طول الوقت ، و أشوفها تموت قدامي يوم بعد يوم ...









فيه مرات كنت أنام معها ، بالبيت أو المستشفى ... و كانت ، تصحى من النوم بعز
الليل فجأة ، مذعورة

مفزوعة و تصرخ ...









-( سلطان غرق ؟؟؟)

( بسـّــام وينه ؟؟؟)

( سلطان لا تموت)

(سلطان تنفس)

(باكسر الجدار)

( سلطان لا تروح)

(سلطان تماسك )

(سلطان أحبك)












سلطان و سلطان و سلطان ، طابور من السلاطين ، و اللي كتمتهم في صدرها طول
هالسنتين ، تفجروا و طلعوا

كلهم غصبا عليها ... في هذه الأزمة ...







كنت آخذها بحضني و أحاول أهديها ، كانت تصيح و تقول لي :






- (أبي أشوفه يا سلمى ، قولي لشوق تخليني أشوفه )





أنا أبكي و هي تبكي ، لين تتعب من البكاء ، و ترد تنام ...






كم كنت غلطانة ، لما اعتقدت أنه طلع من قلبها خلاص ...





هذا و هو حي ، ما مات ، و هي جنت لأنه شافته على وشك الموت ...






لو كان مات ؟




يا ليته كان هو اللي مات ، و ظل بسام ...






الحين قمر انقذت زوجك يا منال ، و هي ترملت ....










أول ما شفت شوق بعد الحادثة المفجعة ، ما تمالكت نفسي ... كانت جاية تبي تشوف
قمر ، بالمستشفى ...




أنا شفتها عند الممر ، قبل ما تدخل الغرفة و بس طاحت عيوني عليها ولـّـعت فيها
...







صرخت بوجهها و اتهمتها أنها المسؤولة ، مع أن ما لها يد في اللي صار بس و أنا
أشوف قمر قدامي مثل

المجنونة ... فقدت كل أعصابي ... تهاوشت معها هوشة حقيقية و منعتها تدخل الغرفة
، و أنا اصرخ :





- (وش تبون بعد أكثر ؟ موتوا الرجـّـال و رمـّـلوتها و فجعتوها و عشتوا أنتوا
...

ابعدوا عنها الله لا يبارك فيك يا سلطان ، الله لا يهنيك يا سلطان ،

الله ياخذك و يريحنا منك يا سلطان الزفت )











بعدها ، علاقتي بشوق تدهورت ، و كل وحدة راحت لحالها ...





ظلت قمر على ذا الحال بين انتكاس و تحسن ، لين جابت ولدها اليتيم الوحيد ( بدر
)


في البداية انتكست حالتها أكثر ، لكن مع مرور الأيام ... بدا ولدها يثير
انتباهها و اهتمامها شوي شوي ،

و بدت تتعلق به كلما كبر ....








طبعا زواجي أنا و يوسف تأجل إلى أجل غير مسمى ، و في الواقع ما تزوجنا إلا بعد
ما مرت سنة ، من الحادث

المشؤوم ، و لا قمر ، و لا شوق ... حضروا الزواج .





*
* *
*








ما كانت الفاجعة بس مقتصرة على قمر ، كلنا انفجعنا ...




أخوي سلطان ظل بالمستشفى 12 يوم ، جاه التهاب رئوي حاد ، و احتاج يدخل العناية
المركزة و ينحط تحت

الملاحظة ثلاثة أيام .









كانت قمر، و هي بعدها بالمستشفى ، تطلع و تجي تشوفه من وقت لوقت






ما شكلها استوعبت أن زوجها مات ، إلا بعد فترة ... كانت في بداية الصدمة ،
مهووسة بس على سلطان ...




و كانت سلمى بعد تجي تلقي عليه نظرة ، لكني ما أنسى نظرة الشماته الوحشية اللي
كانت تنبعث من عينها ، بكل

كره و بغض ... و قسوة ...








سلمى كانت تمنعني أشوف قمر ، كل كرهها لأخوي سلطان صبته علي أنا ، و صرت أنا
أمثل سلطان قدامها ،


و بدت علاقتنا تتدهور بشكل سريع ... و في النهاية تجمدت ...









اختلت الموازين عندنا بالبيت و انعفس النظام ...





الشعور ، بأنه هو حي لأن قمر انقذته ، و لأنها انقذته هو تركت زوجها يغرق في
البحر و تصير أرملة ، هذا

الشعور ذبح أخوي سلطان أكثر مما ذبحه الغرق ، و الالتهاب الرؤي الحاد ...






أما منال ، و اللي عرفت ( من هي ) ، حبيبة سلطان الأولى ، و اللي هي نفسها ،
اللي انقذت زوجها من الموت

بالتالي من أنها تترمل ، و ولدها يتيتم ، و اللي ترملت هي بدورها في لعبة قدر
فظيعة ، و تيتم طفلها قبل ما

ينولد ، ما كان منها إلا انها استسلمت بلا إرادة ، لأي شي يكتبه القدر و يقرره
عليها ، مهما يكون .....










سلطان أخوي , ما قدر يشوفها ... ما قدر حتى يقول لها كلمة شكر ، أو كلمة تعزية




عاش بعذاب ... و مرارة و حزن طويل ... حالته كانت أصعب من أن يتحملها انسان ...
لدرجة أن ...


في مرة من المرات ، صحـّـتني منال من النوم آخر الليل ، و هي تبكي و ما لها حال
... و قالت لي :



- (خله يشوفها يمكن ترد له روحه ، بيموت إن ظل على ذي الحال )









ما كان أخوي يسألني عنها ، ما كان يجرأ يسألني عنها ، لكن أنا كنت أطمنه عليها
كلما تطمنت أن حالتها تحسنت شوي ...






قمر ما عاد رجعت بيت أهل زوجها ، و بيتها الجديد اللي كان ينبني باعوه على حاله
...




رائد و ماجد ، فقدوا (أبوهم ) مرة ثانية ، و ها المرة بشكل أعنف ...



كانوا لابسين ملابس عوم ، بالتالي ظلوا طافين على سطح البحر ، ماسكين بأخوهم
الكبير اللي ما يعرف يسبح ،

لين طغى الموج ، و فلت منهم ... و غرق ....







احنا ما شفنا اللي صار له و لا كيف صار ...



ياسر كان ماسكني ، و أنا عيني على نواف كلى كتف أمه و هي تحاول تسبح صوب الساحل
... ، بعدها ياسر

شال الولد و أنا مسكت منال ، و صار ياسر يسبح بسرعة و احنا نسبح وراه ...







كان هو أول واحد وصل الساحل و الولد على كتفه ، حطه على الرمل و جا بسرعة
يمسكني ...




قبل ما نوصل البر ، شفت قمر و هي تسحب سلطان لين وصلت الشاطي ... صرخت ...




- (أخوي سلطان غرق)






شفتها و هي تهز فيه ... تنعشه ... تحضنه ... تصرخ ... ( لا تموت يا سلطان )

(سلطان حبيبي رد علي )








أتعجب ، كيف قدرت أتذكر مثل هالتفاصيل في مثل ذاك الوضع ؟


يمكن الحين ، بعد ما هدأت الأمور و استقر الوضع ، بدت ذاكرتي تستعيد الأحداث
....





أذكر ، لما وصلنا للساحل ، و جينا نركض صوب سلطان ... كان هو جالس ، و عنده
واقفه قمر ... تطالع حواليها ... جت عينها على عيني ، بس ما كأنها شافتني



نظرتها كانت تايهة ... ما كأنها موجوده ... كأنها لاشيء ...


و بعد ثانيتين أو ثلاث ، انهارت قمر فاقدة الوعي ...






منال أول ما وصلت الساحل راحت لولدها و شالته عن الرمل و ضمته لصدرها بقوة ...



و جت بعدها لعندنا و سلطان ماسك قمر على ذراعه و هو جالس بمكانه ما تحرك يحاول
يصحيها



- (قمره ... قمره ... )





و احنا بها الوضع ، ما جا ببالنا أن فيه ثلاث أشخاص من اللي كانوا معنا ما
ظهروا

لين وصلنا بعد شوي صياح الولدين ، و هو عايمين في البحر ...



- ( لحقوا علينا ... بسام غرق )






قمر كانت آخر وحدة عرفت أن بـسـّـام غرق ...

كانت آخر مرة شافته فيها وهم وسط البحر ...

مع ذلك ، هاجسها كان بأن سلطان حي ، أكبر من هاجسها بأن بسـّـام مات ...







من أول لحظة ، لما بدأ القارب يهتز فجأة ، و احنا متمسكين به بالقوة ، وقفت قمر
فجأة و صرخت :


- (اقفز يا سلطان ) ...




سنتين و هي ما تطيق يجي طاريه قدامها ، و تتظاهر بانها نسته و حتى كرهته ... و
أنا صدقت أنه ما عاد يعني لها شي ...


لكن يوم الحادث ...


ما كان همها إلا أنها تنقذ سلطان من بين كل الموجودين ....






أخوي عايش ، لأن قمر انقذت حياته ...



و هذا اللي مستحيل ننساه يوم من الأيام ....





*
* *
*









سافرت قمر مع أخوها ثامر ، يكملوا دراستهم برّى ، و معها طبعا ولدها اليتيم بدر
...

و مرت سنين ، و انقطعت الأخبار ، و انشغل كل واحد بحياته ، و اندفنت ذكريات
الحادثة المفجعة تحت أكوام

و أكوام من الحوادث اليومية ، و انسيت أو بالأحري تتوسيت ... و ما عاد أحد يجيب
ذكرها أبدا ....

*********************

~ عودة القمر ~




الحلقة الثانية عشرة



* * * * * * * * * * *









- روح مع خالك ، و هو يشتري لك .




طالعني ولدي (بدر ) باستنكار ، يبيني أنا أروح معه ، بس رديت قلت له :




- خلاص حبيبي أنت الحين صرت رجـّـال و لازم تساير الرجال !




شكله اقتنع ، و ابتسم ، و قال :


- زين يمـّـه ، بس لا تنسي اللي وعدتيني به ؟


ابتسمت له و قلت :



- حاضر ، يالله روح الحين قبل ما يمشي عنك ...







و راح يركض بكل عفوية و بكل براءة ...

ولدي بدر خلـّـص 11 سنة من عمرة ، و بكرة باسوي له ( حفلة ميلاد ) للمرة الأولى
بحياته ..

بصراحة ، كان هدفي من الحفلة هو أنا نعزم أهلنا و أصحابه الجدد ، عشان يتعود
عليهم و يتقرب منهم ،

بعد ما قضى عشر سنين و كم شهر برى البلد ...








ما صار لنا غير فترة قصيرة من ردينا للبلد ، و دخل المدرسة المتوسطة ، كل شي
بالنسبة له جديد ...






ولدي بدر ، صار يعني لي كل شي بالدنيا ... الدنيا كلها ...



فقدت حبيبي ، و فقدت زوجي ، و رحلت عن بلدي و أهلي و ناسي ... ما ظل لي إلا
وليدي ...




و صرت أشوف الحياة بس عن طريقه هو ...




اتصلت بـ سلمى ، و عزمتها و أولادها على الحفلة ، و أكدت لي أنها رح تكون من
أول الواصلين ،

و ما كذبت خبر ... !











- ماشاء الله على ولدك يا قمر ! اللي يشوفه ما يصدق أن عمره 11 سنة ! ما اعطيه
أقل من 15 سنة ! الله

يحفظه لك !






قالت سلمى و هي تناظر ولدي ، وسط بقية الأولاد...


بدر طالع ضخم البنية ، مثل أبوه الله يرحمه ، و كان لابس ثوب و غترة ، و يتصرف
تصرفات أكبر من

عمره .. و أحس بفخر لما أشوفه ... الحمد لله ، الله عوضني به خير ...







- بس تصدقي متعلـّـق بي تعلق الأطفال بأمهاتهم للآن ؟





قلت لسلمى ، و طالعتني و هي ترفع واحد من حواجبها و تنزل الثاني ، و تبتسم بمكر
:




- هو اللي متعلـّـق بك ؟ و الا أنت اللي مهووسة به ! ها قمر ؟






ضحكنا ، ضحكات صادقة ، مثل الضحكات اللي كنا نضحكها أيام الدراسة ، قبل عشر
سنين ...




ما كأن عشر سنين و زود ، فصلت بيننا ... سلمى هي سلمى ، و قمر هي قمر ...



أما شوق ....







- ذكرتيني بالأيام اللي راحت ! لما كنا نجلس بالساعات ، أنا و أنت ِو شوق ،
نسولف و نضحك

بكل سعادة ... أيام الجامعة ! تذكرين ؟






- أكيد ...

- يا ترى وش أخبارها ؟

- الله أعلم ...







بسرعة ، وجهنا أنظارنا للأولاد ، ما نبي نرجع للوراء و نذكر الماضي ... خلنا
نطالع قدام ... المستقبل ...










بعد ما خلصت الحفلة ، و ولدي أخذ كفايته و زود من الانبساط ، و ثامر و أبوي و
أمي راحوا غرفهم ،

ظلينا أنا و بدر وحدنا ....










- ها بدري ! مبسوط ؟

- كثير ! مشكورة يمـّـه ...

- يالله حبيبي نروح ننام !






سكت شوي ، مع أن عيونه ظلـّـت تتكلم ... ، لين رد قال :


- ما نسيت ِشي ؟





ابتسمت له ، كنت أعرف أنه ينتظر على نار ... و قمت ، و طلعت العلبة من الخزانة
، و عطيتها له ...



- تفضل يا عين أمك يا أنت ! و هذه الهدية اللي طلبتها ! آمر بعد ؟






أخذ بدر العلبة بسرعة ، و فتحها بسرعة ، و طلع الـ ( هاتف الجوال ) و هو شوي و
يطير من الفرح ...




كان يتمنى واحد من زمان ، و انا ما بغيت أجيب له ، و ادري أنه ما يحتاج له ...


بس ، وش يسوى ( جوّال ) مقابل لحظة يعيشها في حضن أبوه ؟

أبوه اللي مات قبل ما ينولد ... لا عمره شافه و لا عمره عرف معنى كلمة أب

لو أملك الدنيا كلها ، و يطلبها وليدي مني ما أتأخر عليه ...







ناظرته و هو فرحان ، فرحة تسوى الدنيا و اللي فيها ، و طالع فيني ، يبي يعبر عن
شكره ،

و جا صوبي و ارتمى بحضني و ضميته بقوة ...







صرت أقبل جبينه و راسه و أنا فرحانه لفرحه ، فرحانه أكثر أن الناس كلهم مدحوا
فيه و باركوا لي عليه ...









و أنا أقبـّـل راسه ، فجأة ... داهمني شعور غريب ....










تسللت لأنفي ريحة ... ريحة عطر ... من الغترة اللي كانت على راس بدر ...







حسيت كأن جسمي تكهرب و سرت به رعشه ... معقول ؟ ... معقول ...؟؟؟






جا وليدي يبي يبتعد عني ، ضميته لي أكثر ... و صرت أتشمم غترته ... أتأكد ...
من الريحة ...


الله يا زمن ... !







بعـّـد وليدي عني شوي ، و طالعني باستغراب ، و رديت قربت راسه من أنفي و أخذت
أنفاس طويلة ،

واحد ورى الثاني ... مو مصدقة ... هذا حلم ... ؟؟






- يمـّـه ؟؟ خير ؟





سألني بدر و هو مستغرب ...





- بدر ... من وين لك هذا العطر ؟

- عجبك يمـّـه ؟ اشتريته مع خالي !








شلت الغترة من على راسه ، و قربتها من أنفي و شميتها مرة بعد مرة ... و ما دريت
بدموعي تسيل على

خدي ... ، و على شفايفي ... تعبير حائر ... ما هو عارف ... هل هي لحظة سعادة و
الا حزن ؟

هل أبتسم و الا أبكي ... ؟؟؟







- يـمـّـه وش فيك ؟


طالعني بقلق ... و طالعت به و أنا ما ادري وش الشعور اللي غلبني ساعتها ...





- هذا العطر ... شمـّـيته من قبل ... قبل سنيــن ... قبل ما تنولد أنت يا بدر
...





تعجّب بدر ، و سألني :


- عطر من ؟ ... أبوي ؟






طلعت مني آهه غصباً علي ، الكلمة تهز قلبي و ترج جسمي كله ، لا طلعت من لسان
ولدي اللي

ما عمره عرف وش معناها أصلا ...



- يمـّـه أنت ِبخير ؟




هزيت راسي ، نعم بخير ... و الغترة بعدها عند وجهي ...





- ما هو أبوك الله يرحمه ... شخص ثاني ... كان يستخدم نفس العطر ... من قبل 13
سنة ...

- صحيح ، البيـّـاع قال أنه عطر أصلي و قديم ! بس ريحته اعجبتني ...

يمـّـه من هو ؟







سالت آخر دمعة على خدي ، و مد بدر يدّه و مسحها ، و هو بين المستغرب و بين
القلـِـق و الحيران ...




- خلاص بدر ، يالله نروح ننام تأخـّـر الوقت ...



اعترض بدر ، و قال بالحاح ...



- يمـّـه قولي لي ؟

- خلاص حبيبي ، خذ الجوال و رح غرفتك ...






ما أبي أذكر شي ...

ما أبي أفتح الجروح ....

ما أبي أحيي الذكرى الميتة ...

سلطان انتهى ...

سلطان اندفن ...

سلطان غرق ... وسط البحر ... ذاك اليوم ...












رحت لغرفتي ، و الغترة معي ، و معها ريحة عطر سلطان ... للحين ما نسيته ، بعد
كل هذه السنين ... !


وش جيبك يا ذكرى الحين ؟


تاه قلبي في ذكرى الماضي ... ذكرى العذاب ... ذكرى الألم ...


آه يا سلطان ...


يا ترى وين أراضيك ...؟


يا ترى عايش و الا ...


يا ترى تذكرني ... ؟


إيه يا زمن ....











ما تصورت أني بعد كل هذه السنين و العمر ، بـ أرد أذكره ... و من ريحة عطره ...



... الله ... ... ... يا سلطان ...










تمددت على سريري ، و الغترة بحضني ، عند قلبي ، و على وجهي ...

اسحب منها ريحتها ، و تسحب مني دموعي ...





تقلـّـبت كل المواجع و كل الآهات ...

و أنا أحاول ابعثر الذكرى اللي سيطرت علي ، بعدت الغترة عن وجهي و شحت به ناحية
اليسار ...

و طاحت عيني ... على واحد من الأدراج ...

الدرج اللي احتفظ فيه بعلبة خاصة ما فتحتها من سنين ...










تملكتني الرغبة العارمة ، و قمت ، و فتحت الدرج ، و طلعت العلبة ...

كانت علبه مجوهرات ...

و بداخلها ... كان فيه ... عقد به حجر بالمنتصف ، منقوش على ظهره :

(( حبيبتي قمر حلوة )) ....





و بداخل العلبة بعد ، كانت متبعثرة 33 خرزة ( فص ) فضية ....







*
* *
*






بعدما هدني حبيبي و قال لي ...... ناوي أخطب وحدة من ناسي و هلي

لا تكدري خاطرك أو تزعلي ..... الزواج حظوظ و حظك ما هو لي

صرت أدور عن حبيب فاضي لي ... غايتي أنسى حبيبي الأولي

كفكفي دموعك يا عيني و اجعلي ... باب قلبك منفتح للي يلي

أي واحد يعرض الحب أقبله ....... حتى لو أدري بكلامه مجامله

ما يهمني وين قلبي أرسله ......... المهم حبي الحقيقي اقتله

له قبر باحفر و بيدي بادفنه ......... و انثر أزهار الغدر في مدفنه

خله يروي الأرض بدموعه و أنا ...... بارتحل لقلب غيره و اسكنه

و انكتب من بعد هجره لي نصيب ... واندفن قلبي مع ذاك الحبيب

ما شغل بالي نصيبي وش يجيب ؟ ... ملتهب جرحي و محتاجه لطبيب

ويلي عيـّـا القلب ينسى نظرته ....... وهو كاشخ لي و لابس غترته

عطره عايش في نسيمي لـمتى ؟ . ... حظها لا قامت تشمه حرمته !

كنت أظن بانساه في كم يوم يمر ..... مرت شهور و سنين و مر عمر...

لين جا يوم ٍحضنت ابني بدر ... كان أشم في غترته نفس العطر !

رجعت الذكرى في بالي للورى ... و انفتح بعد الدهر ذاك القبر

و انبعث محبوبي من تحت الثرى ..... قلبه نابض ما فناه طول الصبر

سالت العبرة على خدي و بكيت ... لسـّـه حبي عايش ٍفي المقبرة

حتى عطره لحد يومي ما نسيت ... حتى صوته و حتى همسه أذكره

و ولدي يمسح بيدينه عبرتي...... وش بلاها أمي تشمم غترتي ؟!

بدر يا روحي و غاية مهجتي ..... آه لو تسمع خبايا قصّتي ...

يا ولدي خل الجراح مسكرة ...... ما بي افتح قلبي ما بي أذكره

مدري وش صار بحياته وش جرى ؟ ..... يفتكرني و الا ناسي يا ترى ؟؟

يا ولدي حبيت قلبه و حبّني ......... في النهاية خذ له غيري و سابني

ما ادري وش حصل بها وش عابني ؟ .... ما سال وش صار لي وش صابني؟

كل حياتي و كل كياني كان له ...... تالي خلاني وحيدة مذلله

ما رحم فيني الدموع السايله ........ و الشعور اللي بقلبي شايله

عطره هيّج حبي اللي أكننه ........... ليت أشوفه ، ليت أشمه و احضنه

لو يرد لي لو بعد إمية سنه ............ كان أحطه في فؤادي و اسجنه






*
* *
*










( هبه ) ، هي بنت أخوي سلطان الوحيدة ، و اللي جابها بعد تسع سنين ، من ولادة (
نواف ) ، و البنت الوحيدة

و أصغر طفلة في عيلتنا حاليا . الحين هبه في الثالثة من عمرها و أخوي و منال
متعلقين بها و يدللوها دلال ما

شافه أخوها الأول و الوحيد ، نواف ...








و لمـّـا يكون عنده عمل طويل ، كثير ما كنت آخذها و نروح نمر عليه هو و ياسر
بالشركة .






اليوم ، اثنينهم رح يتأخروا الى الليل ، و انا بأجازة في الوقت الحالي ، و أخذت
هبه ، و رحت بها لمكتبهم ...










- هذه شكلها رح تصير إدارية مثلك يا سلطان ! وش رايك تكتب الشركة باسمها أو
تورثها لها بعد عمر طويل؟



قال ياسر يمزح ، و ضحكنا كلنا ...






- متى راجعين ؟ جت الساعة سبع و نص ! و بعدين أنا مسوية طبخة حلوة و لازم تتعشى
معنا يا سلطان !





رد أخوي :




- خلال ساعة نكون خالصين إن شاء الله ، اذا بغيت ِتروحي روحي بس خلي هبه عندي
...





ابتسمت ، و قلت :



- تراك مدللها بزيادة يا أخوي ! الله يعينك عليها إذا كبرت !





شالها بحضنه و صار يقبلها بسعادة كبيرة ، كانت من أروع الصور اللي شفت فيها
أخوي ، أب يحضن طفلته

الصغيرة الحبوبة ، و هو واقف قدام النافذة المفتوحة ، و بعض الأنسام تداعب
شعرها الأملس .... و البدر

المكتمل يرسل نوره حوالينا بكل غرور ....

الله ...

و لا أجمل من ذي صورة !







- اصبر سلطان ! باجيب كاميرا و أصورك ترى المنظر حلو بالمرة !





قلت بمرح ، و جلسنا نضحك بسعادة ...




بعد شوي ، جا أخوي يلم أغراضه عشان نروح . و على وحده من الطاولات كان فيه
أرواق و طرود ،

أظنهااشياء البريد اللي وصله اليوم .




راح أخوي و القى عليها نظرة تفحص ، و توقف و دقق نظرة استغراب في وحدة من العلب
...





- يالله سلطان خل البريد لبكرة !




قال ياسر و هو يفتح الباب يبي يطلع و أنا جايه صوبه ، لكن سلطان ، و هو شايل
هبه على كتفه ، ترك شنطته

العملية من إيده ، و أخذ ذيك العلبة و بعض الرسايل ، مصر يفتحها لآخر لحظة ....







فتح أخوي العلبة ، و احنا جالسين ننتظره بطوله بال ...


و لو تشوفوا تعابير الذهول اللي طلعت على وجهه فجأة ... تقولوا هذا شايف
جني...!








فجأة التفت للورا ، صوب النافذة ، كأنه سامع أحد يناديه ، و طالع في القمر ...





... أنا استغربت ، و اندهشت ، اش ممكن يكون شاف داخل العلبة ؟؟





العلبة كانت صغيرة ، بحجم (شريط كاسيت ) تقريبا ، وش ممكن يكون داخلها ...؟؟؟





- وش بلاك يا سلطان يالله باموت جوع ؟




قال ياسر ، و التفت لنا سلطان ، و طالع بي بذهول ... ، ما فهمت معنى نظرته ، و
سكـّـر العلبة و دخلها بشنطته

و طلع معنا ...







فيه شي تغير ، ما حسيته على بعضه ، حتى و احنا على العشاء ما أخذ بنته يأ ّكلها
بنفسه كالعادة ، عطاني اياها و

صار ياكل شوي شوي ، و بشروذ ...






أنا طبعا فضولي وصل حده ، و انتهزت أول فرصة لقيتها ، و رحت ، و فتحت شنطة
سلطان خلسة ....





شفت العلبة و طلعتها ، و انا التفت يمين و شمال خايفة أحد يشوفني ، فتحت العلبة
شوي شوي ... و اندهشت ...







ما كان داخلها غير ( فص فضي ) ، و ورقة مكتوب عليها :



(( القمر يبلغك السلام ))








*
* *
*








بعد ثلاثة أشهر ، في مرة من المرات ، و بشكل غير متوقع ، سألني أخوي فجأة :


- قمرة رجعت البلد ؟






طالعت في أخوي ، و أنا كلي اندهاش ، يمكن ما سمعته زين ؟



- إيش قلت أخوي ؟؟




و رد علي بنفس النبرة :



- قمرة رجعت البلد ؟؟؟





ظليت أناظر به ، نظرة بلهاء ، كأني وحدة غبية أو ما تفهم اللغة ... من كثر ما
أنا متفاجأة من السؤال ...


- ... أي ... قمرة ... ؟؟





سألت ، و أنا أبي أقنع نفسي أني ما سمعته زين ، أو أنه يقصد شي ثاني ...



- قمر صديقتك ... ردت البلد و إلا ما عندك خبر ؟






أكيد كان يقصد قمر نفسها ، ما غيرها .... !





- ... قمر ... صديقتي زمان ؟





طالع بي بنفاذ صبر من ( استهبالي ) ، لكن ...




- ... وش جابها على بالك الحين ؟؟؟






أخوي ، مد إيده بجيبه ، و طلـّـع علبة صغيرة ، و فتحها قدّامي ....





داخل العلبة ، كان فيه أربعة فصوص فضية ، مثل الفص اللي شفته قبل ثلاث شهور ...
و جنبها سلسلة

فضية ....





أخوي ، أخذ السلسلة و صار يدخل بها الفصوص واحد ورا الثاني ...





الحين بس ، لما شفت الفصوص في السلسلة ، تذكرتها ....





طالعت بكل معاني الدهشة و الذهول و الاسغراب الشديد ... هذه ... سبحة أخوي
سلطان ، اللي كانت عنده قبل

13 سنة ، و اللي أذكر ... أن قمر أخذتها منه يوم رحت أنا معها له في مكتبه ذاك
يوم .... ! ! !







قمر ... سافرت قبل أكثر من عشر سنين .... و أخبارها عني انقطعت ....




و أنا ... بعد كل اللي صار في الماضي ، ما تجرأت اتقصى عنها و عن أخبارها...


و الحين ... ما اقدر اتجرأ ...




*
* *
*






فيه شي تغير في سلطان ... الرجـّـال ما هو بطبيعته الأوله ...



الشروذ صار يرافقه أغلب الوقت ... و البهجه تهل عليه بشكل ملحوظ و غريب ، كلما
وصلته علبة جديدة ، من

العلب اللي صارت تجيه نصف كل شهر ... !





يفتحها ، و يبتسم ، و تشوفه يرتخي فجأة و تنبسط كل عضلاته ، و يسبح في بحر من
الشروذ ... تقول

( مخدرات ) و العياذ بالله !







اليوم ، جالس على أعصابه ، ينتظر البريد ، ينتظر ( الفص المخدر )






- وش فيك يا سلطان ما انت على بعضك ؟

- ولا شي ياسر ... خليك بحالك .

- يا رجـّـال ! اللي يشوفك يقول عاشق غرقان في الحب !

- ياسر ما لي مزاج لتعليقاتك الساعة ، أجلها شوي ...

وش رايك تنقشع عني الحين ؟








وشوي ، و وصل البريد ، و وصل معه الفص الفضي ، و تهلل وجه الرجّال و صار غير
اللي كلمني قبل
شوي ... !




- ياسر ، وش رايك نروح نتعشى الليلة بمطعم ؟ على حسابي ؟

- سبحان مغير الأحوال !





ابتسم ، و أخذ الفص رقم 30 ، و دخله في السلسلة ... و قال :


- باقي ثلاثة ...


- سلطان ، أبي أقول لك شي ، تراك مجنون يا أخي ...






ما عبرني ، بعده في نشوة المخدر !


- سلطان ، أقول لك تراك جنيت ، و لازم تروح المستشفى !





انتبه لي فجأة ، كأني قلت شي خطير ، و طالعني بنظرة ادراك ، يمكن أوحيت له
بفكرة كانت غايبة عن باله ؟


- المستشفى ....






قالها ، و ابتسم ، و أخذ نفس طويل ، و رجع لحالته الأولى ، الطبيعية ، انتهى
تأثير المخدر ....


- و بعد ما تكتمل السبحة ؟





سألته ، بس ما رد علي ... أنا بديت أخاف عليه ، أنا متأكد أن هذه من علامات
الجنون المبكرة ، و يا ليتنا نلحق

عليه قبل فوات الأوان ... !







- سلطان وش تفكر فيه ؟ بعد ما تخلص السبحة ؟

- يكفيني .. أني أحس بها موجودة حواليني ، في مكان قرب أو بعد ... بس هي
حواليني ...

- أنت مجنون من جد يا سلطان ، المره يمكن تزوجت واحد ثاني و عشان كذا تبعث لك
الفصوص ، مثل ما

بعثت السلسلة ليلة زواجها من بسام ، الله يرحمه ... تذكر ؟







يا ليتني ما قلت اللي قلته ، ثار سلطان بوجهي :





- اسكت يا ياسر اسكت ، خلني اتهنى لحظة من عمري ، اسكت يا ياسر و اطلع برى لو
سمحت ...

حتى لو تزوجت عشر مرات ... قمرة عايشة بأنفاسي أنا...

روحها هي اللي تحركني ... أنسامها مازالت بصدري من ذاك اليوم ...








لما رجعت البيت ، قلت لشوق :




- أخوك سلطان مريض ، و رح ينجن ، و لازم تشوفي له طبيب نفساني ...







*
* *
*








ثلاثين فص ، في ثلاثين شهر مروا ... و قمر موجودة بمكان ... بس ما بغيت أسأل
عنها ...







أكيد ردت البلد ... لكني ما ودي أشوفها ... ما أعرف بأي وجه و أي تعابير أقدر
ألتقيها ... بعد أكثر من عشر

سنين .... من الفاجعة المشؤومة ...









إش الهدف ... من أنها ترسل الفصوص ؟ ما أدري ...



هل هي بنفسها اللي ترسل الفصوص ؟ بعد مو متأكدة ...





اللي متأكدة منه ، أن أخوي سلطان زي ما قال ياسر .... قرّب ينجن !





أظن هذا رح يكون حكمكم عليه لما تعرفوا وش اللي صار .... !







*
* *
*








كان اليوم نصف الشهر ... الواحد و الثلاثين ، و سلطان كالعادة جالس ينتظر
(الجرعة) التالية ....





انتظر ... و انتظر ... لكن الجرعة تأخرت ....




و الرجّال صار ما له حال ...





تأخر الوقت بالليل ، و ما وصلتنا العلبة المنتظرة ....




أنا بصراحة كنت تعبان ، و قلت له :



- يالله أنا ماشي ، ما بتروح ؟





صار يناظر الساعة ... بقلق و ضيق صدر ... و تالي قام وراح بنفسه يتأكد من صندوق
البريد ... و ما لقى شي ...






اتصلت عليه زوجته بعد شوي تسأل عنه و ليه متأخر ، و سمعته يقول لها إنه يبي
يروح مشوار و يرد بعدين ...






رجعت أنا البيت ، و قلت لشوق أنه أخوها مو بعلى بعضه ... و أن القمر ما سلم
عليه الليلة !






شوق كانت قلقة ، لكنها ما علقت على الموضوع ...



يوم ثاني ، كان أسوأ و أسوأ ....


أنا قلت يمكن البريد متأخر أو حصل خلل أو شيء ... و أكيد القمر بيوصله اليوم !



اللي صار ... أن اليوم عدى ، و عدت بعده أيام و أيام .... و رحل الهلال ... من
غير سلام ...










سلطان كان مثل المجنون .... كل شوي يسأل عن البريد ... يدخل يفتح الصندوق ، و
يطلع يفتحه ...

أعصابه صارت مشدودة و تركيزه متشتت ... و كل اللي بالعمل ، و أكيد بالبيت ،
لاحظوا ....







كان ينتظر الشهر الجديد ... يمكن القمر نسى الشهر الماضي ، و جل ما لا يسهو ؟




لكن ... اللي صار ... أن البدر اكتمل ... و ما سلم عليه ...



في ذاك اليوم أنا كنت مو موجود بالمدينة ، طالع مشوار عمل ... و شوق و حدها مع
الأطفال بالبيت ...







*
* *
*






كانت الساعة وحدة الليل ... و كنا نايمين ، و رن جرس الباب ....





صحيت من النوم مفزوعة ، من يمرنا هالساعة ؟؟؟




زوجي ياسر ما كان موجود ، و مستحيل يكون هو رد و ما معه مفاتيح البيت ....





الجرس ظل يقرع باصرار و أنا قمت من سريري متوجسه ... و رحت أبي أطل من النافذة
أشوف من يكون ؟



في نفس اللحظة رن الهاتف ، و طلع رقم جوال أخوي بالكاشف ...



رفعت السماعة و كلي خوف ... وش صاير ... ؟ الله يستر ...




- ألو ..

- هلا شوق ، أنا عند الباب ...

- عند الباب ؟؟؟

- افتحي شوق ....






طليت من النافذة و قدرت أشوف سيارة أخوي ، و أنا أرد عليه ..



- طيب تفضل ...











ثواني ، و كان أخوي قدامي ....


مثله ... مثل شبح ... مثل مومياء ... و الله أني ما أنسى حالته ذي ... طاح قلبي
يوم شفته حسبت صار شي


بالأولاد أو منال ...





بلعت ريقي و همست بصوت مختفي ...



- خير ؟؟





تنهد أخوي ، قال يطمني ...



- بسم الله ... لا تخافي شوق ما صاير شي .... كلنا بخير ...




ما تطمن قلبي ... رديت أسأله :


- وش فيه ؟؟









فجأة ، ارتمى على الكنبة ... و سند ظهره عليها بتثاقل ... و رفع راسه و غمض
عينه ....و مسح براحه إيده


على جبينه و هو يتأوه بألم ....







أنا ظليت واقفة مثل التمثال ... مذعورة ... و لساني مو قادر يقول شي ....




فتح عينه و قال لي ... بدون أي مقدمات ....




- قمر رجعت الديرة ؟ وين هي ؟






انفجر قلبي بنبضة قوة كبيرة ، بعد انحباس .... و سرى دم حار متوهج بجسمي كله
... و ما قدرت ركبتي


تشيلني ...







جيت و جلست جنبه اجمع شوية أنفاس ... و اهدىء نفسي من الفزعة ....




طالعت فيه ، و أنا صامته ... للحين لساني مشلول ... لكن نظراتي كانت تعبر بكل
شرح و توضيح ....






أخوي ظل يناظرني و يقرأ تعابير وجهي ... طبعا ... الموقف صاير فوق مستوى
التبرير ... و أنسب تعليق كان

له ... هو شلال من الدموع فاضت من عينه قطّعت قلبي قبل تقطع طريقها على خدينه
....








مسكت راسه و قمت أمسح الدموع ... و مد إيده و مسك إيديني ... ونطق ... بالجملة
الأخيرة اللي قدر ينطق


بها لسانه ذيك..ليلة..





- أرجوك شوق ... شوفي لي وين هي ...؟؟؟

******************


~ و تجدد اللقاء ~


الحلقة الثالثة عشر


* * * ** * * * * *








أخيرا قرر أخوي ثامر أنه يتزوج ، بعد ما مرت سنة و نص من رجعنا البلد و أمي تلح
عليه كل يوم !



و الاختيار كان على وحدة من معارفنا القدامى...





حفلة الخطوبة رح تكون عقب كم يوم ، و الوالدة ما خلت أحد بالديرة إلا و عزمته !





في الواقع انشغلت كثير أواخر الأيام .... و قررت آخذ أجازة كم يوم ...





ولدي بدر ... صار ما بين كل يومين ثلاثة يروح يتغذى أو يتعشى أو حتى يبات في
بيت جدته ، أم بسام الله

يرحمه ...






الولد صار يتعلق بعمينه ، ماجد و رائد كل يوم بعد يوم ... خصوصا بعد ما قرر
ثامر أنه يرتبط ...






الولدين اثنيهم يدرسوا بالجامعة ، و فارق السن بينهم و بين بدر حول تسع سنين
... بس صاروا عنده أقرب

أصحابه...







بصراحة ... أنا بديت أقلق ...


كبر الولد ... و صار شوي شوي يبتعد عني و يتعلق بأصحابه ... و بالأخص عمينه ...




أكيد هذا الشي الطبيعي ... لكن ... أنا اللي وضعي مو طبيعي ...ما أبي ولدي
يبتعد عني ... هو كل اللي بقى

لي من الدنيا ....





بُعد بدر عني أواخر الأيام ... يمكن أعطاني فرصة إني ... إني... أفكر
في...سلطان..



آه يا سلطان ....





*
* *
*






من ليلتها ... ليلة ما جاني أخوي بذيك الحالة ، و أنا أحاول ... مع أنى و الله
ما ودي ، بس ... أحاول أشوف

طريقة التقي فيها بقمر ...






ودي بس أسألها ... هي ليه تسوي كذا ؟ و إيش قصدها من بعث فصوص السبحة بهذه
الطريقة ؟؟؟






الفرصة جتني من الله ، يوم عزمنا بعض معارفنا على حفلة خطوبة بنتهم ، لثامر ...
أخو قمر ... و شفتها

فرصة ذهبية ... و لازم أحضر الحفلة ...









توقعت ... في ذي الحفلة ... طبعا باشوف .... سلمى !




بعد ما تهاوشت معها قبل سنين ... قطعت علاقتي بها ... و في المرات اللي التقينا
فيها صدفة بشكل أو بآخر ...

كل وحدة منا كانت ... تتجاهل الثانية ...





منال بعد كانت معزومة ، بس طبعا ما فكرت تروح ...


أخوي لما عرف مني عن الحفلة ، قال لي :




-( اتصلي علي أول ما ترجعين لي بالخبر ... )





رحت الحفلة و أنا قلبي مقبوض ، كنت متوترة ... و من أول ما وصلت ، لقيتهم
بالاستقبال !






*
* *
*






مبسوطين و مستانسين ، كنا بأمان الله ، أنا و قمر واقفين عند المدخل نرحب
بالمعازيم ، و معنا قرايب قمر و

العروس ...



و فجأة ، ظهرت في الصورة ... شخصية صدمتني ! ...





- مساء الخير ...



قالت ( شوق ) .... نعم شوق بعينها ... و هي جاية تدخل الصالة ....




أنا ... ما تكلمت .... بس ظليت أدقق النظر أتأكد ... هي و إلا غيرها ؟؟؟



و جت وحدة من أهل العروس ترحب بها بحرارة ....


ناظرت قمر ....


ما شكلها استوعبت ... لأنها كانت واقفة تطالع بنظرة استغراب !





لفت شوق صوب قمر ... ابتسمت ... و ردت تقول :


- مساء الخير ... قمر !... مبروك ...




و مدت إيدها تبي تصافحها....





قمر ... مدت إيدها ببطء و تردد .... و أخيرا لامست يد شوق ... و سلمت عليها ...




- كيف حالك ... يا قمر ؟

-... بخير ... الحمد لله ... تفضلي ...






البرود ... اللي ساد الأجواء ذي اللحظة ... خلاني أحس بقشعريرة تسري بجسدي ...



التفتت شوق صوبي ... تبي تسلم علي ...



صافحتها ... ببرود الثلج ... و بابتسامة مجاملة باهتة ... و لا كأننا كنا في
يوم من الأيام ... أقرب الصديقات و

أحب الأخوات ....





النظرات الصامتة الرهيبة...تبادلناها احنا الثلاث....




ثلاث صديقات ... كانوا يوم من الأيام ... زميلات بالجامعة .... من أعز الناس
على بعض ... ياما كنا مع

بعض ... نروح و نجي مع بعض ... ناكل و نشرب مع بعض ... نسولف و نضحك مع بعض ...
نحزن و

نبكي مع بعض ...







الحين ... و بعد ما مر على تفرقنا حول 13 سنة ... ردينا اجتمعنا مع بعض في مكان
واحد ....





كل وحدة تناظر الثانية ... بمنتهى البرود ... كأنها تتعرف عليها للمرة الأولى
...




اجتمعنا احنا الثلاث ... للمرة الأولى ... بعد كل ذاك العمر ....





الدكتورة قمر.... أخصائية أمراض أورام أطفال ....

الدكتورة شوق ... أخصائية أمراض عيون ...

و الدكتورة سلمى ... أخصائية ... ... ... طبعا حزرتوا ؟؟؟








أخصائية أمراض و جراحة المخ و الأعصاب ....!





من يوم ما صار لقمر ذاك النزيف بالمخ و أنا مهووسة بجراحة الأعصاب زي ما انتوا
فاكرين !











- تفضلوا يا جماعة ليش واقفين عند الباب !






جا صوت قريبة العروس .... شتت نظراتنا الباردة ... و بدد الأجواء الصامتة
الرهيبة اللي سيطرت علينا ....




دخلنا وسط القاعة .... احنا الثلاث و معنا قريبة العروس ... و جلسنا حوالين
مائدة وحدة ....



بدت قريبة العروس تتكلم بمرح و احنا نتجاوب معها ، بشكل ( شبه طبيعي ) و كل
وحدة منا تحاول تتجاهل

نظرات الثانية اللي ( من ذاك النوع ! )




و زي ما اقتضى الحال ، عرفنا عن أخبار بعض بشكل ( غير مباشر ) !








*
* *
*









كانت الطريقة اللي استقبلتني بها قمر .... أبرد من الجليد ...



حتى ... ما سألتني أي سؤال عن أحوالي ... و أخباري ...



تكلمنا و كأننا نشوف بعض للمرة الأولى ...



أنا كنت أحاول بين جملة و الثانية اسأل و لو بطريقة غير مباشرة ... عن أخبارها
و وين صارت تشتغل و متى

ردت البلد ...





طلعت في النهاية ببعض المعلومات ....



في الواقع ما مداني أجلس معها كثير ، دقايق و قامت تستقبل ضيوف جدد ... و لا
ردت جلست معي عند نفس

الطاولة ....




قمر ... شكلها ما تغير كثير .... نفس الوجه النحيل ... و العيون العميقة
النظرات ... و الصوت الدافيء

الشجي ....




و حتى سلمى ما تغيرت كثير ... و دايما ... تعابير قلبها معكوسة على وجهها زي ما
كانت الأول .....

قدرت أشوف تعابير الأستياء ... و المجاملة الباهتة اللي حاولت تخفي بها ذيك
التعابير ....







مرت ساعة و نصف ... و صار لازم أطلع ، و أنا للآن مو قادرة اجتمع مرة ثانية
بقمر ...




طبعا لا هو الوقت المناسب و لا المكان المناسب ، عشان أسالها ذاك السؤال ...

بس بغيت ... أدبر أي شي ، و لا أطلع بخفي حنين !







انتهزت فرصة عبورها قريب مني ، و قمت و ناديتها ...

- قمر ....






التفتت لي ، و نظرتها ممزوجة استغراب و نفور و تجاهل ...



- نعم .......؟

- أنا باطلع الحين ... بغيت أسلم عليك ...

- تو الناس .......

- عندي بعض المشاغل ....

- أهلا و سهلا ....

- إن شاء الله زواج مبارك و الله يوفق لهم .....

- مشكورة و الله يبارك فيك .......








كل هذا كلام عادي و فاضي بعد ، الحين جاي الكلام المهم !







- بس ... بغيتك تزورينا عاد و نسولف مع بعض شوي !





الحدة اللي ناظرتني بها بغت تخليني اعتذر عن هالطلب !

بلعت ريقي و ابتسمت أبرر :




- من زمان ما شفناك و وحشتنا سوالفك ... أتمنى تزوريني أي يوم يناسبك ! وش رايك
بالخميس الجاي ؟






رغم أني شفت علامات الرفض على وجهها ، لكني أصريت ... هي حاولت تتعذر بأكثر من
عذر ، و مع

إصراري أخذت منها وعد بأنها تزورني في أقرب فرصة مناسبة ....





الحمد لله ، على الأقل طلعت من هالحفلة بوعد ...... و إن كان .... وعد مجاملة
...








لما رديت البيت ... اتصلت على أخوي سلطان و لقيته ينتظرني على نار ...




- نعم شفتها و كلمتها ، و عزمتها تجي تزورني قريب ...

- متى ؟

- ما ادري يا سلطان زين منها قالت : يصير خير ....






سكت أخوي شوي ، و تالي سأل :



- هي بخير ؟

-.... نعم ... بخير و مبسوطة لخطوبة أخوها ...





رد سكت شوي ، و سألني تالي :


-.... تزوجت ؟؟؟

- و الله ما ادري ! ما جا طاري ذا الموضوع ... بس لا جتني باعرف أكيد ...






و أنا ببالي ... تزوجت أو ما تزوجت ... بإيش عاد يهمك يا سلطان ...؟؟

و بإيش تفكر ... ؟؟؟






خلها ... للأيام ....





*
*




الأيام تمر ... و أنا انتظر أي اتصال من قمر ... دون فايدة ...



و أخيرا اتصلت أنا بها أذكرها بوعد الزيارة ... و اعتذار بعد اعتذار ، لين في
النهاية انحرجت و قررت تجيني

في يوم معين ...




و جا اليوم الموعود .......






*
* *
*





وصلت بيت شوق .... اللي ما جيته من سنين و سنين .... تغيرت فيه أشياء كثيرة



و عرفت أنهم يبنون لهم بيت ثاني ....



ما كنت أبي اجي و اسمح لذكريات الماضي أنها تظهر من جديد ...



بس إصرار شوق أحرجني و خلاني أجيها غصبا علي ، و الله يستر ... !











اللقاء كان طبيعي و عادي جدا طول الوقت ....

سألنا عن أخبار بعض ... أخبار البيت و الأطفال و العمل ...

و شفت أولادها ... ولدين اثنين ... ما عندها بنات ، و عرفت أن ( منال ) جابت
بنت وحدة بعد ( نواف )








الأمور مرت طبيعية لين جيت أبي أتصل على السواق يجيني ، لما قالت لي فجأة ...





- قمر ودي أسألك سؤال ... إذا سمحت ...؟؟

- خير ؟؟؟






و من ملامح وجهها عرفت أن الموضوع ... ... ... ؟




- سبحة سلطان لسه عندك ...؟؟؟








تفاجأت ... و وقف قلبي ... حاصرتني بزاوية ما قدرت أهرب منها

وقفت و كملت اتصالي و كلمت السواق يجيني ... و حاولت اشغل نفسي بترتيب عبايتي
علي ....




مسكت الشنطة ، و مدت شوق إيدها و مسكتها ... و طالعتني بنظرات كلها ألم ...
كلها رجاء ... كلها

عتاب ....




- قمر الله يخليك ... سلطان أخوي تعبان ... لا تسوين فيه كذا ....






و لا تكلمت بكلمة وحدة ... و شوق ... واصلت كلامها بنبرة حزينة ...





- أنتِ أنقذتِ حياته في يوم من الأيام ... أرجوك ... لا تدمريها ...



- مع السلامة






قلتها ، و طلعت .... أنتظر السواق عند الباب ...

ما كنت أبي شوق تشوف دموعي اللي تفجرت بعيني ...

اللي تدمرت هي حياتي أنا ... مو حياتك أنت يا سلطان ...

الفصوص كانت توصل له ... و تأثر بها أكيد ...




سلطان أنت تألمت ؟؟



خلاص .... ما عاد أظهر بحياتك مرة ثانية ... و بقية الفصوص ... باتخلص منها و
انتهينا ....





*
* *
*







النهاية ذي ما أقنعت أخوي سلطان ، لكنها على الأقل ريحت باله بعد حول سنتين من
العذاب ... مع ذيك

الفصوص ...الحين صارت الشهور تمر ، و لا يعني له يوم النص منها شيء ... و لا
عاد فيه قمر ... يسلم

عليه ....







القصة بكذا وصلت لـ ((( النهاية ))) أخيرا ، و الحمد لله ............










الشي الجديد اللي شغل بال أخوي و بالنا كلنا هو هبة ...

صحتها أواخر الأيام صارت في تدهور ... دوم رافضة الأكل ، دوم خملانة ... دوم
تعبانة أو مريضة ...

كأنها عين و صابتها ، بعد كل خفة الدم و المرح و الحيوية اللي كانت عليها ...







كنت بالمستشفى ، لما وصلتني مكالمة من ( منال ) تقول لي أنها موجودة بقسم
الطوارىء و معها هبه ،
و الطبيب يقول عندها جفاف و محتاجة تنويم كم يوم ...





جيت بنفسي للطوارىء و شفت بنت أخوي ، كانت بالمرة تعبانة ، تقول أمها صار لها
يومين ما تاكل شي و

عندها (اسهال و تقيؤ) ... أخوي ما كان موجود ، كان بالعمل ...







تنومت هبه مع أمها بالمستشفى و بدت حالتها تتحسن شوي شوي ...




أخوي طبعا فزع لما عرف أنها بالمستشفى و جا مثل المجنون ... بس الحمد لله
حالتها صارت أفضل ... نزلة

معوية و تعدي على خير إن شاء الله ....










بعد يومين طلعت من المستشفى بصحة طيبة ... و استعادت نشاطها كم يوم ، قبل ما
ترجع تتدهور مرة ثانية

أسوأ من اللي قبلها ... و تتنوم من جديد ...









أخوي عاد ما كان له حال .... ما كان يقدر تصيبها ذرة غبار ... و كل شوي يقول لي
توصي بها و وصي

عيلها الأطباء ... و هم مو مقصرين ...







بعد ما استقرت حالتها ... شاف الطبيب أنه يسوي لها فحوصات أشمل ... اللي خلاني
حاطة إيدي على قلبي ...

و كاتمة أنفاسي ... لين صرخت بكل قوة ... صرخة هزّت جدران المستشفى ... و كسّرت
النوافذ ... و زلزلت

الأطوابق ... لما قال لي عقبها بيوم ...





- ( سرطان الدم ..)..







طحت ... و ما دريت بحالي ...


مستحيل ... مستحيل يكون ... صحيح ... فيه خطأ ... هبة بنت أخوي ... البنت
الوحيدة ... دلوعة العيلة ...

مهجة قلوبنا كلنا ... عندها ... سرطان في الدم ....؟؟؟ !!!









*
* *
*








تشخص مرض هبه بنت أخو زوجتي ... على انه ... سرطان في الدم ...



و حلت المصيبة على العيلة ... و بغى سلطان يموت يوم عرف ...



أخذها لمستشفى ثاني ... و سووا لها نفس التحاليل ... و جت بنفس النتيجة ...




و الرجال انهبل ... و العيلة كلها انفجعت ... و لا أقول ... غير إنا لله و إنا
إليه راجعون ....







أحيلت هبة بتحويل عاجل إلى أكبر مستشفى بالمنطقة ، إلى قسم أورام الأطفال ...


ما اقدر أوصف لكم الحال ... اللي كانت هي ، و أمها و أبوها ... و عمتها و كل
أهلها عليه ...






ما قدروا يتخطوا مرحلة الصدمة ، و يبدأوا مرحلة التصديق إلا بعد فترة ...


كانت غمامة سودا عاتمة كبيرة ... استحلت سمانا و أظلمت ديانا ... و ظلت مغطية
عنا النور ... شهور ...

و شهور ...







أمس دخلت هبة المستشفى الكبير ... و اليوم رح يشوفها الأخصائي و يقرر العلاج






*
* *
*






الدكتور ( هيثم ) – زميلي في التخصص – كان بأجازة و رح يرد بعد كم أسبوع ... و
كنت

المسؤولة عن كل المرضى في الوقت الحالي ...







كنت أراجع بعض نتايج التحاليل لمريض جديد محول علينا من مستشفى ثاني ...

لما سمعت صوت الباب يندق ...




- تفضل ...

- مرحبا دكتورة ....... هذا والد المريضة الجديدة ...





كانت الممرضة ، كنت طلبت منها تجيب والد أو والدة المريضة معها ...

رفعت عيني من على الأوراق ... و طالعت صوب الباب ...









شخصين اثنين ، غير الممرضة ... كانوا واقفين ...

امرأة ... و رجال ...

شوق ... و سلطان ... !










تجمدت نظراتي ... ما ادري أنا أتخيل .... ؟؟ أتوهم ...؟؟؟





طاح القلم من إيدي فجأة ...


و نزّ لت عيني في الملف بالغصب ... أبى أدور اسم المريضة ...

و شفته ... ( هبه سلطان ) ...






- تفضلوا ...




قالت الممرضة ... و سلـّـم سلطان ، و جا جلس على الكرسي قدام المكتب ... و ظلت
شوق ...

متجمدة عند الباب ........








التفتت الممرضة لشوق و هي تأشر لها على الكرسي ( تفضلي ؟ ) لكنها ظلت متيبسة
بمكانها ...




الله لا يوريكم مثل هالموقف ...






ما ادري ... أنظاري كانت تطالع في الأوراق اللي بين يديني ... و إلا تخترقها و
تخترق الطاولة ...

و تطالع برجلي اللي صارت ترتجف مثل يدي ... ؟؟







حاولت ... أرفع عيني صوب شوق ... ودي بس أتأكد ... هي شوق اللي أعرفها أو غيرها
؟ لكن ...





- طمنينا يا دكتورة فيه شي جديد بالتحاليل ؟





جا صوت سلطان ....

كان يكلمني ؟ أكيد كان يكلمني ...

هذا سلطان ؟ طبعا ... هذا سلطان ...

أنا مو بحلم ؟ مو خيال ؟

معقول ؟؟؟

معقول ؟؟؟




الاوكسجين خلّص من الغرفة فجأة ، لأني شوي و أختنق ...

التكييف انقطع فجأة ...

لأني شوي و اخترق ...

المطر نزل فجأة ... أحسه يبلل جسمي كله ... و شوي ... و أغرق .....




هذا سلطان ...

سلطان نفسه ...

العسل ...

قدامي الحين !

إنتوا تشوفوا ؟

قولوا لي ... هو و الا مو هو ؟

يشبهه ؟

الصوت ، الشكل ، الهيئة ... الإحساس اللي أحسه لا كان قريب مني ...

أنا قلبي مستحيل يتوه عنه ...

هذا سلطان أكيد ...

شوي و يغمى علي ...

أرجوكم امسكوني ....











ما أدري كيف ، هزيت رأسي ... ففهم مني أنه ما فيه شي جديد ...



- و العلاج ؟ ممكن ؟ موجود هنا أو أسافر برى ؟ الحالة ذي شفتوا زيها قبل ؟
عالجتوا مثلها ؟

ممكن تطيب زي أول ؟؟؟





هزيت راسي ... ما فيني صوت أتكلم ...






سلطان كان يتكلم بنبرة هلع ... نبرة فزع ... خوف و قلق ... أمل و يأس ... تصديق
و تكذيب ...

و الله كل هالمشاعر كانت تنبعث من صوته و كلماته في اللحظة نفسها ....







- متى نبدأ العلاج ؟ اليوم ؟ و كم يطول ؟ و رح ترجع طبيعية مثل أول ؟

ترى ما عندي بنت غيرها أرجوكم لا تتأخروا عنها ...








لها الحد ... و شوق ما قدرت ... انفجرت بصيحة مكبوتة فجأة ... و التفتنا كلنا
صوبها ...

و شفتها و هي شوي و تطيح ...






و رحت بسرعة ... و بسرعة فتحت ذراعيني و أخذتها بحضني ...

بلا شعور ... بلا إدراك ...

و صرت أطبطب عليها و أنا أبكي معها ...





لا تلوموني ...

أنا قبل ما أكون طبيبة ... إنسانة ... و صديقة ... و في ها اللحظة بالذات ...
صديقة في وقت محنة ...







- عيدوا التحليل يمكن ما يطلع صحيح ...




قالت شوق و هي تبكي بمرارة ... أنا ما أذكر وش رديت ...





- ما أدري من وين طلعت لنا هالبلوة ...

- يكفي شوق ... يكفي ...






هل كنت أواسيها أو أواسى نفسي ...؟؟؟ ما أدري .....





- الله يخليك قمر سووا أي شي عشانها أي شي ...

- أكيد ... أكيد ...





بعد ما هدأت شوق شوي ... قلت :



- خلينا نروح نشوفها الحين ...








شوق طالعت بسلطان ... اللي كان جالس على الكرسي ... و الله يعلم من فيهم أجمد
من الثاني ...؟؟؟




وقف سلطان ببطء ... و وجه نظراته صوبي أنا ...

و للمرة الأولى ... تلتقي نظراتنا ...







للمرة الأولى .... بعد فراق كل ذيك السنين ....

التقت نظراتنا .. في موقف فاجع ... مثل ما افترقت في موقف فاجع ... قبل ... 13
سنة ....




كانت نظراته مذهولة ...


أنا ... بسرعة طالعت صوب مقبض الباب ... و مديت يدي ... و فتحته ...



سلطان ... الحين أدرك أنا من أكون ... بس يمكن ذهول المفاجأة ... أو يمكن هول
المصيبة

اللي هو فيها ... ما خلاه يقدر يعبر ... بأي كلمة ...













طلعنا إحنا الأربعة ... أنا و شوق و الممرضة و سلطان ... و رحنا لغرفة هبه ...






رجلي بالكاد كانت تحملني ...

ودي أنهار ...

ودي أطيح ...

ودي أصرخ لا ... لا ... لا ...







بس مسكت حالي ... و حركت رجلي غصبا عليها ... و أجبرت نفسي أني أتظاهر بالتماسك

... كطبيبة ... مع مريض و أهله ...







الانفعالات الثانية محوتها من الوجود و ما عطيتها أي فرصة أنها تظهر ...






دخلنا الغرفة ... و شفت هبة ... الطفلة الصغيرة ... ملمومة بلا حول و لا قوة
... في حضن أمها ...

... منال ... أكثر امرأة كرهتها في هذا الكون ....







عيونها ... من فتحة النقاب ... كانت باينة ... حمراء و متورمة ... و أثر الدموع
ما برحها ....






سلـّـمت ... و سألت عن الأحوال ... و جيت لعند الطفلة أحاول أكلمها و أداعبها
شوي ... قبل الفحص ...



الطفلة بس شافتني قامت تبكي .... و أشرت على أبوها و جا و شالها بحضنه ... و
صار يحضنها

و يطبطب عليها ... و يقبلها .....







أنا بشر ...

و الله مو قادرة أتحمل ...

يا ليتني بحلم و اصحا منه بسرعة ...









بعد كذا فحصت عليها ... و أخذت من أمها و من شوق بعض المعلومات ... و منال ...
ما تدري ...

... من أكون ...









كان كل همها العلاج ... و كل شوي تسأل متى نبدأ و متى تطيب ... و توصيني ببنتها
الوحيدة المدللة ...






طلعت مع شوق و رحنا المكتب ...




تكلمنا كطبيبتين نتناقش بحالة مريض ... و قررت أني أبدأ العلاج بكرة و أعطي
لنفسي و لهم

فرصة استيعاب أني أنا قمر ... باتولى علاج بنتهم ...







و اتفقنا ... أن والد المريضة ... يوقع أوراق الإجراءات الضرورية بكرة ...











ما صدقت أني وصلت البيت أخيرا ...




كان ولدي بدر جالس ( يبني عشة طيور ) بالحديقة – و على فكرة ذي هواية عنده ،
تربية الطيور -

و أول ما شافني كالعادة جا يسلم علي و يحضني ...




- هلا يمه

- هلا حبيبي ...





أخذته بحضني بالقوة ... و حبسته بين ذراعيني لفترة ...

الولد ... على حس أن فيني شي ...






- خير يمه ؟

- خير حبيبي ... ما خلصت العشة ؟

- لا باقي ! ...

يمه فيه شي ؟؟







ابتسمت و أكدت ...





- لا بدري ... ، تغذيت هنا و إلا عند الجدة ؟ ( أقصد أم بسام )

- عند الجدة ، يمه عمي ماجد بيمرني بعد المغرب باروح معه مشوار ...










مشاويره مع عمينه ما تخلص ... أحس أنهم أبعدوه عني ... بس ما فيني قوة أعلـّق
الحين ... قلت باستسلام ...




- طيب حبيبي ... أباروح أرتاح ....








وقبـّـلت جبينه ... و تركته منهمك ببني العشة ...





وصلت داري منهارة تماما ... رميت بجسمي على السرير .... و تأوهت بمرارة ...










يوم القدر ... بعد كل هالعمر ... كتب أنه يجمعني بسلطان ... جمعني به ... في
أسوأ الحالات ... و أسوأ الظروف ........










بكيت بكاء ما بكيت مثله من مدة ...


طلعت الفصوص الثلاث اللي بقت لي من سبحة سلطان ....و شديت عليها بين يديني ...
و قربتها

عند قلبي ... و صحت ....









سلطان ...

سلطان ...

يا رب يكون حلم ...

يا رب يكون كابوس ...

يا رب ما يكون حقيقة ....









شوي ... و اندق الباب ، و جاني صوت ولدي بدر يناديني ...



بسرعة مسحت دموعي و جيت و فتحت الباب ...




- هلا حبيبي ؟

- يمه بس بغيت منك ...






و سكت ... و صار يطالع فيني بقلق ...





- نعم بدر وش بغيت ؟

- يمه أنت بخير ؟

- بخير ... بس قل لي وش بغيت ...؟





طبعا ألح علي ، و قلت له أن وحدة من صاحباتي بنت أخوها مرضت و تتعالج عندي ...
و أنا متأثرة
عشانها ...




- إذا بتتأثرين يمه كذا لا تعالجي ناس تعرفيهم !





هو قالها جملة عابرة ، و أنا أخذتها بجد ... هذا اللي لازم يصير ... أبي أحول
الحالة على الدكتور هيثم

أول ما يرد من أجازته... بس الحين ... ما لي إلا أني أبدأ العلاج ... قبل فوات
الأوان ....



***********************



من مواضيعي :
  #4  
قديم 23/12/2006, 10:30 PM
صورة لـ زهرة الخزامى
زهرة الخزامى
ودود
 
رد: فجعت قلبي

~ قريب ٌمن العين و القلب ~




الحلقة الرابعة عشرة





* * * * * * * * * * *









- تقولين ... قمر ؟؟؟؟


صاحت منال بدهشة و استنكار ... لما قلت لها أن الطبيبة اللي كانت هنا ... هي
قمر ...

و صارت تنقل نظرها بيني و بين سلطان .... الجالس باستسلام على طرف السرير ... و
بحضنه
هبه نايمة بكل براءة ... و عينه بس و بس مركزة على بنته ...


- لا ! مستحيل ....


لما قالت كذا ، رفع سلطان بصره و طالع بها ...

و ردت تأكد ...


- مستحيل أخلي بنتي تتعالج عندها ... شوف لنا مستشفى ثاني ...


سلطان ... منتهي و ما له حال ... بس شال البنت و حطها بسريرها ... و قام يبي
يطلع ...


- وين ؟؟؟

- بـ أرد البيت باريح شوي ...

- و تخلينا هنا ؟

- منال ... رجاءا ... اللي فيني يكفي ....


قالها ... و طلع من الغرفة ...

و جلست مدة مع منال ...أحاول أهدي فيها ... هدأت في النهاية ... بس ما اقتنعت
...
... و كنت ادري أنها بكرة بالكثير ... بترجع للموضوع مرة ثانية ....

صحيح احنا انحطينا بموقف ما ننحسد عليه ...

الأقدار لعبت دورها بدهاء ...

و كلمة ((( النهاية ))) في القصة و اللي ظنيت أنها انطوت خلاص ... ما شكلنا رح
نقولها قريب .....



*
* *
*


رديت من مشاويري مع عمي قرب الساعة عشر الليل ، كنت متأكد أن أمي رح تعاتبني
لأني طولت الغيبة ،
و استغربت لأنها ما اتصلت علي كالعادة تتطمن ...؟


المهم ، أول ما دخلت البيت شفت خالي ثامر جالس يتكلم بالتلفون بالإنجليزي !
أكيد هذه خطيبته ! صار كله مشغول معها !


رحت أدور أمي ما لقيتها سألت عنها قالوا لي بدارها ... و صعدت الدور الثاني و
جيت عند باب غرفتها ...

كان النور ظاهر من تحت الباب ، دقيته و ناديتها ، و ما جاني رد ...


دقيت مرة ثانية و ما سمعتني ، فتحته شوي شوي ...

لقيت أمي نايمة على سريرها ...

مو بالعادة أمي تنام هالوقت ، و لا بالعادة تنام قبل ما تتطمن علي ، بس شكلها
غفت دون ما تدري ...


قربت منها عشان أنا متعود لازم أقبل راسها كل ليلة قبل النوم ، من يوم كنت صغير
... و فيه شي
غريب لفت انتباهي ... !


كانت إيدها اليسرى ممدودة و براحتها ثلاث ( خرزات ) فضية .. !


استغربت ... إش هذه ؟ ... بس شلتهم من إيدها دون ما تحس .. و أخذتهم معي ...
قبلتها و طلعت من الغرفة ....


بعد ما ( انسدحت ) على سريري نمت بسرعة لأني كنت تعبان شوي ...


و ما لحقت أشبع نوم ... صحيت على صوت خالي ثامر ينبهني عشان صلاة الفجر ...


بسرعة جا وقت الصلاة ! يمكن خالي غلطان بالوقت ؟؟

فتحت عيني و طالعت بالساعة و كانت أربع الفجر ...


- يالله بدر انتظرك بالسيارة لا تتأخر ...


ما مداني أرفع جسمي أبي أقوم إلا و وصلنا صوت صرخة قوية ....

فزعت ... و هبيت جالس ... و جت صرخة ثانية ...


- هذه أمي ... ! ! !


قفزت من السرير ... ركضنا أنا و خالي بسرعة إلى غرفة أمي و دخلنا ...و شفناها
تصرخ في ذعر
و فزع مهول ...

ركضنا لها و حضناها ... و صرنا نهدّي فيها و هي ترتجف ... و تردد ...


- ( سلطان لا تموت .... سلطان تنفس .... سلطان تماسك .... )


خالي صار يقرأ آيات قرآن يهدّي فيها و أنا أبكي مفزوع عليها ...

أمي كانت تطالع فينا و لا كأنها تعرفنا ... ما كانت بوعيها أصلا ... العرق كان
يتصبب منها بغزارة ... و أشوفها تتنفس تنفس مو طبيعي ....

ظلت أمي على ذي الحالة دقايق ... و بدت تهدا شوي شوي ... رفعت راسها تطالع خالي
ثامر و تقول ...


- بسام غرق ...


و خالي يهدي فيها ...


- خلاص قمر ... أعوذ بالله من الشيطان ... خلاص قمر اهدي ...


و يكرر آيات قرآنية ... لين هدأت أمي ... و طالعت فيني ... و شكلها توها تنتبه
لي أو تعرفني ...
... نادتني و خذتني بحضنها و أنا أبكي و هي تبكي و خالي يهدي فينا ...



- خلاص بدر ... خلها تنام ...


رفعت بصري له معترض ...


- بـ أظل معها ...

- لا بدر ، خلنا نروح المسجد ... ما فيها شي راحت النوبة ...



تركت أمي نايمة على السرير و الوسايد .... مغمضة عينها و حالتها زينة ... و يوم
جينا بنطلع من الغرفة
سمعناها تقول :


- ( ما أبي أعالج بنته .... )


الجملة الأخيرة اللي سمعناها ، و طلعنا ....


كانت الدموع بعدها بعيني ، و قال لي خالي باستنكار :


- إش بلاك ؟ رجال و تبكي ؟

- ما شفت كيف كانت ؟

- ما هي أول مرة ... ما تعودت للحين ؟؟

- بس ما صار لها من جينا البلد ...



من رجعنا البلد ... هذه أول مرة تجي أمي نوبة الذعر اللي كانت تجيها من فترة
لفترة و احنا برى ...


خالي يقول أن هذا صار لها بعد ما شافت أبوي و ناس ثانيين يغرقوا في البحر ...
قبل ما أنولد أنا ....

و كان دايما يحذرني أني أذكر شي عن الموضوع قدامها و إلا بتمرض و تزيد حالتها
أكثر ....



... من هو ... سلطان .......؟؟؟


*
* *
*



صحيت من النوم و لقيت نفسي متأخرة شوي ... و حسيت روحي تعبانة و ما لي خلق ...
قلت أبي أتصل بالمستشفى و آخذه يوم إجازة ... بس ... بسرعة تذكرت المريض الجديد
... و قفزت من سريري بسرعة ...


... عندي اليوم شيء مهم لازم أسويه ...


و أنا عند المراية أسرح شعري تذكرت فصوص السبحة الثلاث ...

كانو بإيدي لما نمت ..؟؟؟


و قمت أدور عليهم في السرير و حوله و بكل مكان و لا لقيتهم ... وين اختفوا ؟


بس لأن الوقت متأخر ، تجهزت على عجل و طلعت من الغرفة و نزلت الدور الأرضي ...


كان ولدي بدر جالس هناك و أول ما شافني جا يصبح علي و يحضني ...



- هلا بدري ... ها حبيبي متى رديت البارح ؟



ابتسم بخجل و اعترف أنه جا متأخر شوي ، و طالع فيني كأنه يبي يقول شي ... بس
أنا كنت مستعجلة
سلمت عليه و طلعت ....


اللحظة اللي طول أمس و أنا قاعدة أعد لها ألف حساب جت أخيرا ....



كنت بالمكتب ، أنتظر والد المريضة يجي عشان أشرح له عن المرض و العلاج ... و
تفاصيل ثانية ...

بالنسبة لي كطبيبة ، صرت متعودة على هذه الأمور ، لكن ... .... .... ؟



جت الممرضة ... مع سلطان ....



حاولت بكل الطرق ... إني أنسى أني كنت أعرف هذا الشخص يوم من الأيام و اتصرف
معه كأي والد
مريضة أعالجها ...



صعب ... و الله صعب ... !
إنتوا حاسين فيني ؟؟




بمجرد وصلني صوته أول ما دخل و سلم ... انتفضت أوصالي كلها ...

هذا هو صوت سلطان ... ما تغير عن أول ...

جهور و رنان ...

كأنه لا وصل الطبلة يدغدغها !

و إذا جا للدماغ يخدره !

مع أنه قوي ، بس لا سمعته تتملكني رغبة غريبة في النوم !




رفعت عيني بنظرة خاطفة صوب عينه و رديت السلام ...

يا ذيك عيون ... يا ذيك نظرات ...

تاخذني فوق في السماء ... أحسها ... أحسها بحيرة ... و ودي أسبح فيها !



أي جنون ... ؟؟؟
إنتوا فاهميني ؟؟



أخذت حول أربعين دقيقة و أنا أتكلم معه و أشرح له بعض التفاصيل و أجاوب على
أسئلته ... وجود الممرضة يمكن عطاني شوية دعم ...



كنت أبي أعرف ... هل هو راضي أني أنا ... أعالج بنته ؟ .. إش قرر ...؟؟؟


سألت في النهاية :



- نبتدي العلاج اليوم ؟

- توكلنا على الله ....




اللي كان يكلمني كان أب ... متعلق بأمل ... أي أمل ... لعلاج بنته الوحيدة...
مهما يكون ....



رحنا لغرفة الصغيرة ... كانت نايمة .. و أمها ( منال ) جالسة جنبها ...

و الطريقة اللي كلمتني بها اليوم ... تختلف عن الأمس ... !



أمس ... كان كلامها كله رجاء ...

و اليوم ، كله اعتراض ... !



أنا ... تقبلت كل كلامها في كلا الحالتين ... و مصرة أني أعاملها كما تعامل أي
طبيبة أم وحدة من
المريضات ...و أنسى أنها كانت .. و لا تزال ... أكثر امرأة كرهتها بحياتي ...

اللي سرقت مني – و لو بدون قصد - ... حبيب عمري الوحيد ...



في نفس اليوم ، بعد كم ساعة جتني شوق المكتب ... و تناقشنا مرة ثانية عن
المريضة و العلاج ...



شوق ... كانت .. و لو بشكل غير مباشر ... تبي توصل لي رسالة محتواها :


( لا تخلي الأمور الشخصية تأثر على تصرفك كطبيبة ... )


أنا ... قلت بشكل مباشر ...


- تطمني يا شوق ... أنا في المستشفى طبيبة و بس ... و أتعامل فقط و فقط على هذا
الأساس ....



و على هذا الأساس ... بدأنا العلاج المكثف ... و اللي يتطلب شهور ... و شهور
...



في نفس اليوم ... بالليل ... جاني ولدي بدر ... و عطاني الفصوص الثلاث اللي
قلبت الغرفة فوق تحت أدور عليها...



- من وين جبتها ...؟؟؟

- آسف يمه شفتها بايدك و أنت نايمه و شلتها ...



أخذت الفصوص .. و رجعتهم بالصندوق ... و ولدي بدر يراقبني ...



- يمه ...

- نعم ؟

- إش هذه ؟



ما رديت عليه في البداية ... ، تالي قلت له ...



- تذكار من شخص عزيز ...

- من هو ؟




ما جاوبت ...



- سلطان ..... ؟ ؟




انتفضت ... و التفت له فجأة ... و أنا مذهولة ... و طالعت فيه ... أبي استشف من
نظراته أي شي
يكون عارفنه أو فاهمنه ...


- أي ... سلطان ... ؟

- ما أدري .... أنت قولي لي ؟

- بدر ... بدر من وين جبت الاسم ؟؟؟

-... أنت دايما ترددينه لما ... .... ....

- خلاص بدر ... ارجع دارك ...

- أنا آسف ....

- تصبح على خير ....



الولد كبر ... و صار يفهم ... الكوابيس اللي طاردتني طول ها لعمر صارت توحي له
بشي .... يا رب ...


...أبيه بس ... يتجاهل ها الموضوع ...




*
* *
*



ظلت بنت أخوي هبه بالمستشفى فترة طويلة ... بين تحسن و انتكاس ... و احنا ندري
أن العلاج يطول
و يبهذل ... و ما لنا إلا الصبر ...



أخوي سلطان أخذ أجازة طويلة ... تفرغ فيها لعلاج بنته ... اللي ما كان شاغل
باله شي غيرها ...

أما قمر ... فما أظنها صارت تعني له شي ... لأنه انشغل باللي أهم منها ...


علاقتي بقمر بدت تنتعش من جديد ... و بدينا نتقرب من بعضنا اكثر و أكثر ...

كصديقات و كزميلات عمل ... هذا الشي ريحني ....


منال أخيرا تأقلمت مع الوضع ... و صارت تتعامل مع قمر على و كأنها طبيبة تشوفها
لأول مرة ...
... كل شي سار بشكل طبيعي ...و مألوف ....



*
* *
*



فاجأتني قمر لما قالت لي قبل فترة أنها صارت تعالج بنت سلطانوه ، بمحض الصدفة
... !

أنا دورت على التعليق المناسب بس ما لقيت ...

ما قدرت أتخيل كيف الوضع ... بس الظاهر و الله أعلم أن الأمور تمشي بشكل معقول
... و الله يستر من الجاي ... !



صحيح الدنيا دوارة ...

ودي التقي بسلطانوه ... الزفت ... و أقول له :



- ( شفت يا سلطان ؟ هذه البنت اللي حطمت قلبها يوم من الأيام ... اللي ترملت
عشان تنقذ حياتك أنت ...

هذه هي الحين تعالج لك بنتك بعد ...! )



لو أنا مكانها كان رفضت استقبل الحالة و خله يروح يدور على طبيب غيري ...

ما ناقص إلا إني أعالج بنت الشخص اللي حطم لي قلبي ! الله يحطم قلبه و ينتقم
منه يا رب !



خاطري مرة ... مرة وحدة بس ... أشوفه و أتشمت فيه ... أبرد حرتي فيه من ذيك
السنين ..

عقب كل اللي سواه بصديقتي قمر ... ...


من زمان ... و أنا أتمنى ذي الأمنية الشريرة ...



و القدر ... أتاح لي الفرصة ... و حقق لي إياها ... من أوسع الأبواب !




*
* *
*





كل يوم ... أشوف سلطان ...

كل يوم أتكلم معه ...

كل يوم أسلم عليه ...


و اليوم ... آخر يوم من دورة العلاج المبدئية ... و الصغيرة رح تطلع للبيت
أخيرا ... كم أسبوع ، و ترجع لمتابعة العلاج بعدين ...


من بكرة ما رح أقدر أشوفه ... و لا أسمع صوته ...

قمر ... أكيد جنيت ِ؟ إش اللي جالسة تفكرين فيه ...؟؟؟ معقول ......؟؟


و الدكتور هيثم بيرد أول الأسبوع الجاي ... و رح أحول عليه الحالة ذي ... و
ابتعد عن سلطان ... و عن منال ... و عن الماضي و ذكرياته ...



ذا الإحساس قتلني ... كيف تكون عندي فرصة أي فرصة ... من أي نوع ؟... أني أشوفه
...و أفرط فيها ...؟؟؟


قطع علي حبل أفكاري المجنونة صوت الهاتف ، كانت سلمى تأكد علي عزومة العشاء
الليلة في بيتها ...


و في نفس الوقت ، جا سلطان يحمل بنته ، و معه زوجته يستفسروا عن آخر التعليمات
قبل ما يطلعوا من المستشفى رادين للبيت ....



البنت بعد شوي صارت تصيح و أخذتها أمها و طلعت بها تهديها ... و اللي ظل
بالمكتب ... أنا و سلطان ...



عطيته (كرت) موعد للمتابعة في عيادتي بعد كم يوم ... أخذ الورقة ... و شكرني و
سلم ... و راح طالع ...


أنا ...... نقلت نظري لشاشة الكمبيوتر اللي قدامي أتظاهر أني أسوي شي ، و في
الواقع كنت أراقبه و هو يمشي للباب ...



- قمره ....



وهو ماسك الباب ، قبل ما يطلع ... فجأة ... و دون سابق إنذار ... ناداني ...
قمره ...

قمره .. الاسم اللي كان دايما يناديني فيه ... بنبرة تختلف عن اللي كان قبل شوي
... يخاطبني بها ......


حوّلت أنظاري من شاشة الكمبيوتر إلى عيونه مباشرة .... و هناك ... تعلقت ...


ما قدرت أبعد عيني عن عينه ... أسرتني غصبا علي ...


و هو بعد ... ظل مركز في عيني ... لأول مرة ... من التقينا قبل كم أسبوع ...



مرة ثانية ... رن الهاتف و قطع علي لحظة العمر ...

و بعد كانت سلمى – الله يسامحها – تأكد علي أجيب بدر معي !

هذا وقته يا سلمى ؟؟؟


لما خلصت المكالمة كان هو ... اختفى ...

طالعت صوب الباب ... و استقرت عيني عند نفس الموضع اللي كانت عينه فيه قبل
ثواني ... وين راح ...
ليه راح ...

ارجع يا سلطان ....


كان يبي يقول شي ... متأكدة ... بس .... ....


رجعت البيت و أنا طايرة من الفرح ... كأني بنت مراهقة تنقال لها كلمة حب لأول
مرة ! ما ادري وش صار بي ... يمكن جنيت ...؟ إلا أكيد جنيت ...


كانت ليلة الخميس ، تعشينا أنا و ولدي بدر عند سلمى ... و بعد العشاء راح
الأولاد يلعبوا كورة بمكان قريب ... و جلسنا أنا و سلمى نسولف ...


كنت مبتهجة بشكل ملحوظ ... بس كتمت السر بصدري و إلا كان تقول عني سلمى ...
مجنونة من جد ....


طبعا جبنا سيرة بنت سلطان ... و عرفت مني سلمى تفاصيل أكثر عن الموضوع ، بس و
لا حاولت تثير شي من الماضي ....



و زي ما احنا كنا مبسوطين ، كانت عيلة سلطان بعد مبسوطة ...



*
* *
*


سوينا عشاء كبير ... و عزمنا خالتي أم منال و بناتها و أولادها ... بالإضافة
إلى عيلتنا احنا ... فصار البيت مليان ناس ... و كلنا كنا مبسوطين أن بنت أخوي
هبه طلعت من المستششفى بالسلامة ....


حالتها احسن بكثير من أول ما مرضت و أول ما أخذت العلاج المكثف ...

كلنا كنا فرحانين و أخوي أكثرنا ... أخيرا ارتاح ولو مؤقتا ... و الليلة بتنام
بنته بحضنه و عيونهم قريرة و متهنية ....


رديت البيت و أنا مرتاحة و صليت لله شكر ... و دعيته أنه يشفيها تماما من المرض
... و يريح بالي و بال أخوي المسكين ....


بعدها بكم يوم .... عرفت أن الدنيا كانت ... بس ... تضحك علينا ...


قبل ما يحين موعدها بالمستشفى ... بنت أخوي فجأة انتكست حالتها بشكل كبير ...

داهمتها نوبة تقيؤ حادة ... و شالها أبوها و راح طاير بها على المستشفى ...



كان الوقت نص الليل ... أنا ما دريت إلا يوم ثاني ... لما اتصل علي و قال لي
أنها بالعناية المركزة ....


يوم وصلت ... شفت البنت مسدوحة على السرير ... و أخوي يبكي ... و منال تنوح ...


و بعد شوي وصلت طبيبتها ، الدكتورة قمر ... و معها كانت ... سلمى .... و دكتور
ثاني ...


سلطان لما شاف قمر قام يقص لها وش صار ، و هو مو قادر يمنع دموعه من أنها تسيل
غصبا عنه ....


قمر جت تفحص على هبه ... و هي تحاول تكرر عبارات الطمأنة ... لكن من صوتها كان
واضح أنها
هي بنفسها مو متطمنة ...



قلوبنا كانت متعلقة بكل حركة تسويها و كل إشارة ... نبي نعرف ... بنتنا بخير ؟؟
وش صار لها ؟؟ و متى تصحى ...؟؟؟


قمر قالت موجهة خطابها لسلطان :


- هي نايمة من تأثير الأدوية بس تصحا رح تكون أفضل إن شاء الله ...

- إش صار لها ؟ و ليه ؟

- أنا شرحت لكم أن هذه أشياء ممكن تصير أي لحظة خلال فترة العلاج ...



تكلم الحين الدكتور الثاني :


- ياجماعة المريضة مستقرة الآن تفضلوا لو سمحتوا هذه غرفة العناية المكزة و ما
يصير نتجمع كلنا هنا ...


قال كذا و نقل أنظاره بيننا أنا ... و سلطان ... و منال ...

كان هدفه أن حنا نطلع من الغرفة و يظل هو و قمر يتناقشوا ....


ما أحد منا تحرك ... حتى سلمى ، و اللي جاية دون داعي ظلت واقفة بمكانها ... و
عينها كانت على اخوي سلطان ... كأنها ... كأنها ما صدقت تشوفه مكسور عشان تتشفى
فيه .... !


قمر بعدها تكلمت ...


- تفضلوا معي لو سمحتوا ...


منال ما تحركت شبر واحد ... ، سلطان ظل متررد ... و بعدين جا معنا أنا و قمر
... أما سلمى فانشغلت مع مريض ثاني ...


في مكتبها ... جلسنا أنا و أخوي المنهار ... مو قادر حتى يفتح فمه يقول شي ...

كان الدور الآن كله مرتكز على قمر ...


- ما فيها شي ... و ما رح يتكرر مرة ثانية إن شاء الله مع العلاج اللي رح نضيفه
لأدويتها ...

... و إن شاء الله بكرة تطلع من العناية المركزة ....


رفع أخوي عينه تجاهها متعلق بكلمتها الأخيرة ......


- بكرة تطلع من العانية ؟ صحيح ؟

- ...نعم ...

- وش فيها بنتي ؟ صار شي بمخها ؟



سأل أخوي سؤال يائس ...



- لا أبدا ... بعد الشر ...

- ليه صار لها كذا بالتالي ؟؟؟


قمر ما جاوبت ... القلق تفجر بقلب أخوي و قال ...



- أرجوك قمره ... إذا فيه شي علميني ...



جا صوت قمر مبحوح ... و هي تقول :


- ... ما فيه شي جديد ... لو فيه قلت لكم ... و ... و على كل ... من بكرة
الدكتور هيثم رح يتابع علاجها و تقدر تسأله عن كل شي ...


تفاجأت ... و أخوي بعد ... و طالعنا في بعض و تالي فيها ...



- الدكتور هيثم ؟؟

- هذا اللي كان معنا بغرفة العناية ... أنا حولت الحالة عليه و صار يعرف عنها
كل شي ...

- ليه ......؟؟؟ فيه شي .....؟؟؟

- لا ... لا ...



*
* *
*


كان بودي أصرخ ... لأني ما عدت قادرة أتحمل ... حرام عليكم ...

أشوف سلطان قدامي متحطم ... و أظل صامدة و جامدة ؟

تبوني أعالج بنته و هي عندها أخبث الأمراض و ألعنها ... و أشوفه كل يوم يتعذب
معها ...

ما اقدر ... ما أقدر ... ما أقدر ...


اللي اسعفني به لساني ذيك اللحظة كان ...


- لأني باخذ أجازة فترة ...


و كان جواب مقنع ...

سلطان ... قال ...


- توصوا فيها يا قمره أرجوك .. و إذا فيه أي علاج أفضل بأي مكان بالعالم قولوا
لنا عنه ...


مسكت اللي باقي من قلبي بصدري ... و قلت ...

- العلاج هنا أو بأي مكان هو نفسه ... ما يحتاج توصية ... هذا واجبنا ...

*
* *
*


بعدما طلع سلطان ... انهار القناع اللي كانت قمر مخبية شعورها الحقيقي خلفه ...

رمت راسها على طاولة المكتب و تنهدت ...

جيت لعندها ...


- قمر ؟؟؟


رفعت راسها و طالعتني ....


- فيه شي ما تبين تقولينه لنا ...؟؟

- إش أخبي ؟ أنت عارفة إش المرض ذا ...

- ليه حولتيها لدكتور ثاني ...؟؟؟

- لأني ... لأني ...

... لأني ما استحمل يا شوق ... ما استحمل ....



تأكدت من أن الدكتورة قمر هي قمر زمان ... و أن قلب الدكتورة قمر ... هو قلب
قمر زمان ...

و أن وجود سلطان و قمر في حياة بعضهم البعض ... رح يفتح جروح الماضي و يسبب
جروح جديدة ...

لازم الدكتور هيثم هو اللي يتولى العلاج ... و نسد أي باب ممكن يفتح علينا طرق
للورا ...


*
* *
*



يوم ثاني ... مريت على البنت بالعناية و شفت أوضاعها متحسنة ... و اقترحت على
الدكتور هيثم يطلعها من العناية ، و خلال الكم يوم اللي تلوا ... كنت أجي كل
يوم اتطمن عليها بنفسي ...

و اتطمن ... على ... سلطان ....

طلعت بنت سلطان من المستشفى بعد كم يوم ... و جتني في موعدها بالعيادة بعد ها
بفترة ، مع أبوها و أمها ...

كانت حالتها طيبة و طمنت أهلها عليها ...


سلطان فاجأني ... و قال أنه يبي يتابع عندي لأني بديت العلاج معها من البداية
...

وبس انا صرت .. أتابع الحالة من بعيد ... مع الدكتور هيثم ...


حالة البنت تحسنت كثير ... و آخر مرة جتني بالعيادة كانت مليانة حيوية و نشاط و
مرح .. و أبوها يراقبها
بكل سرور ... و أنا أراقبه هو ... بكل راحة ...


و مرت مدة ... و البنت بين انتكاس و تحسن ... و أهلها بين الرجاء و الخوف ...
بين الأمل و اليأس ...

... بين الحياة و الموت ...


أخذت أجازة كم يوم عشان زواج أخوي ثامر ... ريحت فيها و انبسطت ، بس ظل بالي
مشغول ... إلى حد ما ....


بعد العرس بكم ليلة ... زارتنا أم الدكتور هيثم و أخته ... يخطبوني لولدهم ...
!


طبعا بالنسبة لي كانت مفاجأة الموسم ، اللي ضحكت منها ضحك ما ضحكته من زمن ...
لكن أمي أخذت الموضوع بكل جدية ... و طلبت من أخوالي يسألون عليه !


أنا أصلا حاذفة هذا الموضوع من حياتي نهائيا ... ما أدري وش بلاه الدكتور هيثم
؟

عاد ما لقى غيري ؟ و بعدين وش فيها زوجته الأولى عشان يفكر يتزوج غيرها ؟؟


بصراحة تجاهلت الموضوع ، و رجعت للعمل و لا كأن شي صاير ....


اللي صدمني ، هو أن الخبر كان منتشر بالمستشفى ... و صار الكل يعرف أنه الدكتور
هيثم متقدم لي ...

وضع أزعجني بالمرة ... و صار التجاهل ما ينفع ...


تنومت هبه مرة ثانية عشان تبدأ المرحلة الثانية من العلاج ، و في هالمرة رافقها
أبوها ، الظاهر أن أمها
ما قدرت تاخذ أجازة من عملها ...


جينا نمر عليهم الصباح ، و شفت سلطان ... كان وجهه مستبشر خير و معنوياته
مرتفعة ... لأن بنته
كانت بحالة ممتازة ...


كل يوم أمر على البنت ..

كل يوم أشوف سلطان ... و أتكلم معه ...

كل يوم .. قلبي يتعلق به ... أكثر و أكثر ...

كل يوم أنا أنجن ... و أدري أني في خطأ كبير ... بس ... ما أقدر أبتعد ...


رغم أن الكلام اللي كان بيننا ... ما يتعدى كلام طبيبة و والد مريضة ... بس كنت
... أحس بانتعاش بقلبي ...
و أرتاح كل ما شفته و سمعته ...

أما الدكتور هيثم ، عاملته بشكل عادي جدا ... و هو بعد ما حاول يخرج عن النطاق
المألوف ...

يوم من الأيام ، رجعت البيت و شفت أمي تنتظرني ...
حاصرتني بموضوع الزواج و أنا رفضته نهائيا ... و طلبت منها تتصل عليهم و تبلغهم
الرد ...

و الظاهر أنها ما اقتنعت ، و بدل من كذا اتصلت على صديقتي سلمى و اقنعتها أنها
تتكلم معي ... و تحاول فيني ...


- فيه شيء مو بزين ؟

- لا يا سلمى مو رفضي للرجال نفسه ، إنما للزواج ذاته ...

- اعتقد يا قمر إنها فرصة ممتازة ... طبيب يشتغل معك ... و ما به شي ينعاب ...
رح تقضي حياتك بس ... بين العمل و ولدك بدر ؟
بكرة يكبر و يتزوج و ينشغل عنك و تصيري وحيدة ...


سلمى لفتت انتباهي لشي ... ما كنت أفكر فيه من قبل ...
أن بدر ... في يوم من الأيام رح يتزوج و يرتبط بانسانة غيري ... تصير عنده
الأهم ...

صحيح الكلام هذا تو الناس عليه ، و هو لسا بالمتوسطة ... لكن ....



سمحت لنفسي أنها تاخذ فرصة قصيرة للتفكير ... يمكن يكون كلامها صحيح ... ؟

****************

~ تتزوّجينني ؟ ~



الحلقة الخامسة عشر




* * * * * * * * * * *







[ تتزوجيني ؟؟ ]




كنت بالمستشفى ، في الصباح ... و كالعادة مرينا أنا و الدكتور هيثم و بقية
الفريق على مرضانا ...

و من ضمنهم ... هبه ...



الصغيرة تعودت علي و تعودت عليها ... و المرات اللي تكون فيها بصحة زينة تكون
في قمة المرح و خفة الدم ...


يوم جينا نطلع ... ناداني سلطان ...



- دكتورة لحظة لو سمحت ِ...


البقية طلعوا ... و رجعت أنا للداخل و سألته ...


- خير ؟؟



بدا لي متردد ... بس اتخذ القرار ، و سألني فجأة :


- صحيح ... بتتزوجين الدكتور هيثم ؟



تفاجأت ... ذهلت ... اندهشت بكل معني الكلمة ! ...



كان هذا آخر سؤال أتوقعه من سلطان ...


ما رديت ... فقال :


- الخبر صحيح إذن ؟

- ... كيف وصلك ؟

- مو مهم ...

- ليش تسأل ؟

- صحيح أو لا ؟ بس أبيك تقولين لي ؟

- ... نعم ... صحيح ....



قلتها ، ما ادري كيف ، و استأذنت و طلعت بسرعة ...


اللي قاهرني ... أن الخبر انتشر في المستشفى ما اعرف من أي مصدر ...و هو حتى
للآن بعده ما صار ....



لكن ... سلطان ... ليه سألني هذا السؤال ...؟؟؟





*
* *
*




جيت أزور بنت أخوي بدري اليوم ، ما شاء الله صحتها متحسنة كثير ... مع ذلك ...
استغربت للشروذ اللي مسيطر على أخوي سلطان ...



- بإيش تفكر ؟ أكيد بالشغل ؟

- لا ... أي شغل و أي بلوي ... يكفيني اللي أنا فيه ...


نبرته ما أعجبتني ، و سألته بقلق :


- خير أخوي ؟ هبه ... صار عليها شي جديد لا سمح الله ؟

- لا الحمد لله ... الحمد لله تطيب كل يوم افضل ...

- وش فيك أجل ؟ إذا مو هبه و لا الشركة ... وش شاغل بالك ........؟؟؟




من النظرة اللي طالعني بها ... عرفت ... أن ( قمر ) ... معنية بالموضوع !



- مو كانت الدكتورة تبي تحول هبه للدكتور هيثم ؟



سألته هذا السؤال و قصدي أجيب سيرتها بشكل ( غير مباشر ) ، و جبت الهدف !

قال :



- الدكتور هيثم هذا من وين أصله ؟ ما هو من ديرتنا ...

- و الله ما أدري ...

- هو متزوج و عنده عيال ...

- يمكن ... ما عندي أي فكرة !

- منفصل عن زوجته أو شي ؟؟



طالعته باستغراب ...

- و أنا إيش دراني ؟

و بعدين وش علينا منه ؟؟؟



تنهد أخوي ، و بعدين ... قال ... ببساطة ...

- يبي يتزوج قمره .....




وقفت بمكاني ... أحاول استوعب الموقف ... و عدت الجملة أتأكد من سمعي :


- يبي يتزوج قمره ؟؟ قمر ؟؟؟

- نعم ....



كنت مندهشة ... بس الموضوع في النهاية ... ما لنا أي دخل فيه ... قلت :


- طيب ! الله يهنيه بها !



و كأني رميت شرارة على برميل بنزين !


وقف أخوي سلطان فجأة ... و وجه احمر ... و عض على أسنانه و شد على إيده ...

و قال ...


- أكون مجنون لو ... تركتها تضيع من إيدي مرة ثانية ...


الجملة كانت ... خطيرة ... و خطيرة جدا ... بين التصديق و التكذيب قلت :


- سلطان ؟ وش تقصد ؟

- ما اتركها له أبد ....

- سلطان ! ! !

أنت ... وش تقول ؟؟؟ ... الظاهر يا أخوي مرض بنتك ... طير عقلك من جد !




في اللحظة ذي جت منال ... و أسرعت صوب بنتها تشيلها بحضنها بفرح و قرة عين ...

...و انقطع الموضوع عند ذي اللحظة ...



بس النظرة اللي كانت بعين أخوي ، أنذرتني بشي رهيب ...

الله يجيب العواقب سليمة !



*
* *
*



بعد المغرب ، كنت جالسة بغرفتي أتصفح مجلة ودي أشغل نفسي بأي شي ... يبعدني عن
التفكير بسؤال سلطان ... ، و دق علي ولدي بدر الباب ، و دخل ...



- هلا بدري ....


ولدي ظل واقف عند الباب متردد ... يدخل أو يطلع .... اللي خلاني استنتج أنه فيه
شي ...


- بدر ... تعال إيش فيك ؟؟؟


جا ولدي متردد و جلس جنبي ... و حسم أمره و قالها مباشرة :


- يمه أنت ِرح تتزوجين ؟




السؤال كان مصحوب باستياء ... ولدي و أعرفه زين ...


- من قال لك ؟

- أدري يمه ، حتى لو حاولتوا أنت ِو جدتي تخبوا عني ...


ابتسمت ، و قلت ...( خلني أختبر ردة فعله ) ! ...


- طيب بدري ... فرضا هذا صحيح ... أنت وش رايك ؟


طالعني بدر بنظرة غريبة ما عمري شفتها بعينه من قبل ... و قال ...


- رايي ممكن يغير شي ؟

- أكيد حبيبي ... ! وش رايك ؟

- إذا أنت تزوجت بتروحين عني ... يعني ... لا أب و لا أم بعد ؟؟





قطع قلبي بالكلمة اللي قالها ... شديته صوبي و ضميته لصدري ...


- يا بعد عمري يا وليدي ... بدر حبيبي أنا لا يمكن أروح عنك ... أنا أمك و أنا
أبوك و أنا كل اللي تبي ...

- إذا تزوجت ... بـ أروح أعيش بيت جدتي مع عميني ...

خالي راح ... و أنت بتروحين ... و أظل وحدي بالبيت ؟




الظاهر أن الولد ... مو بس عرف ... إلا و جلس يدبر و يفكر و يصرّف أموره
المستقبلية ...


- آه ! قول أنك تبيني أتزوج عشان تروح تعيش عندهم !؟


قلت له بمرح ، ورد على طول :


- لا ما أبيك تتزوجين ....


و استدرك ، و أضاف :


- إلا إذا أنت ِتبين كذا ...



ابتسمت و قلت له ...

- لا حبيبي ، أنا ما أبي أتزوج أصلا ... تطمنت ؟؟؟



و في نفس اليوم ، خليت أمي تتصل بهم و تعتذر ....


في اليوم التالي ... الدكتور هيثم و للمرة الأولى انتهز أول فرصة مناسبة و قال
لي فجأة :

- دكتورة قمر ... أتمنى تعيدي النظر في موضوعنا ...

ما رح أعتبره رد نهائي الحين ...




( و الله بلوة ! ناقصتنك أنا بعد !

بعدين ما انت متزوج و خالص ! وش تبي فيني ؟؟

وش شايف فيني ؟ ... على بالك أنا أقدر أشوفك !؟ عاميني العسل عن كل رجال الدنيا
إذا ما تدري ! )







لما جينا نمر على هبه ... جا الدكتور هيثم يداعبها شوي ... شالها بحضنه ...
ثواني و قامت تبكي ...

... و مدت إيدها صوبي فجيت و أخذتها من عنده أهدّيها ...



هي كانت متعودة علي ... و سكتت بحضني ...

سلطان كان يراقب ...

لما جيت أبي أحطها على سريرها جا هو يبي ياخذها من عندي ...

صار قدامي مباشرة ... يفصلني عنه بس هبه ...

مد إيده و أخذها ... و همس لي بصوت خافت :



- قمرة أبي أتكلم معك ...



عطيته البنت ... و ابتعدت للورا .... أو بالأحرى ( انتفضت ) للورا ...


معقولة ... ما زال نفس الإحساس اللي كنت أحس به قبل 13 سنة ... ما زال عايش
بداخلي ... ؟؟؟


لحظتها الزمن رجع للورا ... عمر طويل ...

كأني أشوفه مثل ما كنت أشوفه قبل 13 سنة ...

معقول ... أنه ما زال لوجوده ... في الحيز حواليني ... نفس التأثير .... ؟؟؟




- يالله يا دكتورة قمر ... ودّي نراجع مع بعض الملف من أول ...



كان الدكتور هيثم هو اللي تكلم ... و طلعنا من الغرفة و سلطان ... يشيعنا
بنظراته ....




أعدنا أنا و الدكتور هيثم مراجعة ملف هبه الطبي و سوّينا بعض التعديلات في خطة
العلاج ...

كنا موجودين عند مقر الممرضات ... و كان باب غرفة هبة مفتوح ... و أقدر أشوف
سلطان كل شوي يطل من الباب ...


بعد ما خلصنا رجعت مكتبي ... و شوي ... و رن الهاتف ...


- نعم ؟

- أهلا ... قمره ...



تفاجأت ... بلعت ريقي ... كان سلطان ...


- أهلا ...

رديت باستغراب ... ، و قال :


- عسى مو بمشغولة ؟

- لا ... تفضل ؟ بغيت شي .....؟؟؟

- ممكن أجي مكتبك ؟

- خير ؟ فيه شي ؟

- أبي أكلمك بشي خاص ...



تسارعت دقات قلبي ... وش يبي مني سلطان ... على الصعيد الخاص ... ؟؟؟



- في الواقع ... ما تقدر تجي مكتبي وحدك ...

- بس هذا ... موضوع خاص جدا ...


زادت سرعة نبضات قلبي ... و سيطر علي الفضول ...


- قول ... خير ... ؟؟؟

- ما ينفع كذا ....

- زين ... بأحاول أمر على هبه بعد شوي ...



كنت خايفة ... و صابني توتر شديد ... وش يبي سلطان مني ؟؟؟



و اللي صار أني انشغلت ... و لا قدرت أمر عليها لين جا وقت الزيارة ...

لما رحت ... كانت شوق و منال موجودين ... و مروري صار ( للتحية ) لا أكثر ...




أول ما وصلت ... شفت مشهد هدني ...


كان سلطان جالس مع منال على السرير جنبا لجنب .. وبين إيديهم كانت الصغيرة هبه
يلاعبوها
و يضحكوا بسعادة ...


مشهد طبيعي ... أم وأب و طفلتهم ... إيش اللي خلاني اتأثر ...؟؟


ضحكات سلطان كانت توصل قلبي قبل إذني ... و منال مرة تمسك بإيد بنتها و مرة
بإيده ...
كانوا مبسوطين لدرجة أنهم ما انتبهوا لي مباشرة ...


شوق كانت أول من شافني و قامت تسلم علي ...

طبعا منال ما قامت من مكانها بس ردت التحية من بعيد ... أما سلطان ...

الظاهر أنه نسى الموضوع اللي كان ... يبي يكلمني فيه ......



*
* *
*




ظلت منال مع بنتها ، و طلعنا أنا و أخوي بنرد البيت مع نهاية وقت الزيارة ...

كنت أبي أرجع بيتي بس أخوي أخذني معه لبيته يقول فيه موضوع يبيني فيه ...




- وش رايك لو ترتاح أنت اليوم ... نام لك شوي ... و نأجل الموضوع لبكرة ؟


قلت له لما شفته يمدد ذراعه و يسترخي على الكنبة ، و شكله مجهد ... لكن رد علي:


- لا يا شوق ... أبـ أدخل بالموضوع على طول ...

- خير ؟

- أبي ... أتزوج قمره ....







طبعا .. ما فيه داعي أشرح لكم كيف كان وقع الجملة علي ... اللي قدرت أطلع به من
المفاجأة هي ضحكة طويلة ... غصبا علي ...

ضحكت لين عبس وجه أخوي وقال :



- شوق أنا جاد ... أبيك تعرفي رايها ....



طالعت به الحين بنظرة جدية ...


- سلطان ... رح نم ...! ... أنت تعبان كثير ... و محتاج أسبوع نوم ...

- شوق

- و ما يحتاج توصّلني ... باتصل على ياسر يجيني ...



بالفعل رفعت سماعة الهاتف و اتصلت على زوجي ...



أخوي ظل جالس بمكانه بنفس الوضع ... ما قال شي ...

لما جيت بـ اطلع وقفت عند الباب ... و التفت له و طالعته بتأمل ...

ما كان يطالع فيني ... كان شارذ التفكير ... سارح النظرات ...



قلت :


- مع السلامة ...

- مع السلامة ....



قالها ببساطة و شرود ... قلقت من ردة فعله ذي ... سألته :


- سلطان إش تفكر فيه ؟ أنت مدرك وش قاعد تقول ؟


طالعني بتركيز ... و قال بمرارة ...


- ودي أرتاح ....

أنا ما صدقت أنها رجعت ... يجي ياخذها ببساطة ؟؟


- و أنت على بالك أنها ... ممكن تفكر فيك ؟ ممكن تقبل بك ؟ بعد كل اللي صار ...
؟؟؟

اصحا يا سلطان ! و إلا أقول ... لا ... نام ! رح نام عشان تنعش عقلك اللي انجن
...




سمعت ( هرن ) سيارة ياسر ... و استأذنت و طلعت .




*
* *
*




النوم ضل طريقه لعيني هذه الليلة ...

سلطان كان شاغل تفكيري ...

و صورته و هو جنب منال ... و إيدها بإيده ... يضحكوا سوى ... ما فارقت عيني
لحظة وحدة ...

ليه ؟

هل ... للآن ... بعدني ... ؟؟؟

بغيت أواجه نفسي ... أنا ... رجعت مثل أول ... حب سلطان استيقظ بقلبي بعد نومه
طويلة ...

ما لازم أسمح ... لنفسي أنجرف أكثر ...

لازم أوقف عند هذا الحد ... لازم أنسى أني ... إمرأة ... و إن اللي ينبض بداخلي
.. هو قلب ...

... و مو مثل ... أي قلب ...



من بكرة ... رح أنسحب ... و أترك علاج هبه على الدكتور هيثم ... كليا ...

الدكتور هيثم ... عنده العلاج ... و عنده الحل ...




و جا بكرة ...

و سويت اللي ببالي ... بس ... بغيت أمر أسلم على هبه ... بالأحرى ... على أبو
هبه ... مجرد سلام ... قبل الرحيل ..

و تفاجأت بأن منال هي اللي كانت مرافقة بنتها ... و كرهت الحظ اللي ما خلاني
أشوفه للمرة الأخيرة ...

و كرهتها هي بعد أكثر ...

و صورة إيدها اللي بيد سلطان ما زالت ملازمتني ...

أدري أنه مالي أي حق في هذا الشعور ... زوج و زوجته ، رجل و امرأته ... أنا وش
دخلني بينهم ؟؟ لكن ...

غصبا علي ...

اعذروني ....





*
* *
*





مر يومين ... ما شفت فيهم سلطان ... حسيت نفسي مضيعة شي ... فاقدة شي ...
ناقصني شي ...


يوم ثالث ، أنا جالسة بمكتبي ... جتني مكالمة من سلطان ...

قال أنه ملاحظ شي بجلد هبه و يبيني أفحص عليها ...

عرفت بكذا أنه جا المستشفى بدل منال ... ( كانوا يتناوبوا في مرافقة بنتهم ) و
كنت أبى أقول له

يبلغ الدكتور هيثم ، و اللي هو المسؤول الوحيد عنه هبة الحين ، بس خفت يحسبني
من سلمت ملف البنت لغيري ما عدت مهتمة بالطفلة ...



رحت لغرفة هبه ... كنت ... مشتاقة أشوفهم هم الإثنين ....

لما وصلت ... شفت البنت نايمة ... سلمت و سألت :



- خير ؟

- طفح خفيف بالجلد بس ودي تتأكدوا أنه مو بشي كبير ...


و أشّر لي على بقعة صغيرة في ساق البنت ، ما لها أهمية ...


- تطمن ... ما هو بشي ...

- الحمد لله ...



يوم جيت أبى أطلع قال :


- وينك ما جيتي مع الفريق اليوم ؟

- ... ما جا الدكتور هيثم ؟ هو اللي مسؤول عن هبه الحين ...

- و أنت ِ؟

- أنا ... أنا بامر اتطمن عليها من وقت لوقت ...

- و أنا ؟



طالعت بسلطان ... فجأة ... على كلمة ( و أنا ... ) ... و أضاف :


- ما تبي تطمني علي ...؟


هم شعورين بغوا يذبحوني لحظتها ....

الخوف من أنه يقصد إنه هو ( سلطان ) به شي أنا ما أعرف عنه ، و يبيني اتطمن
عليه ...

أو أنه يقصد ... إني اسأل عنه ... عن ( العسل ) ...




قلت و الكلمة واقفة بحلقي :


- خير ...؟ ... فيه شي لا سمح الله ؟

- لا ، الحمد لله ...


هو يقصد إذن ... إنه يبيني أسأل عنه ... ؟ ... سلطان يبيني أسأل عنه ...؟


تحركت صوب الباب و أنا أقول :


- دام كذا ، و اثنينكم بخير و الحمد لله ... يالله استأذن ....


عطيته ظهري و جيت باطلع بس استوقفني ...


- قمره ...



تجمدت مكاني ... و ببطء ... رديت التفت عليه ... بخوف ... بتردد ... وجت عيني
بعينه ... و آه من عينه ...

صهرت كل الجليد اللي أجبرته يلف حواليني مثل الحصن ، و غلت الماء اللي سال منه
، و بخرته ، و حرقت البخار بعد !




- ... نعم ... ؟

- ... تتزوجيني ...؟




الكلمة ... ثقبت الطبلة و اخترقتها ... دوت بالراس ... هزت القلب ... زلزلت
الجسد ... كهربت الأعصاب ...


ما اقدر ... أوصف لكم ... أنا كنت هناك أو لا ؟ ما أدري ...


بس شفت نفسي جالسة على الكرسي قدام مكتبي ... و كل شي فيني يهتز ... من أطراف
أصابعي ... إلى

رموش عيوني ... إلى دموعها ....

كيف وصلت ؟ متى وصلت ؟ إيش صار بعد ؟

ما أدري !



*
* *
*



























أنا بالي ما كان ما ارتاح ... من يوم قال لي أخوي أنه يبي يتزوج قمر ...

انتوا تابعتوا الأحداث اللي صارت .. و عارفين كل شي ....



الشي اللي ما تعرفوه ... أنه قبل السنوات اللي راحت ... و بعد الفاجعة المشؤومة
... أخوي سلطان ...

... عقب ما استقرت الأمور معه شوي ... قال أنه يبي يتزوج قمر ....

اللي صار أنها سافرت مع أخوها و ولدها و غابوا كل هذه السنين ...



منال في ذيك الفترة كانت تقول : ( خله يسوي اللي يبي بس يرتاح ... )

لكن الموضوع ما طلع من بيننا احنا الأربع ...

أنا و سلطان ... و منال و ياسر .



*

*



كلمني أخوي ... وقال لي شي ما قدرت أصدقه ....

قال لي أنه عرض الزواج على قمر بنفسه في المستشفى ... اليوم الظهر ... !

و طلب مني مرة ثانية أني أكلمها و أشوف رأيها .

تهاوشت معه ... و قلت له كم كلمة قاسية .. و ختمت بأني ما لي دخل و لا أبي
أتورط في ذا الموضوع أبدا ....


بعدها بليلة اتصلت منال علي و هي في حالة سيئة ... تقول لي أن سلطان قال لها
أنه يبي يتزوج الدكتورة قمر ... و أنه رايح يخطبها بنفسه من أهلها ....



راجعت نفسي و صار لازم على أتدخل ... سلطان بلا تفكير ...و لا عقل ... و يمكن
مرض هبه هو اللي مأثر عليه ... يبي يهدم بيته !




*
* *
*


و أنا مشغول في تجديد صبغ ( عشة الطيور ) في الحديقة ، و صاير مبهذل شوي ... جا
رجال غريب
يسأل عن جدي ( أبو ثامر )



الرجال كان متهندم و كاشخ ... و شكله شخصية مهمة !


أول ما شافني الرجّال صار يطالع فيني بنظرة تفحّص !

و فاجأني لما قال :


( أنت بدر بسام ؟ )


و رد يدقق فيني لدرجة أني حسّيت بشوية خجل ... خصوصا بحالتي ذي ، و صار هو
يعتذر عن
الجيّة دون موعد ... و دخلته المجلس و ناديت جدّي ....




المقابلة كانت مصحوبة بنظرات الدهشة الكبيرة من جدي ... و الارتباك من الرجال
الغريب ...

بس الظاهر أنهم معارف قدامى و ما التقوا من زمن ...!



خليتهم و رحت أستحم و أبدّل ملابسي ...


ما طوّلت ... كلها نص ساعة و لما رجعت المجلس شفته فاضي !


رحت أدور على جدي و أنا مستغرب وين راح الضيف ؟

سمعت صوت جدّي جاي من جهة المطبخ .... كان يكلم جدّتي ... و رحت أبي أعرف إيش
السالفة ؟

قبل ما أوصل أو أحد ينتبه لي ... سمعت جملة قالها جدي و وقفت بمكاني ....


( جاي يخطب قمر )




تراجعت ... انسحبت من المكان ... ما عجبني اللي سمعته ...

أمي قالت لي أنها ما رح تتزوج ... ليه ردوا جوا يخطبوها ...؟؟؟




*
* *
*




- و الله ما أدري وش أقول لك يا بو نواف ... أنت أمورك كلها ملخبطة و مالي شغل
فيها .


هذا هو ردّي على سلطان لمّا قال لي أنه طلب يد الدكتورة قمر ...



سلطان أعرفه من سنين ... عمري كله عشته معه ... و ولو حاولت أقنع فيه لين أموت
ما رح يغير رايه ...

أنا قلت لشوق أخوك بدأ يفقد عقله ... و تصرفاته لا في البيت و لا في الشركة -
قبل ما يهجرها أواخر الأيام- ... كانت طبيعية .


- ياسر ... تتوقع تقبل ؟


سالني ببساطة ... يمكن يستهين بي ؟ قلت له :


- وين تلقى عريس أفضل منك ؟ متزوج و عنده ولد و بنت ... و ثروة ...

كان موجود قدامها و كانت موجودة قدامه من سنين ... تو الناس ؟




- أعرفك تستهزىء يا ياسر ...

بس لو داخلك اللي داخلي كان سويت مثلي ....




- توّك تكتشف اللي داخلك ... وينه من سين ؟ ؟



تجاهلني ... و طلع السبحة الفضية من جيبه ... و قال ، يكلم روحه بصوت عالي :


- لازم تكتمل ... و يلتم الشمل ....



سألته :


- سلطان .... أنت ... تحبها ... و إلا حاس بواجب تجاهها لازم تأديه ؟؟

سألت نفسك هذا السؤال ؟



رغم أني كنت أعرف ... أنه يحبها من سنين ... و بعدني أذكر كيف كان شكله ... لما
عرف
أنها انخطبت أول مرة ... في ذاك الزمن .... يوم جت تبلغه بنفسها ، و هو ( صرفها
)...



شيئين تمنيتهم لسلطان ... و يا ما دعيت الله أنه يحققهم له ...
يشفي له بنته ... و يشفي له قلبه ...


و نشوف ... أي من الأمنيتين ... يكتب لها الله أنها تتحقق ؟؟؟



*
* *
*




أنا ما استعدت أفكاري المتشتتة ... و لا لملمت مشاعري المضطربة المتبعثرة في كل
صوب ...

... من يوم ما سلطان قال لي : ( تتزوجيني ... ؟ )



إلى الآن ... أعيش بحالة شبه وعي ... شبه إدراك ... كأنه حلم ... حلم أخاف أصحا
منه بأي لحظة ....


معقول ... سلطان بعد كل ذا العمر ...معقول أنه ... يفكر يتزوجني ؟؟


معقول ... الشي اللي ياما و ياما و يا بعد ياما حلمت به و أنا بنت صغيرة
بالجامعة ... الحين ... جت الفرصة أنه يتحقق بعد 15 من عرفت سلطان .... ؟



يومين ، الخميس و الجمعة ، ما شفته ... و كنت أنتظر يوم السبت بفارغ الصبر ...

أبي بس أتأكد ... صحيح اللي قاله و سمعته ؟ و إلا من زود حلمي بها الشي تخيلته
؟

صحيح أن اللي بذيك الغرفة ... هو سلطان ...؟؟ و إلا من زود تمني أني أشوفه
توهمته ؟




ليلة السبت ، كلمتني أمّي ... و قالت لي أن سلطان جا خطبني من أبوي البارحة !


و أمي تكلمني ... و أنا عيني معلقة بعينها ... أبي أقرأ كل ردود فعلها ... أبي
أتأكد ... أنا أحلم و إلا صحيح ...؟؟؟


الماضي ما جابت له سيرة أبدا ... عرضت الموضوع بنفس الطريقة اللي عرضت بها
موضوع الدكتور
هيثم ... كأننا نعرف سلطان تونا ...



بغيت أعرف رأيها ... و رأي أبوي ... أذكر كلمتها بالحرف الواحد ، قالت :


- إحنا نبي لك السعادة و الستر ... الله يوفقك .


الانطباع ... اللي تركته بنفسي أنها ... وأبوي ما عندهم أي اعتراض ...


أنا ... شوي و أطير ...

أنا طايرة أصلا من زمان ...

بس ... أشوفك بكرة يا سلطان ...

و أتيقن أنه مو حلم ...

هذه الحقيقة ...


أنا قمر ... بعد 15 سنة من عذاب الحب و الحرمان ... بـ أحظى أخيرا ... بسلطان
... زوج لي ...

سلطان ... لي ...

حبيبي ... لي ...

اللــــه ....






و لا غمضت لي عين ... و جا الصباح ، و طرت للمستشفى ، ما أشوف شي قدامي ...

ما أعرف أحد قدامي ... أبي المسافة تقصر بسرعة ... الأرض تنطوي ... و الزمن يمر
...

و أجي لغرفة هبة ... و أشوف سلطان ... ينتظرني ...





أشوف عينه اللي انحرمت من شوفتها سنين ...

و اسمعه و هو يقول لي ... قمره ...



غصبا علي ... الدموع أمطرت من عيني و جلست أبكي بعمق ... و أنا بالمكتب ، قبل
ما أطلع أشوف هبه ...


لا يا فمر مو وقته ... !

شيلي الدموع و حطّي مكانها أوسع ابتسامة ... أكبر بهجة ... أعمق فرحة ... مو
هذا الحلم اللي يا طول ما انتظرتيه ؟؟؟ يالله ... سلطان ينتظر .......

حلمك ينتظر ...

ورا هذا الباب ...

... الباب يقترب ...


كان مسكّر ، مسكت المقبض و أنا أرتجف و أنفاسي تدخل و تطلع من فمي بدون نظام
... و حلقي جاف و ما لي ريق أبلعه ... و رجلي تترنح بي من الربكة ...



دقيت على خفيف... و فتحت الباب ...






لو أني شايفة شبح ... جني ... وحش ... أي شي ... كان أهون علي ... و لا أني
أشوف منال جالسة مع بنتها ...

و سلطان مو موجود .





كل أبواب البهجة اللي كانت مفتوحة لي تقفلت فجأة بوجهي ... و ظل باب الغرفة هو
اللي مفتوح ....



حتى لساني ما قدر ينطق ....


طالعت فيها و كأني أطالع ... في شبح مرعب ... شي يخوفني و أكرهه ... شي أبيه
يختفي من عالم الوجود ...


أما النظرات اللي هي طالعتني بها ... فأخلي عليكم أنتم ... تصورها ....





- خير ؟ بغيتِ شي ...؟؟



كانت هذه هي جملتها ، و اللي قالتها بحدة و بأسلوب تهديد ... و اللي عنت منها :

( يا متطفلة اطلعي برى أحسن لك ... )


- بـ ... بغيت ... اتطمن على البنت ...

- ما بها شي ، شافها الدكتور هيثم .



تراجعت خطوة للورا ... بعدها خطوة ثانية ... لازم أنسحب في الحال ... يا رجلي
شيليني أرجوك ...

يا ليتني طحت بحفرة و تكسرت قبل أوصل لهذا الباب ...



ما عرفت أقول أي شي ...

مسكت الباب ... و جيت أصكه ببطء ... مو لأني أبي أطيل التفرج على الشبح المخيف
... و التأمل بنظراته المهددة ... لكن ...

قوتي اللي انهارت لحظة ما شفتها ، ما سمحت لي بسرعة أكثر من كذا ...




- لحظة يا ... دكتورة قمر ....



الحين ... وصلت لنقطة الهلاك ....

وقفت بنص الطريق ... نصفي داخل الغرفة و نصفي برى ... انتظر نزول الكلمات
السامة على قلبي ...



منال تقربت مني عشان تتأكد أن كلامها يوصلني و ما يتبعثر يمين و شمال ...


كانت النظرات اللي بعينها كلها تهديد و توعد ...



- ابعدي عن زوجي ... اللي فينا كافينا ...




هذه هي الصفعة اللي وجهتها لقلبي الحالم ، قبل ما تصفع الباب بوجهي و هي تدفني
برى الغرفة ...

و برى حياتهم ... و برى قلب سلطان ... و برى الدنيا كلها ....




*
* *
*



لما طلعت أمي الصباح ... كانت مبسوطة و مبتهجة كثير ... !

الحين لما ردت العصر ... ضايقة الصدر ... و كأن هموم الدنيا كلها على راسها ...


حاولت أعرف منها شي ، بس خلتني و راحت غرفتها .


رحت لجدتي ، وقلت لها فجأة :


- الرجال اللي زارنا هو الدكتور اللي خطب أمي من قبل أسبوعين ؟



طبعا جدتي استغربت ، واصلت :



- بس أنتِ مو اتصلتِ عليهم و قلتِ أنها مو موافقة ؟ ليه رد جا ؟

- بدر ! أولا ذا واحد غيره و ثانيا لا تدخل نفسك بذي الأمور ...



قلت معترض :


- أمي قالت لي أنها ما رح تتزوج ... و أكيد رح ترفضه مثل الأول ...

- بس هي موافقة ...



تفاجات ...



- أمي موافقة ؟

- نعم ، ما قالت بالصريح ، بس أكيد موافقة ....


*********************



من مواضيعي :
  #5  
قديم 23/12/2006, 11:25 PM
صورة لـ زهرة الخزامى
زهرة الخزامى
ودود
 
رد: فجعت قلبي

*********************


~ القمر يقولك : الوداع ~



الحلقة السادسة عشر




* * * * * * * * * * *





قالت لي جدتي أن أمي قابلة تتزوج العريس الجديد اللي خطبها قبل يومين ...



أنا الموضوع ذا شغل بالي ... و بغيت أسأل أمي و أتأكد منها بس لأنها توها رادة
من العمل و شكلها
متضايقة ... قلت أسألها بعدين .





خالي جانا ذاك اليوم ... و صاروا ثلاثتهم ، جدي و جدتي و خالي ثامر ...
يتناقشوا ( بموضوع سري ) بالمجلس و أنا مبعديني عنهم ...





أدري أنهم يتكلموا عن العريس الجديد ... كان ودي أجلس معهم ... هذه أمي أنا أو
أمهم هم ؟؟؟

و بعدين من الأهم عندها ... أنا أو هم ؟؟






من التعابير اللي كانت على وجيههم ، بين لي رضاهم ... أو كذا تخيلت ...





انا انقهرت ... لما شفتهم مطلعيني برى الموضوع و هامليني ... و طلعت من البيت
غضبان و
رحت بيت جدتي أم أبوي ....




كان واضح علي الضيق ، سألوني كلهم عن السبب ، و ما ترددت كثير لين قلت لهم أنه
في رجال اسمه بو نوّاف جا خطب أمي و الظاهر انها هي و البقية موافقين عليه .


ماجد و رائد بس سمعوا اسم بو نوّاف تفاجأوا ، و صاروا يسألوني و يحققون معي ، و
أنا أسلأهم و أحقق معهم ... لين عرفت أشياء خطيرة ... صدمتني و طيّرت لي مخي
....






ما أدري وش اللي صار عند أمي لين رديت البيت و أنا مقهور أكثر و أكثر ... من
اللي عرفته ....





*
* *
*





تعبانة و مو قادرة حتى أرفع راسي ... الدنيا كلها تدور من حولي ...

أسمع صوت طرق على الباب بس ما ودي أقوم أفتحه ، و لا فيني قوة عشان أقوم ...





الساعة يمكن كانت تسع بالليل ... من رديت من العمل و أنا على فراشي ...

أبكي ... بحرقة وألم ... بحسرة و ندم ... بكاء اليائسين من الدنيا ...

جفوني تورمت و ما عدت قادرة أفتحها ....





طرق الباب زاد ... أرغمني علي فتح عيني شوي ... كأني إذا فتحتها باشوف من عند
الباب ...

و إيش يبي ...






- قمر لسه نايمة ؟





كان صوت الوالدة ....





لو كانت أي أحد ثاني تجاهلته ... بس رديت على أمي ...




- خير يمه ؟

- ودي أتكلم معك !





جبرت نفسي أقوم ... و فتحت الباب و أنا أواري نظراتي بعيد عنها ... بس ما أسرع
ما انتبهت لها ...

و كان اول ما قالت :





-... خير ؟ ... كنت تبكين ؟



جيت و جلست على السرير ... و أنا منتهية ... شبه كائن حي به روح ....


ما كنت أبي أمي تسألني أي شي أو تقول أي كلمة .... بس هي ... جابتها مباشرة ...




- موضوع بو نوّاف ؟




رفعت نظري لها ... جت عيني بعينها لأول مرة من فتحت الباب ... و سالت دمعتي
المحبوسة ...

يا ترى كم بقى بعد غيرها ؟

ما خلّصت ها الدموع ؟





أمي جت جلست جنبي .. و مسكت إيدي ... و ظلت ساكتة ...

قلت ... بعد تنهيدة قوية ...



- ما أبيه ...




لساني ... غصبا عليه طلع الكلمة ... ما أعرف من فين جاب القوة اللي بها نطق
بالكلمة ... كأنها سم ...

كأنها خنجر ... كأنها الموت ... هي الموت ... هي الموت ...

أنا ما أبي سلطان ؟

أنا ...

أنا كل ذرة من جسمي تتمناه و تبيه ... و لو تفحصون أي خلية مني تلقون العسل
داخل النواه ...

أنا روحي و جسمين مليانين من سلطان حد التشبع ... حد الفيضان .... حد الطوفان
...

أقول ( ما أبيه ) ؟؟







- خير يا قمر ... إن شاء الله خير ... أي شي تبينه يصير ... المهم راحتك ...





حطيت راسي على كتف أمي ... و بكيت ...

ودي أرتاح ... خلوني أرتاح ...





منال دفتني برى الغرفة ... كأني أشوفها مثل أول مرة شفتها فيها قبل 13 سنة ...
يوم كانت عند الباب ...

منال حطمتني مثل ما حطمتني قبل 13 سنة ...

هالمرة سلطان يبي يتزوجني ... و أنا أرفضه ...

أنا سلطان يجي لعندي ... و أرفضه ؟؟

معقول ؟؟؟ إنتوا تصدقوا ؟؟

بعد كل هالحب و الشوق ...

و سنين العذاب و الفراق ...

و الأحلام ... و الحسرة ...

يجيني لعندي و أرفضه ؟

يا ليتني مت مع بسام ذك اليوم ...

يا ليتني أموت هذه اللحظة ، و لا أعيش أتمناه و أرفضه ... أبيه و لا أقدر آخذه
... أحبه و لا أرضى أتزوجه ...

إش بيصير فيني بكرة ...؟؟

لسه باقي لي بكرة ؟ خلاص ... أبي أنتهي ... ما أبي أعيش لحظة وحدة زود ، و أذكر
فيها أن حبيبي كان جاي لحد عند قلبي ... و أنا اللي طردته ....

أنا ما ظليت عايشة بهاالدنيا إلا لأن بدر اضطرني إني أعيش ...

أنا روحي طلعت ... يوم شفت سلطان يغرق بالبحر ذاك اليوم ... و ردت لي ... يوم
رجع ظهر بحياتي ...





يمه أنا أبيه !

تفهمي دموعي ؟

تشوفي الحقيقة الصارخة من نظراتي ؟

آه يا يمه ...

ما اقدر ابتعد ... و لا أقدر أقترب ...

يمه أنا انتهيت ... انتهيت ...

انتهيت ...













بعد شوي ، يوم جت أمي تبي تطلع من الغرفة ... وصل ولدي بدر ...

أنا كنت تايهة و شارذة بعيد ....




وصلني صوته و هو يكلمني :



- يمه ، صحيح أنك تبين تتزوجين بو نواف ؟؟



كأن الجملة خلتني أصحصح فجأة بعد سبات عميق ...



طالعت أمي ببدر و قالت له بصوت حاد :


- بدر و بعدين معك ؟ مو قلت لك لا تتدخل ؟ يالله رح غرفتك ...



الولد كاني طالع فيني بنظرة قوية ... كلها غضب ... كلها استنكار ... كلها لوم
...



- يمه بو نواف هو نفسه سلطان ؟





ارتجفت ... كأنها حقيقة توني أكتشفها ! بو نواف هو سلطان أكيد ! هو العسل ...

ودي أوصف لكم ملامح وجه ولدي بس ... خاينني التعبير ....





- بدر ؟؟؟



صرخت عليه أمي ، بس الولد و لا انتبه لها ... و ظل يحدق فيني أنا ...




- عمي قال لي على كل شي ...

هذا هو سلطان اللي تركت ِأبوي يغرق عشان تنقذينه ؟

الحين تبين تتزوجينه ؟

أصير أنا يتيم و أنت تتزوجينه ؟




- ... بدر ! ! !





كانت الكلمة الوحيدة اللي قدرت أنطق بها هذه اللحظة ....




بعدها انهرت في بكاء قوي ... طلعت فيها كل الآهات المكتومة بصدري ...

ألف آه و آه ...

تلف العالم ...

و تزلزل الكون ...

و تدوي السماء ...







منال ...


أنا أكرهك ...


أكرهك ....


أكرهك ....









*
* *
*




أنا وقفة وسط قارب بقلب البحر ....

سلطان واقف معي ... تفصلني عنه خطوات ...

الأمواج ترتفع و تنخفض بقوة ...

بسام جا مع الأمواج ...

بسام يصرخ : ( قمر انزلي ... )

القارب يتأرجح ...

الماء يتسرب داخل القارب من كل مكان ....

القارب يغرق ... يغرق ... يغرق ...

سلطان واقف بمكانه ...

أنا أمد يدي أنادي : ( سلطان تعال معي ... )

موجة كبيرة ... كبيرة ... كبر الدنيا .... ابتلعتنا بالقارب ....

في قلب البحر ... وسط التيارات المتضاربة ... أشوف سلطان يغرق ...

يحاول يتشبث ببقايا القارب ...

و يغرق ...

يغرق ...

يغرق ...

صرخت ...


لا ...

لا ...

لا ...





كأني مسكته ؟ أحس شي بيدي ...

هذه أكيد يد سلطان ...

أحس بذراع تحيطني ... معقولة ذي ذراع سلطان ... ؟

كأنه فيه حضن ضمني ... هذا حضن سلطان ... ؟؟

سلطان أنت حي ؟؟

سلطان حبيبي لا تموت ...

لا تموت سلطان أرجوك

لا يا سلطان لا ...

لا ...





ما عاد أذكر شي ...





*
* *
*





أنا ما كنت نايم .. ما جاني النوم بعد موضوع بو نواف هذا ...



ظليت أفكر و أفكر ... كان ودي أتكلم مع أمي بس جدتي ( طردتني ) من غرفة الوالدة
لما شافتها منهارة ...

أمي كانت منهارة ...

أنا مو متطمن ...





ظليت أفكر و أقلب الحقائق اللي عرفتها براسي طول الليل ... لين فجأة سمعت صرخة
( لا )

هذه أمي !






أنا كنت أول واحد يوصل لأن غرفتي هي اقرب غرفة لغرفة الوالدة


بعدها جت جدتي ...

و بعدها جدي ...


كانت أمي تصرخ و ترتجف في حالة من الذعر الشديد ، اللي يصيبها من وقت لوقت بنص
الليل ...


و كانت تردد : ( سلطان لا تموت ) ، و العرق يتصبب منها مثل الشلال ... و بإيدها
ماسكة ثلاث فصوص فضية تشد عليها بقوة ... الفصوص نفسها اللي تذكرون !



جيت و حضنتها و انا احاول أصحيها من الكابوس ...


و صارت تمسكني بالقوة و تشد علي و هي تصرخ دون وعي :

- ( سلطان لا تموت ) !




لما جا جدي و جدتي و شافوها كذا بغوا يموتوا من الخوف ...




و حتى بعد ما هدأت نسبيا ، أصروا يودوها المستشفى لأنها كانت بحالة مخيفة ...




طبعا أنا خفت عليها ... بس قلت ... أكيد مثل المرة اللي طافت ، زي ما يقول خالي
: نوبة و تعدي ...
بس هالمرة طوّلت معها كثير ...




الطبيب قال أن ضغطها كان مرتفع و أعطاها أدوية و مهدئات خلتها تنام لين الصبح


و أنا و جديني ظلينا معها بالمستشفى ...



*
* *
*




فتحت عيني ... و طالعت من حولي ... و اكشفت أني مو بغرفتي ... أنا بمستشفى ...



حاولت أرفع راسي لكن صداع شديد منعني ... إش صار لي ... ؟


تذكرت ... كان كابوس ...


بدأت الأمور تتضح لي أكثر ... وصلني صوت ولدي بدر :



- يمه أنت بخير ؟



توني الحين انتبه الى أنه مع أمي و أبوي موجودين ...




تذكرت الكلام اللي قاله لي البارح بالليل ... آه ... زاد الألم ... بكل جسمي
... براسي ... بقلبي ... بروحي ... بكل مكان ...



- نادي الطبيب ...




كانت أول كلمة نطقت بها و راح ولدي بسرعة و جا مع الطبيب ...




طلبت منه يعطيني مسكن قوي .. لأني مو بقادرة حتى أفتح عيني ... بعدها بمدة
تحسنت و قلت :



- يالله نرد البيت ...







أخذت أجازة اليوم ... و انعزلت بغرفتي ... و طلبت منهم أنهم ما يزعجوني ...


ما كنت أبي أتكلم مع أي أحد عن أي شي ...


أنا ... أو بالأحرى اللي باقي مني ... منهار و أي نسمة هوا تبعثره ...


أنا ... لازم أمحي اسم سلطان من قاموس حياتي ... للأبد ...

و لازم اتخلص من هذه الكوابيس نهائيا ...






كان جنوني إني رديت تعلقت به و فتحت جروح الماضي ... ليت الذكرى ما جابت لي يا
سلطان ...


أنا ردّيت للصفر ... و يبي لي سنين و سنين لين تبرى جروحي .... لا ظلّت فيني
روح ... بعدك يا عسل ...






سلطان ...


لازم أودعك للأبد ....








*
* *
* * * *


سلطان يا حلما يداعب جفني حال منامي

سلطان يا أملا يخاطب قلبي حال قيامي

سلطان يا ذكرى ... و يا جرحا ... عميقا دامي ...

سلطان يا نارا ... و بركانا ... سعيرا حامي ...



أنت يا سحر القلوب ِ

أنت يا شمس الغروب ِ

أنت يا أجلى عيوبي

أنت يا أدهى ذنوبي

نفسي يا خطـــاءة توبي

عن هوى سلطان ...

توبي ....



أنت يا عشقا تمادى في الوجود ...

راح ينمو بلا حدود ...

عابرا كل السدود ...

كاسرا طوق القيود ...



أنت يا حرفا تطفـّـل بين كل الكلمات ...

غيـّـر المعنى ... و بات ...

بين جفني ّ...

فمات ...



أنت يا سيلا تمرّد ... رغم أنف الطرقات ...

شقّ نهر العشق قهرا ...

بين دجلة و الفرات ...

يا نعيم الأمسيات ...

يا جحيم الذكريات ...



هل تبقى من جبال العشق صخرة ؟


هل تبقى من بحور الحب قطرة ؟


هل تبقى من سحاب التيم مطرة ؟



هل تبقى لي مكان بين حشد الفاتنات ؟


جرعة من مر حبك ...

اسقني قبل الممات ...


هل تبقى لي نصيب ٌ...

بعد توزيع الهبات ... ؟


ما تبقى من عطايا الحب يكفيني ...

فهات ....



* * * *
* *
*









نصيبي من اللوم و التوبيخ كان وافر ...

من جدتي و جدي ... و بعد من خالي لما عرف باللي صار ...

كلهم صاروا يتهموني بأنني السبب اللي خلى أمي تنهار ...




لكن أنا أبي أعرف ... وش قصة سلطان هذا ؟

و ليه أمي صار لها اللي صار بسسبه ؟

و إش سالفة الفصوص الفضية ذيك ؟




حاولت أكلمها بس جدتي منعتني أقرب من غرفتها هذا اليوم ...

و حذرتني مئة مرة من أني أفتح سيرة الموضوع قدامها مرة ثانية ....

و ما كان قدّامي إلا أني أروح لأعمامي و اسألهم عن القصة الكاملة ...

قصة الحادث قالوها لي مثل ما شافوها قبل 12 سنة ...




أبوي اللي مات قبل ما يعرفني و لا أعرفه ... و الوحيد اللي مات ذاك اليوم ...
كان ينادي أمي عشان تساعده
و هي خلته و راحت تنقذ سلطان ... !


عميني ماجد و رائد ... صاروا يكرهوا سلطان و حتى أمي من ذاك الحادث ...


عمي ماجد يقول : ( لو كنت أنا من بطن أمي أشوف اللي صار وقتها ... كنت كرهته
أنا بعد و
ما سمحت لأمي أنها تتزوج منه أبدا ... )


الأفكار ذي كبرت براسي ... و خلتني أعترض أكثر و أكثر على زواج أمي منه ... و
اتخذ منها و منه موقف معادي ...








بالليل ، و أنا جالس بغرفتي وصلني صوت أمي تناديني ...


و بسرعة طرت لغرفتها ...


كان شكلها يقلق ، أعصابها مشدودة و حركتها متوترة ، و وجهها متوهج و أحمر ....
و كانت الغرفة مبهدلة !


يوم وصلت سألتني بعصبية :


- بدر شفت الفصوص ؟

- أي فصوص ؟

- اللي شلتها ذيك المرة ، الفصوص الفضية ، أنت أخذتها ؟

- لا !




طالعت فيني بغضب ، و قالت بحدة :


- بدر إذا ماخذنها طلعها بسرعة ... الحين ...



قلت بدفاع :


- لا ما شلتها يمه ! لو أخذتها كان قلت .



صرخت بعصبية أكبر :


- وين راحت يعني ؟ طارت ؟






و رجعت لعند السرير ، و شالت البطانية و الشراشف و الفراش ... قلبت الدنيا فوق
تحت مثل المجنونة ...

و هي تصرخ :


- وين راحوا



بعصبية ...




كنت أنا أراقبها بذهول ...



- وينكم ... طلعوا بسرعة ...



أنا خفت من شكل أمي و تصرفها الغريب ... و لما قلت :


- يمه يمكن ...


ما لحقت كملت جملتي ، قاطعتني بحدة و بصراخ و عصبية :


- اسكت !

رد غرفتك ...




تراجعت للوراء .... أمي ما أدري وش صابها .... خوفتني حالتها ذي ، و هي تقلب في
اغراض الغرفة فوق تحت تدور على الفصوص ...




أنا ما طلعت ، أذكر أنها كانت بيدها البارحة ، بس ما أدري وين تركتهم ؟

قلت :


- بادوّر معك ...



و خطيت صوبها شوي شوي و بتردد ، خايف تصرخ علي !



دورت معها ، و لقيت الفصوص على طاولة بالغرفة ...



- هذه هي يمه !



لفّت أمي صوبي و جتني بسرعة ، و أخذتهم مني و شدت عليهم بإيدها مثل البارح ...

كأنها خايفة يضيعوا منها مرة ثانية ...

راحت على السرير و استلقت و غمضت عينها و شفت الدموع تهل منها ...



- يمه ...؟


ناديتها بقلق ، بس هي ردت علي :



- رد غرفتك يا بدر ...




وقفت ثواني أطالع بها بقلق ، أمي صار لها شي ؟؟


لها الدرجة هالفصوص عندها غاليين ؟


إش سالفتهم ؟ ودي أعرف ...




طلعت و صكيت الباب ، و لأني ما أبي أسبب لها أي قلق و ازعاج ، ما تعمدت أسألها


عنهم بعد كذا .




*
* *
*





مر يوم الأجازة ... و ما أحد تجرأ و تكلم معي في أي موضوع ... و هذا اللي كنت
أنا أبيه ...

يوم ضيعت فصوص مسبحة سلطان الفضية ، بغت روحي تضيع معهم ...

هذه آخر ما بقى لي منك يا العسل ...

و إذا ظلوا معي ... ما بتطلع من بالي ...

لازم أتخلص منهم !

لازم أتخلص من كل ذكراك ، و أي شي يذكرني بك ، و أي شي له علاقة بك ... و للأبد
...







اليوم بارجع للعمل ... و أبدأ صفحة جديدة ... و انسى نهائيا وجود مخلوق اسمه
سلطان على وجه الأرض ...



بنت سلطان ... لا عاد أسأل عنها و لا أهتم لها و لا تجيني على بال بعد الآن .








اتصل علي سلطان قبل نهاية الدوام ... عرفت أنه موجود مع بنته ... أكيد كان يبي
يعرف ردي على طلب

الزواج ... انهيت المكالمة في ثواني بكلمة : ( أنا مشغولة )

كلمة غصبت لساني أنه يقولها قهر ... و كانت هذه هذه بداية النجاح ...




مر اليوم بسلام ...


تجاهلت كل الناس حتى ولدي بدر ...

ما تكلمت معه هذا اليوم ...






في اليوم الثاني تجرأ بدر أخيرا و سألني :



- يمه أنت رح تتزوجين بو نواف ؟



و للمرة الثانية بحياتي - عقب البارحة - صرخت بعنف بوجه ولدي و قلت له :


- إياك تتجرأ و تتكلم في ذا الموضوع مرة ثانية .. فاهم ؟





ولدي من علامات الذهول اللي طلعت على وجهه عرفت أنه مصدوم ... و قال يتأتىء :


- يمه أنا ...




قاطعته ، و بنفس العنف قلت له :



- بدر ... ارجع غرفتك الحين .




الولد فجأة انفجر :



- زين يمه أنا باطلع من غرفتك الحين لكن لو تتزوجينه ما عاد تشوفيني مرة ثانية
.








قالها بسرعة و طلع بسرعة ...

و بنفس السرعة ... قفزت دموعي من عيوني ...

خلاص ... ما عاد أفكر فيه ... إش تبون أكثر ... خلوني أرتاح ...






في الليل ... جتني أمي الغرفة ... و قالت :


- بو نواف اتصل يسأل ...


الدنيا كلها انتفضت قدامي ... و بهلع و بصوت شبه معدوم قلت :


- وش قلتوا له ؟



أمي كأنها ترددت شوي ، لكن نظراتي حاصرتها ... و قالت مستسلمة :


- ما فيه نصيب ...



ما قدرت ...

و الله ما قدرت ...

ما حسيت الا و بنفسي مرتمية على أمي و اتأوه ...

آه ..



- يمه ... آه ...




أي كلمة بتنقال .. ما كانت بتعطي أي مقدار من المواساه ... اللي خلانا ساكتين
... و مستسلمين لبقاياالدموع ...
و الآهات ...









[ القمر يقول لك : الوداع ]







جملة مكتوبة على قصاصة الورق اللي مع الفص الـ واحد و ثلاثين ... اللي بعثته
لسلطان ... في الصباح ...


بعدها بدقايق ... رن التهاتف .. و استنتجت أنه سلطان ...

تجاهلته ... مرة و مرتين و خمس ...

ما كنت أبي أسمع صوته و لا تعليقه ... سكت التلفون أخيرا ... و ظل ساكت فترة
تؤكد أنه قطع الرجاء ...

تنهدت بقوة ... باسترخاء ... انقطع الأمل ... و ارتحنا اخيرا ...

سلطان ...

ما عاد أعرفك بعد اليوم ...









انتبهت من أفكاري على طرق على باب الغرفة ...

قبل ما أجاوب ...

كان هو واقف قدامي ... بشحمه و لحمه ... مو بس في الخيال !






انتفضت ... ما قدرت اوقف ... دققت فيه كأني أبي اتأكد ... حقيقة و إلا خيال ؟؟؟

أنا كثير ... كثير اللي اتخيل العسل قدامي ... و لا أدري ... هالمرة حقيقة و
الا وهم ؟؟





- صباح الخير ... قمره ...




دخت ... تبعثرت ... تشتتت ... اعتقد أن الكلمة اللي المفروض يرودن بها ( صباح
النور ) ... بس كأني سمعت لساني يقول :



- و عليكم السلام !





ما ادري ... مو متأكدة ... !




- كيف أحوالك ؟


أحوالي ؟ تسأل عن أحوالي يا سلطان ؟يعني ما تشوف ؟ ليش بعد تسأل ؟؟


- الحمد لله


- مشغولة ؟ أو ممكن آخذ كم دقيقة من وقتك ؟





بلعت ريقي ... حبالي الصوتية جفت وانقطعت و ما عادت تقدر ترد ... صوتي مبحوح
... مرت ثواني ما قلت فيها أي شي ...



- دقايق بس ... رجاءا ؟



أكد علي مرة ثانية ... قلت أخيرا :


- خير ؟





اقترب سلطان ... و مع كل خطوة يمشيها تزيد نبضات قلبي عشر ... و ترتفع حرارتي
درجة ... و تتسارع انفاسي أكثر و أكثر ... لين جلس على الكرسي اللي قدام طاولة
المكتب مباشرة ...

إش فيني تبهذلت ؟

سلطان أنت شـ تسوي فيني ؟

سلطان أنت ساحرني ؟؟






سحبت ايدي من فوق الطاولة و خبيتها تحت الدرج ... ما كنت أبيه يشوف الرعشة
الفاضحة اللي

كانت مسيطره عليها ...



- خير ؟



قلتها أبي أتظاهر بالقوة ، لكنها طلعت ضعيفة مبحوحة و متلعثمة ... كأنها أنة
واحد يحتضر ...


- قمره ...

ممكن ... أعرف ليه ... ؟





كأن الباب تحرك شوي ؟ معقولة أنفاسي وصلته و حركته ؟ أكيد أتخيل ؟

فقدت الذاكرة لحظتها ... دورت بقاموس الكلمات اللي تعلمتها من طفولتي لليوم ...
ما حصلت شي ...

إش صار فيني ؟؟




- فيه سبب ؟



و أخيرا طلعت كلمة – أي كلمة – على لساني و قلت :


- نصيب ...


توتر ... رغم الحالة اللي كنت أنا فيها لاحظت هالتوتر ...

قال بسؤال أقرب للجواب :



- نصيب غيري ... ؟



جت عيني بعينه ... و بعدتها بسرعة ... و نزلت راسي صوب الأرض ... ابي أخبيها
تحت سابع أرض ... مو عارفة إش أسوي ...



- قمره ....




ناداني ... و ليته يدري أي تأثير تتركه هالكلمة بجسمي ؟ كأنها مخدر !





رفعت عيني من تحت سابع أرض مرة ثانية لعينه ... و أنا أحس إني شوي ... و أنام
من تأثير المخدر ... لو يفتحو راسي ذي اللحظة ما حسيت !



كأنه كان يبي يقول شي ...

بس ...

تراجع ... و وقف فجأة ... و قال :



- ... يصير خير ...




و طلع ...

و هو يبتعد و أنا عيوني تبتعد معاه ... كأنه سرقها و راح ...

طلعت إيدي من تحت الدرج ... كانت زرقاء ... باردة ... حطيتها على وجهي .. تبرد
النار اللي شعللها ...

سلطان راح ...

سلطان انتهى ...

سلطان جاني لحد عندي ...

و أنا اللي رفضته ...

سلطان ...

أنا أتمناك ...

أنا بعدني أحبك ...

سلطان ...

رجـّـع عيوني ...

سلطان ...

لا تروح !




*
* *
*


من طريقة كلامه عرفت أن فيه شيء مضايقه ...

و لا استغربت لما قال لي :


- قمره ردتني ...



بصراحة ... أنا كنت متوقعة كذا و كنت أتمناه ...

حمدت ربي في داخلي ، بس رثيت لحال أخوي و هو ضايق الصدر ...

بغيت أقول له أي كلمة مواساة ... قلت :


- نصيب !




و كأني قلت شي محظور أو كلمة سب أو شتم !




لأن أخوي بس سمعها ثار علي و صرخ :




- نصيب ؟ أي نصيب ؟؟

الدكتور هيثم ؟

هذا نصيبها ؟ هي نصيبه ؟ و الله ما يستاهلها ...




- سلطان !


- و لا حتى بسام ... ما كان يستاهلها ...







طالعت بأخوي و أنا مصعوقة بكلامه .. أكيد جن !؟ اللي أكد لي كذا الكلام اللي
قاله لي تكمله :



- شوق ... شوق أبيك تكلميها ...


- نعم أخوي ؟؟؟ كأني سمعت غلط ؟


- سمعت زين يا شوق ... اعرفي منها ليه ردتني ؟ عشان الدكتور سبقني و الا إيش
السبب . هي ناوية تتزوجه و إلا إش الموضوع ؟




هالامرة انا اللي ثرت بوجه سلطان و قلت :



- لا أبدا ..

و لا أسألها و لا لي دخل أصلا بالموضع ... سلطان طلعني نهائيا برى جنونك هذا




كأني كنت قاسة بزيادة ؟ لأنه أخوي شكله زعل ... و طالعني بنظره خيبة أمل ...

و من غير ما يقول أي شي عطاني ظهره و طلع ...






و النهاية مع ها القصة ؟؟ ما خلصنا ... ؟؟؟






في اليوم نفسه شفت منال و انفتحت سيرة الموضوع و طبعا كانت مرتاحة لأنه انتهى
على خير ...


لكن ... و أنا أتذكر نظرة أخوي الأخيرة ... أكاد أجزم ... أن الموضوع لسه فيه
مفاجآت ثانية ...

و انتوا موعودين !!


*********************



من مواضيعي :
موضوع مغلق

مشاركة الموضوع:


إنتقل إلى

عناوين مشابهه
الموضوع الكاتب القسم ردود آخر مشاركة
قلبي يحن .... دعاء دعاء ومناجاة 3 26/10/2011 11:05 AM
اين قلبي ....اين قلبي شدوى قصص حقيقية 7 08/09/2011 06:43 PM
هذا قلبي العزيزة شعر و أدب 5 31/03/2007 04:01 PM
عاكسها فدعت عليه فاستجاب الله دعائها !!! عاشق الحق قصص حقيقية 3 08/06/2006 02:54 PM


الساعة الآن: 09:40 AM

vBulletin ©2000 - 2024
 
 
عمانيات  مراسلة الإدارة  تصفح سريع منتديات