الموضوع: جنون العظمه؟
عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 07/02/2005, 11:23 PM
صورة لـ الوميض
الوميض
مُثــابر
 
جنون العظمه؟

هناك شعرة رقيقة جدا تفصل بين العبقرية والجنون)

(مثلما أن المرض يحيط بالصحة من كل الجهات فان الجنون يحيط بالعقل من كل الجهات)

لودفيغ فتجنشتاين...

منذ قديم الأزمان كان الناس يعتقدون بأن هناك علاقة بين العبقرية والجنون. وكانوا دائما يتحدثون عن العبقري بشيء من التهيب والوجل، فهو شخص غريب الأطوار معقد الشخصية يختلف عن جميع البشر، والواقع أننا إذا ما استعرضنا أسماء كبارا لكتاب وجدنا أن معظمهم _ان لم يكن كلهم.كانوا يتميزون بتركيبة نفسية خاصة وغير طبيعية بل إن بعضهم دخل في مرحلة الجنون الكامل. نذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر: هولدرلين ونيتشه، وجير ار دونيرفال، وانطو نين ارتو، وفان جوخ، وغي أو دو موباسان، وفيرجينيا وولف، وشومان، والتوسير،(1) الخ..

وقد طرح أحدهم على الكاتب الفرنسي اندريه موروا هذا السؤال: هل جميع الروائيين مجانين أو عصابيون؟ فأجاب الكاتب الكبير: لا الأصح أن نقول أنهم كانوا سيصيرون جميعهم عصابيين لولا أنهم أصبحوا روائيين.. فالقصاب يا سيدي، هو الذي يصنع الفنان، والفن هو الذي يشفيه(2). وكان جوابا مقنعا ورائعا. فالواقع انه لولا العصاب لما كرس أشخاص من أمثال بلزاك أو ديستويفسكي أو فلوبير أنفسهم لفن الكتابة. ولولا أنهم نجحوا في هذا الفن وقدموا لنا روايات خالدة لما نجوا هم أنفسهم من مرض العصاب. هذه هي الدائرة المغلقة التي تجمع بين الابداع والمرض أو بين العبقرية والجنون. ولكن السؤال المطروح هو: لماذا يسقط في ليل الجنون حتى أولئك الذين أبدعوا ابداعا كبيرا؟ لماذا لم يحمهم الابداع _ أو الانتاج الابداعي _ من الجنون؟ فلا أحد يشك في أن نيتشه من كبار الفلاسفة، ومع ذلك فقد جن بشكل كامل في أواخر حياته وظل مجنونا لمدة أحد عشر عاما حتى مات سنة 0 190، ولا أحد يشك في أن هولدرلين هو واحد من أهم الشعراء في العالم، ومع ذلك فقد أمضى نصف عمره تقريبا في بحر الجنون... والواقع انه تصعب الاجابة عن هذا السؤال، ولكن ربما التقينا به في مرحلة لاحقة، مهما يكن من أمر فإننا نظل متفقين مع اندريه موروا على القول بأن الفن يشفي من العصاب بشكل عام، ولولاه لجن معظم أولئك الكبار الذين سجلت أسماؤهم على صفحات التاريخ، ويكفي أن نستعرض سير حياتهم التي كتبت بعد وفاتهم لكي نتأكد من ذلك، وتكمن عظمتهم بالضبط في أنهم تجاوزوا عصابهم أو عقدتهم النفسية المتأصلة عن طريق الابداع. فلا ريب في أن الابداع يحرر من العقد ويعطي الشخصية ثقة بنفسها.



لماذا أتحدث عن هذا الموضوع الآن؟ ولماذا اخترته للكتابة وكان لهذا عدة أسباب:

أولها أنه كان يعتمل في نفسي منذ زمن طويل. وثانيها انه يمثل نوعا من"التابو" أو المحرمات فيما يخص الثقافة العربية. فلا أحد من الكتاب العرب يجرؤ على الاعتراف بأنه مصاب بعقدة نفسية معينة أو بعصاب معين.



من مواضيعي :