عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 28/06/2012, 10:58 AM
معتز عبدالله
مُشــارك
 
: مقالات في التوبة

فضائل التوبة وأسرارها

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الكريم الوهاب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله والأصحاب. أما بعد: فإن التوبة وظيفة العمر، وبداية العبد ونهايته، وأول منازل العبودية، وأوسطها، وآخرها. وإن حاجتنا إلى التوبة ماسة، بل إن ضرورتنا إليها ملحَّة؛ فنحن نذنب كثيرًا ونفرط في جنب الله ليلاً ونهارًا؛ فنحتاج إلى ما يصقل القلوب، وينقيها من رين المعاصي والذنوب. ثم إن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون؛ فالعبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية. للتوبة فضائل جمة، وأسرار بديعة، وفوائد متعددة، وبركات متنوعة؛ فمن ذلك ما يلي: 1_أن التوبة سبب الفلاح، والفوز بسعادة الدارين: قـال ـ تعالى ـ: [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ](النور: 31). قال شيـخ الإسـلام ابن تيمية رحمه الله: =فالقـلب لا يصلح، ولا يفلح، ولا يتلذذ، ولا يسـر، ولا يطـيب، ولا يسكن، ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه. 2_بالتوبة تكفر السيئات: فإذا تاب العبد توبة نصوحاً كفَّر الله بها جميع ذنوبه وخطاياه. قال ـ تعالى ـ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ](التحريم: 8). 3_بالتوبة تبدل السيئات حسنات: فإذا حسنت التوبة بدَّل الله سيئات صاحبها حسنات، قال ـ تعالى ـ: [إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً](الفرقان: 70). وهذا من أعظم البشارة للتائبين إذا اقترن بتوبتهم إيمان وعمل صالح، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: =ما رأيت النبي "فَرِحَ بشيء فَرَحَهُ بهذه الآية لما أنزلت، وفرحه بنزول: [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ] (الفتح: 1_2). 4_التوبة سبب للمتاع الحسن، ونزول الأمطار، وزيادة القوة، والإمداد بالأموال والبنين: قال ـ تعالى ـ: [وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ](هود: 3). وقال ـ تعالى ـ على لسان هود ـ عليه السلام ـ: [وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ] (هود: 52). وقال على لسان نوح ـ عليه السلام ـ: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً] (نوح: 10_12). 5_أن الله يحب التوبة والتوابين: فعبودية التوبة من أحب العبوديات إلى الله وأكرمها؛ كما أن للتائبين عنـده ـ عـز وجـل ـ محبـة خاصـة، قال ـ تعالى ـ: [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ](البقرة: 222). 6_أن الله يفرح بتوبة التائبين: فهو ـ عز وجلّ ـ يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يُقدَّر كما مثَّله النبي "بفرح الواجد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض الدَّويَّة المهلكة بعدما فقدها، وأيس من أسباب الحياة، قال ": =لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع مكاني، فرجع فنام نومًة، ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده)متفق عليه. ولم يجىء هذا الفرح في شيء من الطاعات سوى التوبة. ومعلوم أن لهذا الفرح تأثيرًا عظيمًا في حال التائب، وقلبه، ومزيدُ هذا الفرح لا يعبر عنه. 7_التوبة توجب للتائب آثاراً عجيبة من المقامات التي لا تحصل بدون التوبة: فتوجب له المحبة، والرقة واللطف، وشكر الله، وحمده، والرضا عنه؛ فرُتِّب له على ذلك أنواع من النعم لا يهتدي العبد لتفاصيلها، بل لا يزال يتقلب في بركاتها وآثارها ما لم ينقضها أو يفسدها. ومن ذلك حصول الذل، والانكسـار، والخضـوع لله ـ عز وجل ـ وهذا أحبُّ إلى الله من كثيـر من الأعمـال الظـاهـرة ـ وإن زادت في القدر والكِمِّيَّة على عبودية التوبة ـ فالذل والانكسار روح العبودية، ولبُّها؛ ولأجل هذا كان الله ـ عز وجل ـ عند المنكسرة قلوبُهم، وكان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ لأنه مقام ذلك وانكسار، ولعل هذا هو السر في استجابة دعوة المظلوم، والمسافر، والصائم؛ للكسرة في قلب كل واحد منهم؛ فإن لوعة المظلوم تحدث عند كسرة في قلبه، وكذلك المسافر يجد في غربته كسرة في قلبه، وكذلك الصوم؛ فإنه يكسر سَوْرَة النفس السَّبُعِيَّة الحيوانية.



من مواضيعي :
الرد باقتباس