الموضوع: فجعت قلبي
عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 23/12/2006, 08:56 PM
صورة لـ زهرة الخزامى
زهرة الخزامى
ودود
 
زهرة المكان رد: فجعت قلبي

الحلقة الثالثة

* * * * * * *




- مـجـنـونـة ؟؟؟





صرخت بوجه ( قمر ) و عيني مفتوحة أوسعها و حواجبي متقوسة

حدها من شدة الدهشة و الاستنكار ...




- تروحين له بنفسك يا قمر ؟ أنت ِأكيد جنيتي ؟؟؟

- اللي صار

- قمر ! تهورت ِ، ليه تذلين نفسك له كذا ليه ؟

- رجاءا ( سلمى ) ... خلاص ...







طبعا أنا ما كنت ناوية أسكت ، لكن ... كأني لمحت بريق دمعة مكبوتة

في عينها ، اللي خلاني أبلع لساني ، و اخمد ...


بعد شوي ، قلت :




- ... و بسّام ...؟ ... خلاص ... ؟؟

- ... خلاص ...







قالتها بمرارة و يأس ، صديقتي و اعرفها زين ، ما هي مقتنعة به ،

بس قبلته كردّه فعل في لحظة يأس ....



بغيت أقول لها : ( إذا مو مرتاحة من قرارك ، راجعيه، لا تتهوري ...

مو مضطرة تقبلين أحد مو مقتنعة به )

بس ما قلت ، و يا ليتني قلت ....



بصراحة ، كنت أبي ( قمر ) تتزوج ، و تنشغل بحياتها الجديدة ،

و تنسى ( سلطان ) و أيام سلطان و عذاب سلطان ....

يكفيها اللي لقت منه يكفي ...



قلت :

- بسّام و النعم فيه ، رجّال الكل يمدح في أخلاقه ،

اثنينكم محظوظين ببعض، هني لكم ...





مرة لحظة صمت ... بعدها ، غصبا ًعليها و بعد حبسة طويلة ،

تفجّرت دموعها بغزارة ،

و رفعت ايدها تخفي وجهها الكئيب بها ....


تقطع قلبي و أنا أشوفها ، صديقة عمري ، و هي بذي الحالة ...

فتحت ذراعيني و طوقتها ... ضميتها لصدري بحنان ....


ظلت تبكي فترة ... و أنا احاول أواسيها و أربّـت عليها ....


هالمرة هي اللي بدأت الكلام ، قالت :





- مع الوقت ، أكيد رح أتعود عليه ، و أحبه ...

و يستحوذ على اهتماميو مشاعري ،

مو صح يا سلمى ؟ مو كل البنات كذا ؟

بعد ما ينخطبوا يتعلقوا برجالهم و يحبوهم ... صح سلمى ...؟؟؟





قالتها بكل مرارة ، ما ادري هي كانت تسألني و الا تسال روحها ؟


حسيتها ذيك اللحظة مثل الغرقان اللي يتعلق بأي ذرّة أمل بالنجاة ...


فهمت أنها محتاجة الى التشجيع ، إلى أن أحد يقول لها :

( صح رح تحبينه أكثر من سلطان ... نهاية سلطان مو نهاية الدنيا ...) ...


قلت :

- أكيد يا قمر ! و هذا أجمل شي في الزواج ، أن مشاعرك تتعلق

بشخص يعني لك نصف العالم ، و أنت ِالنصف الثاني ....


- سلطان كان يعني لي العالم كله يا سلمى .... كله ... كله ...




قالتها و انفجرت مرة ثانية في بكاء أشد من اللي قبل ...


شديت ذراعيني حواليها ، ما قدرت استحمل شوفتها و هي تتحطم قدامي .
تمنيت ذيك اللحظة ، أن سلطان يظهر ، مو عشان يشوف

إش قاعد يصير للبنت بسببه ، و لا عشان يسمع وش تقول عنه ، لا ....

عشان أمسك سكين و أقطع بقلبه مثل ما قطع قلب صديقتي الحبيبة ...





- يكفي يا قمر ... انسي اللي فات و خلينا في اللي جاي ....
خلاص يا قمر أرجوك ِ...





رفعت راسها و ناظرتني ... نظرة ما عمري رح انساها ....

و دموعها مبلله وجها ، و عيونها حمرا ، و جفونها متورمه ....

و وجهها كان أشبه بوجه المحتضر ...





- سلمى ... ودّي أبكي للمرة الأخيرة .... ممكن ؟؟؟

ما من حقي أعبر عن شعوري للمرة الأخيرة قبل الوداع ؟؟؟

سلمى ... سلمى ... اللي فقدته ما هو شي هيـّن ...

أنا فقدت قلبي يا سلمى...

ما تبيني حتى أقول آه و أتألم ؟؟؟

حرام عليكم ... ما انتوا فاهمين وش عنى لي سلطان ...

آه ...( العسل )...

... خلوني أبكي ... خلوني أبكي ...

ليه يا سلطان ؟ ليه ؟ ليه ؟ ليــــــــــــــــــــــــــــه .....







ذاك اليوم ... ما عمري بانساه ... من كل قلبي بكيت ....

و من كل قلبي دعيت بعد ...

يا رب أعيش و أشوف سلطان يتحطم و يتقطع قطعة قطعة ...

مثل ما سوّى بقمر ...

... و ما كنت دارية ... أنها كانت ... ساعة إجابة ....





*
* *
*








ما توقعت أني أقدر أنام بعد ذيك الليلة ، بس الظاهر التعب

النفسي اللي عشته خلاني استسلم للنوم بسرعة عجيبة ...

و مع ذلك ، ما تهنيت ...


شفت حلم غريب ... يمكن أحداث اليوم هي اللي خلقته لي .


كنت أنا مع ( عسل ) في سفينة وسط البحر ... كنا مبسوطين ...

وفجأة ظهر ( بسام ) جاي من قلب البحر بقارب صغير ....

اقترب من سفينتنا و راح ينادي :



( قمر ... انزلي .... قمر ... انزلي )




كان وجهه مفزوع و مرتعب ... و كان يلهث و يتنفس بقوة

و التوتر صارخ عليه ....

ناظرت ( عسل ) و أنا مندهشة ، و اندهشت أكثر لما شفته يبتسم ...

ما زال صوت بسام يدوي براسي ( قمر انزلي ) و يمد يده لي

يبيني انزل القارب معه ... و انا واقفه جنب

( عسل ) ما اتحرك ....


فجأة ، بدأت السفينة تغرق و تغرق بسرعة ...

و بسام يصرخ (يا قمر تعالي بسرعة ) و أنا مسكت يد

( عسل ) أبيه ينزل معي ...


إلا و أيده تتلاشى مثل الدخان ... و فجأة شفت نفسي طايرة بالهوا ...

أهوي صوب القارب و يد ( بسام ) تلتقطني ...

و عيني على ( عسل ) و هو واقف بالسفينة و هي تغرق

- وأنا أعرف أنه ما يعرف يسبح - و أصرخ بقوة ، و بأعلى صوتي ...



(((... ســـــــــلـــــــــطـــــــااااااااااا ن .... )))






صحيت من النوم مفزوعة مذعورة ...

ما قدرت اتنفس و لا اتحرك ...

بسم الله الرحمن الرحيم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ...




ناظرت الساعة ، كانت أربع الفجر ...

ظليت بمكاني أحاول التقط أنفاسي، و أمحي صورة ( عسل )

و هو يغرق مع السفينة ...

آه يا ويلي لو يصيبه شر ... بسم الله على عمره من الموت ...

و من الشر ...

فيني و لا فيه ...




بغيت أشرب شوية ماء ترد روحي من الفزعة ،

و لما جيت عند كاس الماء على المكتب ، شفت جهازي

( الفاكس ) مستقبل رسالة ...




(( مرحبا ، أبي أكلمك ، رجاءا ))





طالعت الرقم و التوقيت



رسالة وصلتني قبل ثلاث ساعات ، من ... سلطان ...
* * * * * * *
[ غروب شمس ]


الحلقة الرابعة


* * * * * * * * *






ما قدرت ...

غصبا علي ... لا تلوموني ...

كنت أبي أتجاهله ، أبي أنساه ، أبي أطلعه من بالي ، لكن ....

ممكن تنسى أن في داخلك روح ؟ تنسى أن لك عين ؟

تنسى أن عندك قلب ؟؟؟

أنساه كذا فجأة ؟ و خصوصا اللحظة ذيك ،

و أنا صاحية من النوم مفزوعة عليه ؟؟



و بعدين الفاكس اللي وصلني كان من فاكس مكتبه بالشركة ،

حسب الرقم، يعني كان موجود بالشركة ذيك الساعة ...

آخر الليل ...



عرفت أني ما رح أقدر أرد أنام قبل ما استسلم لأوامر القلب ،

و أنفذها ...


كلمة وحدة بس ، (( خير ؟ )) ، كتبتها و أرسلتها له ،

و بكرة الصباح لما يجي مكتبه ، يشوفها ... و يرد عليها ....


شربت الماء ، و رجعت مرة ثانية لفراشي ، مرتاحة أكثر ...

ما مداني أحط راسي على الوسادة ، إلا و اسمع صوت الفاكس ،

يستقبل رسالة جديدة

قفزت من سريري و ركضت إلى الجهاز ....



(( مُـرّي المكتب ، 6 م ، مع ( شوق ) ، مع السلامة ))




تفاجأت ، سلطان موجود بمكتبه الحين ؟ في ساعة زي ذي ؟؟

من خط إيده ، كان باين أنه مستعجل ، أو متوتر أو مشغول ...

أخذت الورقة ، و رجعت أتمدد على فراشي ، و ضميتها لصدري ...

سلطان يبي يشوفني ...

سلطان يبي يقول لي شي ....

هل ما زال ... فيه أمل ....؟؟

لا يا قمر ، لا تروحي بأفكارك بعيد ....

خلاص يا قمر ... خلاص .... خلاص ....






*
* *
*





- هذه هي الكتب ، و هذه آخر مؤلفاتي ،

ودي أسلمها قبل انشغالي يا ( شوق ) .

- ما شاء الله عليك ! لحقتي تقريها ؟

- لا ! قريت بعض الأجزاء ، و ما أظني أقدر أواصل حاليا .

ودي أرجّـعها اليوم ، تجين معي ؟

- هاتيها و أنا أعطيها أخوي ( سلطان ) لما أشوفه .




سكت ، ما علـّـقت ، ابتسمت شوق ، و فهمت أن ورا الموضوع ،

شي ثاني ...

قالت ...

او أقول ، أحسن تسلميها له بنفسك ،

لا يتهمني بأني خربت بها شي و إلا شي !






و اتفقنا نروح الساعة 6 م ، و طول ذاك اليوم و أنا في توتر فظيع ...

كأني داخلة امتحان آخر السنة ...


رجعت من الجامعة ، و أول شي سويته هو تفقـّـد جهازي الفاكس ،

بس ما لقيت أي رسالة جديدة ... و بديت استعد للقاء المرتقب ...


جهزت الكتب اللي كنت مستعيرتنها من العسل ،

و دوّرت في مؤلفاتي على قصيدة زينة ، تصلح للنشر في المجلة ...

و اخترت هذه ...


* * *
*
*


يا شمس و أنت ِتطلعي كل يوم و تلفـّـي السماء...

و تشوفي خلق الله و تعرفي ديارهم و أخبارهم ...

طلـّـي على ديار الحبيب اللي انخرس و اللي انعمى ...

يمكن شعاعك لا وصل يكشف لنا أسرارهم ...



يا شمس قولي لي ، و نورك يعشي بعيوني ...

وين اللي نسيوني ، و لا كأنهم يعرفوني ... ؟

راحوا و خلّوني ، وحيدة و لا عاد جوني...

ظنـّـيت بعدي يهزّهم ، بس خابت ظنوني....



يا شمس خبريني ، عسى بالخير ذكروني ؟

اسمي انطرى بالزين ، أو كانوا يذمّوني ؟

اشتاقوا لي يا شمس زي ما هـم وحشوني ؟



بعد الفراق ، الحين ما ودهم يشوفوني ؟




ملــّـوا هوانا و إلا ما عندنا نجاريهم ...

خلهم يشوفوا حالنا لا جبنا طاريهم...

ذلـــّـونا في حبهم عسى الله لا يورّيهم...

ذل الهوى و العشق ، ما تقدر تداريهم...



يا شمس أهواهم ، و في صدري مواطنهم ...

في بالي ذكراهم و عيـّـا القلب ينساهم ...

أرجع و احن لهم ، و لو تقسى معادنهم ...

بالشوق أناديهم ، و ما تسمع مآذنهم ...



يا شمس ، سلمي لي .. على ( سلطان ) و قولي له ...

باقي على عهد الوفا ؟ و الحال وصفي له ...

طال البعد، وين اللقاء ؟ ملـــّـينا تأجيله ....

و إلا نسى حب انقضى ، أو شاف تبديله ... ؟؟؟



*
*
* * *





ما قلت لـ سلمى أنا ايش رح أسوي ، لو عرفت ،

كانت رح تصرخ بوجهي و تحاول تمنعني ... و اعرف أن معها الحق ..

لكن ...

سلطان قلبي ... و ما اقدر أعصيه ....







كانت الشمس ترسل خواتم أشعتها قبل ما تودع السماء ....

و تبعثرت الأشعة الباهتة صوب الغرب ...

و لونت الأفق بألوان نارية متدرجة ...

كان منظر جميل ... الشمس تودع ...

لكن لنا معها بكرة لقاء جديد ....

و صلنا المكتب ، أنا و شوق ...

معظم الموظفين غادروا ... و الباقين ،

يلموا أشياءهم و يرتبوها استعدادا للرحيل ...

أما سلطان العسل ... فكان واقف عند نافذة الشرفة المفتوحة ...

يتأمل الشمس .... و يمسك مسباحه الفضي يحركه بين أصابعه ....








- السلام عليكم ، كيفك أخوي ؟


كانت شوق أول من تكلم ، ابتسم سلطان و رد التحية ،

و لف تجاهي ، و قال :

- مساء الخير ، قمره ...



ارتبكت بشكل ما توقعته ... هذا هو سلطان قدّامي الحين ...

يفصل بيني و بينه خطوات ... تلعثم صوتي و أنا أرد ..



- مساء ..... النور ....


- تفضلوا ...






رفعت ايدي و فيها الكتب ، و حطيتها على الطاولة ،

و قلت أحاول أخفي توتري :



- هذه آخر الكتب ، شكرا ...

- العفو ، إن شاء الله بس عجبتك ؟

- نعم ، عجبني اللي قريته منها ...






جا صوت شوق ، و هي تحاول تلطف الجو شوي ، و قالت بمزحة :


- كم عمود حجزت لها بالمجلة ؟ ترى جايبة معها قصيدة طويــــــــلة !

و هالمرة مو ببلاش ! و الدفع مقدما !


- احنا حاضرين ... !





و داهمت الجو أصوات سرب من العصافير ، كان قوي ...

و التفتنا كلنا صوب الشرفة ... و فتح سلطان البوابة الزجاجية للشرفة ،

و طلع يتفرج عليها ، و مسكت شوق إيدي و أخذتني معها للشرفة ...





كان عدد العصافير كثير كثير .... و منظرها يشرح الصدر ...

و الشمس اختفت ،

و ما بقت إلا أطراف أشعتها تتراقص على أغنية السرب المهاجر ....



ظلينا فترة نراقب جمال المنظر دون كلام ... و لما تلاشت الطيور ...

انتبهت على صوت سلطان يقول :


- يا ليت لي جناحين مثلها !




لفيت صوبه ، كان ما زال يناظر في السماء ...

و نقل أنظاره تجاهي لما حس بحركتي ... و التقت نظراتنا التايهة ...



كأني حسيت بصدمة ، و باعدت أنظاري عنه ، و لفيت تجاه شوق ..

و ما لقيتها ...


درت بأنظاري بالمكتب و حوالي ، و شفتها واقفة بعيد ،

عند المكتبة ، تتفرج على الكتب و تتصفحها ، أو بالأحرى ...

تتظاهر بتصفحها ...






كانت الشرفة واسعة ، و وقفنا عند أحد أطرافها ...

و خيم علينا صمت رهيب ....


انتظرته يبدأ الكلام ... و بدا و كأني رح أنتظر لآخر العمر ....

الشمس الحين سحبت أذيالها ،


و ما عاد فيه إلا لهيب الشفق الأحمر ... ينذر بالظلام القادم ...






- إش بغيت ... سلطان ؟



سبقته أنا بالكلام ... و أنا عيني على الشفق ...


- قمره ... أنا آسف ...





ما زالت عيني على الشفق ... مصرة تودعه لآخر لحظة ...


- على ايش ؟


قلتها و أنا أتظاهر بالبرود ، و داخلي نار تحترق ...


- على كل شي يا قمر ... أبيك ... تسامحيني .

- هذا كل شي ؟





كأن كلمتي أصابت منه موضع ألم ، تأوه ... و تنهد بمرارة ...

تنهيدته ذي ، قطعت قلبي ،

حبيبي يتنهد يعني ضايق ٍصدره ، و أنا ما اقدر أشوفه ضايق الصدر ...


وجهت انظاري صوبه ، و قلت ...




- سلامتك من الـ آه ...

- قمر ... قمر ... ما أدري إش أقل لك ...

- اللي بخاطرك ، اسمع ... خير ؟


و بعد تردد قصير ، قال ...


- قمر ، أنت ِمقتنعة بـ بسـّـام ؟




وصلنا للنقطة الحساسة ... رغم أني كنت أتوقع يكلمني

عن موضوع ارتباطي ببسام ، لكني مع ذلك اضطربت ...





- اش فيه بسام ؟ ما اقتنع به ؟ مو هو اللي رجال أخلاقه طيبة

و ما ينعاب ... مو هذا رأيك به ؟

- صحيح ، بس مهم أنك ... تكوني مقتنعة به ....

- مهم ؟ مهم عشان مين ؟ عشان إيش ؟؟؟

- ... عشانك ... عشانكم انتم الاثنين ... عشان ...

عشان حياتكم المشتركة المستقبلية ...

قمر ...

لازم تعطي نفسك فرصة أكبر للتفكير ....

لسا ما فات الأوان ...

- الأوان فات ، خلاص .... أنا وافقت ، و الخطوبة بعد أيام ...





عض على أسنانه ، يعبر عن استنكاره ... و رفعت عيني عنه ،

و طالعت بالسماء أدور الشفق ...

اختفى و ما لحقت أودع النظرة الأخيره منه ....


رجعت بانظاري خائبة الأمل ... و حنيت راسي للأرض ...


- قمره ... ما أبي أكون سبب من أسباب تعاستك ...

- أنت ... سبب تعاستي كلها ... السبب الوحيد ...



ما ادري كيف طلعت مني الجملة ، غصبا علي قلتها ....

تضايق هو ، و قال بحزن ...

- أرجوك يا قمر ، لا تخليني أتعذب و أنا أحس بالذنب ...

قمر أنت ِعارفة أن ظروفنا ما سمحت لنا نرتبط ...

عارفة أن بينا عقبات مستحيلة ... ما نقدر نتجاوزها ...

- نعم ، صحيح ...


قلتها بأسلوب ساخر ، الأمر اللي أثاره بزيادة ، و علا صوته و هو يكرر :





- ما هو بإيدنا يا قمر ... صدقيني ، كل واحد منا له طريقه ،

ما فيه بينا تقاطع طرق

افهميني يا قمر ... أنا خلاص تزوجت و اللي صار صار ...

و أنت ِبعد رح تتزوجي، بس لازم يكون اختيارك عن اقتناع تام ...


- ما يهمني ، بسّام من غيره ...


- لا يا قمر ... لا ...

هذه حياة و مستقبل ...و عمر ... لازم تختاري اللي يناسبك ...

اللي تقتنعي فيه ...


- ما غيرك قلبي يختار ... ما غيرك يملي عيني ...

ما غيرك اقتنع فيه ...

بلاش اتزوج يعني ... ؟





لها الحد و ما قدرت أمسك نفسي ، انهرت في نوبة من البكاء الشجي ،

وعطيته ظهري ، و ظليت أبكي و ابكي ... و هو صامت ،

ما ادري كيف كانت تعابير وجهه ... بعد ما هدأت شوي ...

سمعته يقول :


- تقبلي تتزوجيني و أنا متزوج ؟






*
* *
*







ببطء ، لفيت انظاري صوبه ، و حاولت ادقق في تعابير وجهه ،

لكن دموعي هزّت الصورة ...

هل هذا عرض زواج و إلا مجرد سؤال استنكار ؟ ...

- ما أظن يا قمر ... ، ما أنت ِمضطرة تتزوجي رجـّـال متزوج

و قريب يصير أب ...






ارتجفت أوصالي ، و حسيت برعدة تهز جسمي كله ...

و كلمة ( أب ) هذه رنت بأذني لين بغت تثقب طبلتها ...

معلومة جديدة ، جاي تصدمني بها بعد ... ؟؟؟



واصل هو كلامه ، لما شافني صامتة و في وضع ذهول ....





- بعدين ، ( منال ) وش ذنبها ؟ يرضيك بعد 3 أشهر من زواجنا ،

أتزوج عليها ؟

إش يكون موقفي قدامها و قدام أهلي ؟ و حتى أهلك ...

تتوقعي يرضوا بكذا ؟

أبدا يا قمر ... حتى مجرد طرح الفكرة أسخف من سخيف ...





- نعم ... سخافة ...

- فاهمتني يا قمر ؟

- نعم ... فاهمة ...

- شفت ِكيف ، أن طريقنا مسدود ؟





مسحت دموعي .... و قلت بنبرة أقرب للعتاب :



- جايبني هنا عشان تقول لي ذا الكلام ؟



و استمر لسان حالي يقول ( كذا يا سلطان تسوي فيني ؟

تجيبني هنا عشان تقول لي : ما أبيك و لا اقدر اتزوجك ؟

كذا قلبك علي صار ؟ طاعك تسويها فيني أنا ؟؟؟ )




- لا يا قمره ... أنا ... أنا ...



و لا قدر يكمل ... سكت لعدة ثوان ... و تنهد بعدها ...

و هز السبحة الفضية اللي بيدّه بعصبية ...

دار براسه في السماء ... كأنه يدور على طير ...

طير له جناحين ... يقدر يحلق بحرية ... بدون قيود ... في كل إتجاه ...




رجع يطالعني ... و كأنه يقول : ( للأسف ما ني طير و لا لي أجنحة )





- قمر .... أنا بغيت انبهك ...

إلى أنك ما تندفعي و ترتبطي بانسان ما تبيه

لا تتسرعي يا قمر ... اعطي نفسك فرصة أكبر ...

لا تقرري الزواج في الوقت الحالي ... ما أبيك تندمي بعدين ...

قمر ... أرجوك ِافهميني ....



- وش عاد يهمك أنت ؟ وش دخلك أصلا ؟

و الا مستكثر أو مستخسر بسام علي ؟؟




اندهش ، و استاءت تعابير وجهه ، و هز رأسه نفي ،

و شاح بوجهه عني ...





هبت نسمة هواء باردة و منعشة ... و بدأت الستائر تتراقص ...

و تطتيرت بعض الأوراق داخل المكتب ...

اسرعت شوق تلملم الأوراق و ترتبها على طاولة المكتب،

و صارت قريبة من الشرفة لحد ما ...





- سلطان ....





ناديته بصوتي الحزين الراجي ...

التفت لي ، و رد علي بحنان ...




- لبيك ؟





بدت غترته و كأنها رح تطير مع هبوب النسيم ،

شالها و حطها على طاولة كانت موجودة بيننا ،

و حط العقال فوقها ... و السبحة الفضية معها ...


و رد يقول لي :


- نعم يا قمر ؟ آمري ؟






أخذت نفس عميق ، تهيأ لي من شدته أني خلّـصت

أنسام الهواء اللي عبرت علينا ...

كتمت النفس بصدري لحظة ... و طلّعته ،

مع صوتي ، مع بقايا شجاعتي و جرأتي ،

مع سيول دموعي و آهاتي ، مع مرارة عذابي و حرارة نيران صدري ...

طلعته معهم كلهم ، دفعة وحدة ، في كلمة وحدة ،

و نظرة وحدة ، و نفس واحد ...


- أحبك .....








أتوقع ، لو كان قدّامي ذاك اليوم جبل من الجليد ... كان انصهر ....





تبعثرت حروف الكلمة ... مع تبعثر جزيئات الهواء ... في كل اتجاه ...

وصلت لآخر الآفاق ... وصلت لأبعد الكواكب ... وصلت لأعمق البحار ...

لكن لأذنه ما وصلت ... لقلبه ما وصلت ... لمشاعره ما وصلت ....





ما قدرت رجلي تظل شايلتني ... ارتجفت ... فقدت التوازن

ارتميت على الكرسي اللي مع الطاولة ، و حنيت راسي فوقها ...





حسيت بالدنيا كلها تظلم بوجهي ...

الشمس اللي غابت ما عاد ترجع ...

الطيور اللي هاجرت ما راح ترد ....

نسمات الهواء اللي تبعثرت مستحيل تتجمع مرة ثانية ....






وصلتني و أنا بها الوضع ، ريحة شذية ... أعرفها زين ....

كانت غترة سلطان عند راسي مباشرة ، و عليها العقال و السبحة ...

كان عطره يفوح منها ...

عطره يثير في نفسي شعور غريب ... ما اقدر أوصفه ...

رفعت راسي بالقدر اللي يسمح لي اشوف الغترة ...

و برقت بعيني السبحة الفضية ...



كانت السبحة رفيقة يده دوم ... ما مرة شفته إلا وهي بيده تتمايل ...

على كل فص منه مطبوعة بصمات سلطان ....



- قمر ...



انتفضت على صوته يناديني ، رفعت راسي و طالعت به ...

كان مازال واقف بمكانه مثل الجبل الفولاذي ....




- لا تضيعي مشاعرك على شخص ما عاد يستحقها ...

ما استاهل ...





جيت أبي أوقف ، فيه شي يشدني إني أحط راسي على

الطاولة مرة ثانية بدل ما أقوم

قاومته ، و وقفت ... و شفت نفسي أقول دون تفكير :





- ولو ما كنت تزوجت ...؟؟


تردد شوي ، و بعدها قال :


- لكن أنا متزوج و الأمر منتهي ، ما عاد يفيد التلكين ...


قلت باصرار و عناد :


- و لو ما كنت أنت متزوج ؟؟؟


ما جاوبني ، صمته استفزني ..

. و قلت و أنا عيني مثبته بعينه أحاول أقرأ منه أي تعبير ...

أي اشارة ...


- سؤال واحد بس ، و جاوب بصدق و بلكلمة وحدة بس ،...

تحبني ؟





ظل يناظرني ... و غمض ثوان ...

و كأن ما يبي يشوف أثر الكلمة على تعابير وجهي ...

لسانه ما نطق بها ... لكن صمته أكدها بشدة ...




الى هنا ، قررت أنسحب ... أختفي ... ما عاد فيه شي ينضاف ...



جيت أبي أمشي ، اطلع من الشرفة ...

و وقع بصري على الطاولة ... و الغترة فوق الطاولة ...

و السبحة الفضية تبرق فوق الغترة ...



ما دريت بنفسي ، شفت ايدي تتحرك ...

تمتد صوب السبحة ... تمسك بها ...

تقبض عليها بين أصابعها ... تاخذها ...



درت بعيني صوب سلطان ،

و هو واقف يشاهدني و أنا آخذ السبحة بجرأة ...

و عيني تقول في نظراتها :

( صارت لي ) !




و جا رده بابتسامه خفيفة ارتسمت على وجهه :

( صارت لك ) !






دخلت المكتب ، كانت شوق واقفة عند الطاولة ،

بعد ما رتبت الأوراق فوقها



ما ادري ، اي جزء من كلامنا قدرت تسمع ...

لكني متأكدة أنها شافت السبحة الفضية

و يدي تدخلها بالشنطة ، و سمعتني و أنا أقول :




- يالله نرجع ....


* * * * * * * * *



من مواضيعي :