عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 08/11/2010, 08:54 AM
صورة لـ عمرم
عمرم
مسافر
مسافر
 
: خواطر وشجون ذوي الإحتياجات الخاصة


(6)

من أم الى أم



صديقنا باسم.. طفل في مثل سنكم يحب اللهو واللعب..وله أصدقاء كثيرون.. وهاهو ذا في الساحة القريبة من بيتهم، مع ثلة من الأولاد.. اعتادوا أن يجتمعوا معا بعد عناء يوم دراسي، ليشبعوا رغباتهم الطفولية في اللعب والمرح.. وها هو يلهو ويلعب، وصدى ضحكاته البريئة يتردد، وبينما هو في غمرة فرحه وسروره .. تغيرت ملامحه فجأة.. وعلت ملامح الغضب على وجهه لتطرد تلك الابتسامة التي كان يرسمها على شفتيه:
ماالذي جاء بك الآن..؟ألا تعلم أن لا أحد يحب اللعب معك؟

كانت كلماته تلك موجهة إلى أنس الذي ترقرقت الدموع في عينيه.. وحاول أن يجيب ولو بكلمة، ولكن دموعه خنقته فتوكأ على عكازيه بعصبية.. وكأنه يعبر عن حقده وغضبه على مجتمعه الذي يوجه اليه نظرات تحمل السخرية أحيانا … واللا مبالاة أحيانا….. والشفقة في أحسن الأحوال….لا لذنب اقترفه سوى أن قدره قد حكم عليه أن يستعين بالعكازين ليعوضانه عن قدمه التي لا حراك فيها..

وانتبه أنس من أفكاره على صوت زياد محاولا اصلاح الموقف:لا تغضب يا انس أرجوك.. وأنت يا باسم لا يجوز لك هذا.. أنس ولد محبوب ، اجتماعي أيضا ولا يحب اللعب منفردا.. فما المانع من أن يشاركنا اللعب مثل بقية الأولاد…

ضحك باسم بسخرية قائلا: حسنا .. له ان يلعب معنا ان استطاع.. هيا نلعب لعبة سباق الجري.. من منكم يسابق أنس يا أولاد؟
ضج الأولاد بالضحك وأحس أنس بضحكاتهم ضربات عنيفة تصفعه بقسوة ونظراتهم الساخرة سهاما موجهة الى قلبه الصغير..
وبدأت الدموع تسيل من مقلتيه بغزارة وتوكأ على عكازيه بقوة معاودا الى بيته.. هاربا من نظراتهم القاسية..وضحكاتهم الساخرة وقرر أن ينزوي في غرفته وحيدا مع عكازيه هاربا من مجتمعه الذي مازال ينقصه الكثير الكثير من التفهم لحالته وحالة أقرانه…

تابع الأولاد لعبهم وبعد أن أعياهم التعب وأرهقهم اللعب توجه كل منهم الى بيته لا يقوى على شيء..
وغادر باسم الساحة جاريا الى بيته.. وقدماه تتحركان بسرعة في حركة رياضية رشيقة وبينما هو على حاله هذه، اذا به يسقط بين عجلات مسرعة مما جعله يفقد وعيه في التو، وراح في غيبوبة.

أفاق باسم من غيبوبته فوجد نفسه ممدا على سرير أبيض ومن حوله أهله وأصدقاؤه،، وتبادر الى مسامعه كلمات تتردد من كل الاتجاهات(حمدا لله على سلامتك يا باسم).

ومن بين الوجوه المحيطة به استوقفه وجه ملائكي بريء.. انه أنس.. وعاد باسم بذاكرته الى يوم أمس وعادت الأحداث تمر أمام ناظريه وكأنه يراها الآن وصدى ضحكات الأولاد مازال يتردد في أذنيه.

يا الهي كم كنت قاسيا عليه…. بل كم كنت ظالما بحق نفسي.. لربما … لربما …. يكون قد أصابني ما أصاب أنس نتيجة الحادث.. وانتفض جسده بشدة، وطغت مشاعر الخوف على نفسه، حرك باسم أطرافه بخوف وهلع، لقد تحركت ولله الحمد…كان من الممكن أن تصاب قدماي.. أو يداي.. أو أي جزء من جسمي … فأصبح مثل أنس أو غيره…. يا الهي ما أعظم حكمة الله، لقد تعلمت درسا قاسيا، نافعا جدا … إن كل ما أصاب غيرنا من الممكن جدا أن يصيبنا وبأسرع مما نتخيل. فلم نقسو عليهم؟ فلنعاملهم وكأنهم مثلنا تماما، بل انهم فعلا كذلك.....
إذ أن لهم إرادة قد تفوق إرادتنا نحن.

وقطع أنس حبل أفكاره عندما مد يده له وهو يقدم له وردة جميلة… ويرسم على شفتيه ابتسامة تحمل العديد من المعاني السامية.

مد باسم يده ليأخذ الوردة…وترقرقت الدموع في عينيه ثم أجهش بالبكاء

اعدتها للانترنت :الخصائية سهى (الاردن) .بقلم: إحدى الأمهات المستفيدات من برنامج البورتيج – الأردن
نشرة البورتيج العدد 3/ شباط 2000م – احدى اصدارات الصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية.المصدر شبكة الخليج



من مواضيعي :
الرد باقتباس