الموضوع: فتاوي للتائبين
عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 28/06/2012, 11:12 AM
معتز عبدالله
مُشــارك
 
: فتاوي للتائبين

لا تستطيع قضاء ما تركته من الصيام لضعفها

السؤال:

أنا عمري 24 سنه ، علي أيام كثيرة كنت أفطرها في رمضان ، ولم أكن أصومها ، يعني : كنت أفطر لظروف 8 أيام من سن 12 لغاية 24 سنه . وحلفت بالقسم بالله كثيرا لن أعمل كذا ثاني ، ولكن لم أصم . وأنا ضعيفة صحيا الصوم يتعبني ، ورمضان بصومه بالعافية ، ومش عارفه أعمل أيه في الأيام اللي علي . وأنا لا أعمل ، وليس في يدي أي دخل مادي أطعم به المساكين ، وأهلي هم الذين ينفقون علي . ياريت تساعدوني ، أنا حسبتها وجدتني هصوم أكتر من 100 يوم غير رمضان ، وده صعب علي صحتي جدا .



الجواب:
الحمد لله:
أولا: اعلمي أيتها الأخت الكريمة أن الله عز وجل فرض صيام رمضان على عباده فقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 ، وحرم فطره إلا من عذر شرعي كالمرض والسفر والحيض ، قال تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185
ثانيا : لم يتبين لنا من سؤالك ما هو العذر الذي لأجلته تركت الصيام في رمضان ، والأمر لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون ذلك بسبب عذر شرعي من حيض أو مرض أو سفر ونحوه من الأعذار الشرعية التي أباح الله لأجلها الفطر ، فلا إثم عليك حينئذ لفطرك ، لأنه فطر لعذر شرعي ، ولكن كان الواجب عليك قضاء تلك الأيام ، وعدم تأخيرها بحيث يدخل رمضان آخر قبل أن تقضي ما عليك من رمضان السابق .
وعليه : فالواجب عليك التوبة مما صنعت ، وقضاء تلك الأيام الواجبة عليك ، ولا يلزم فيها التتابع ، فيمكن أن تقسمي صيامها وتفرقي بينها بحيث لا يشق عليك مثل ذلك ، كما يلزمك إطعام مسكين عن كل يوم وذلك لتأخيرك قضاء الأيام التي عليك حتى دخل رمضان آخر .
فإن لم يكن عندك من المال ما تطعمين به ، أو تخرجينه في الكفارة : فلا شيء عليك .
الثانية : أن يكون ذلك من غير عذر شرعي ، تفريطا منك وإهمالا ، فمن أفطر في نهار رمضان متعمداً لغير عذر فلا يخلو من حالين:
الأول : أن يترك صوم يوم من رمضان فأكثر من أصله ، فلا يشرع في صيامه ابتداء ، فهذا يأثم بفطره وتلزمه التوبة ولا يلزمه القضاء عند بعض أهل العلم ، لأن العبادات المؤقتة بوقت معين متى ما تعمد الإنسان تأخيرها عن وقتها بغير عذر ، فإن الله عز وجل لا يقبلها ولا فائدة من قضائها ، والواجب عليه التوبة مما اقترف من تعدي حدود الله سبحانه وتعالى ؛ وإنما الواجب عليه التوبة النصوح ، والإكثار من الخيرات والأعمال الصالحات .
الثاني : أن يشرع في صوم يوم من رمضان ثم يفطر في أثنائه متعمداً بغير عذر ، فهذا الواجب في حقه التوبة إلى الله وقضاء ذلك اليوم .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى - :
عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر ؟ .
فأجاب بقوله :
" الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر ، ويكون به الإنسان فاسقاً ، ويجب عليه أن يتوب إلى الله ، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره ، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم ، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره ؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض ، فيلزمه قضاؤه كالنذر .
أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر : فالراجح : أنه لا يلزمه القضاء ؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً ، إذ إنه لن يقبل منه ، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " ؛ ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل ، وتعدي حدود الله تعالى ظلم ، والظالم لا يقبل منه ، قال الله تعالى : ( وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي : فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه ، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً " . انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19 / السؤال رقم 45 ) .
ثالثا :
متى ما عجز الشخص قضاء ما عليه من رمضان ، لكون عذره مستمرا كالمرض الذي لا يرجى برؤه لزمه أن يطعم عن كل يوم مسكينا ، سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
امرأة أفطرت شهر رمضان بسبب الولادة ، ولم تقض ذلك الشهر ، ومرَّ على ذلك زمن طويل ، وهي لا تستطيع الصوم ، فما الحكم ؟
فأجاب :
" الواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله مما صنعت ؛ لأنه لا يحل للإنسان أن يؤخر قضاء رمضان إلى رمضان آخر إلا لعذرٍ شرعي ، فعليها أن تتوب ، ثم إن كانت تستطيع الصوم ولو يوماً بعد يوم : فلتصم ، وإن كانت لا تستطيع : فيُنظر ، إن كان لعذر مستمر : أطعمت على كل يومٍ مسكيناً ، وإن كان لعذر طارئ يرجى زواله : انتظرت حتى يزول ذلك العذر ، ثم قضت ما عليها " انتهى .
( 19 / جواب السؤال رقم 361 ) .
رابعا :
الواجب على المسلم حفظ أيمانه وعدم الإكثار من اليمين قال تعالى : ( وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) المائدة/ من الآية89 ، ومتى ما حنث في يمينه لزمته الكفارة قال تعالى : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ..) المائدة/89
فلا يصح التكفير بالصوم ، إلا لمن لم يجد ما يطعم به عشرة مساكين ، أو يكسوهم به ، أويعتق رقبة .
وينظر جواب السؤال رقم (45676) لمعرفة كفارة اليمين على التفصيل .
خامسا :
متى ما عجر الإنسان عن الكفارة ، بحيث لم يستطع قضاء ما عليه من الأيام التي أفطرها في رمضان ، ولا الإطعام عنها ، أو عجز عن كفارة اليمين بالكلية : سقط عنه الإطعام والكفارة ؛ لما تقرر من القاعدة الشرعية أن الوجبات تسقط بالعجز .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا لزم الإنسان كفارة يمين ولم يجد ما يطعم ، ولم يستطع الصوم ، فإنها تسقط عنه ؛ لقوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، وقوله : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) ، ولا يلزمه شيء ؛ لأن من القواعد المقررة أن الواجبات تسقط بالعجز عنها إلى بدلها ، إن كان لها بدل ، أو إلى غير شيء إذا لم يكن لها بدل ، وإذا تعذر البدل سقطت عنه نهائياً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" .


ومما ينبه عليه هنا : أن هناك فرقا بين العجز الحقيقي عن الصوم ومجرد خوف المشقة ، والإنسان مؤتمن أمام الله عز وجل على ذلك ، فعليه أن يتقي الله في ذلك ، ويعلم أن الله عز وجل مطلع على سره وحقيقة أمره ، ويعلم إن كان عاجزا حقيقة أو متذرعا بذلك لترك ما أوجبه الله عليه من الكفارة ، قال تعالى : ( قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران /29 .

والله أعلم.

موقع اسلام سؤال وجواب




من مواضيعي :
الرد باقتباس