الموضوع: فجعت قلبي
عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 23/12/2006, 10:05 PM
صورة لـ زهرة الخزامى
زهرة الخزامى
ودود
 
رد: فجعت قلبي

~ خاتمة الذكرى ~




الحلقة الحادية عشرة



* * * * * * * * * * * *



ما أظن ، أن فيه فاجعة و مصيبة ممكن تمر على إنسان ، أعظم من اللي مرت على
صديقتي و حبيبتي قمر



وفاة بـسـّـام ، كانت أفظع من انه يتحملها أي قلب بشري ... أنا ما أعرف
التفاصيل لأني ما شهدتها معهم ، و لا

أبي أعرفها ...



الحمد لله ، أني ما كنت معهم ذاك اليوم ...



الفترة اللي تلت الحادث المفجع كانت أفجع و أمر ...





قمر قضت شهور ، تتنقل بين البيت و المستشفى في حالة انهيار عصبي و نفسي حاد و
شديد ... كنت ملازمة

لها طول الوقت ، و أشوفها تموت قدامي يوم بعد يوم ...









فيه مرات كنت أنام معها ، بالبيت أو المستشفى ... و كانت ، تصحى من النوم بعز
الليل فجأة ، مذعورة

مفزوعة و تصرخ ...









-( سلطان غرق ؟؟؟)

( بسـّــام وينه ؟؟؟)

( سلطان لا تموت)

(سلطان تنفس)

(باكسر الجدار)

( سلطان لا تروح)

(سلطان تماسك )

(سلطان أحبك)












سلطان و سلطان و سلطان ، طابور من السلاطين ، و اللي كتمتهم في صدرها طول
هالسنتين ، تفجروا و طلعوا

كلهم غصبا عليها ... في هذه الأزمة ...







كنت آخذها بحضني و أحاول أهديها ، كانت تصيح و تقول لي :






- (أبي أشوفه يا سلمى ، قولي لشوق تخليني أشوفه )





أنا أبكي و هي تبكي ، لين تتعب من البكاء ، و ترد تنام ...






كم كنت غلطانة ، لما اعتقدت أنه طلع من قلبها خلاص ...





هذا و هو حي ، ما مات ، و هي جنت لأنه شافته على وشك الموت ...






لو كان مات ؟




يا ليته كان هو اللي مات ، و ظل بسام ...






الحين قمر انقذت زوجك يا منال ، و هي ترملت ....










أول ما شفت شوق بعد الحادثة المفجعة ، ما تمالكت نفسي ... كانت جاية تبي تشوف
قمر ، بالمستشفى ...




أنا شفتها عند الممر ، قبل ما تدخل الغرفة و بس طاحت عيوني عليها ولـّـعت فيها
...







صرخت بوجهها و اتهمتها أنها المسؤولة ، مع أن ما لها يد في اللي صار بس و أنا
أشوف قمر قدامي مثل

المجنونة ... فقدت كل أعصابي ... تهاوشت معها هوشة حقيقية و منعتها تدخل الغرفة
، و أنا اصرخ :





- (وش تبون بعد أكثر ؟ موتوا الرجـّـال و رمـّـلوتها و فجعتوها و عشتوا أنتوا
...

ابعدوا عنها الله لا يبارك فيك يا سلطان ، الله لا يهنيك يا سلطان ،

الله ياخذك و يريحنا منك يا سلطان الزفت )











بعدها ، علاقتي بشوق تدهورت ، و كل وحدة راحت لحالها ...





ظلت قمر على ذا الحال بين انتكاس و تحسن ، لين جابت ولدها اليتيم الوحيد ( بدر
)


في البداية انتكست حالتها أكثر ، لكن مع مرور الأيام ... بدا ولدها يثير
انتباهها و اهتمامها شوي شوي ،

و بدت تتعلق به كلما كبر ....








طبعا زواجي أنا و يوسف تأجل إلى أجل غير مسمى ، و في الواقع ما تزوجنا إلا بعد
ما مرت سنة ، من الحادث

المشؤوم ، و لا قمر ، و لا شوق ... حضروا الزواج .





*
* *
*








ما كانت الفاجعة بس مقتصرة على قمر ، كلنا انفجعنا ...




أخوي سلطان ظل بالمستشفى 12 يوم ، جاه التهاب رئوي حاد ، و احتاج يدخل العناية
المركزة و ينحط تحت

الملاحظة ثلاثة أيام .









كانت قمر، و هي بعدها بالمستشفى ، تطلع و تجي تشوفه من وقت لوقت






ما شكلها استوعبت أن زوجها مات ، إلا بعد فترة ... كانت في بداية الصدمة ،
مهووسة بس على سلطان ...




و كانت سلمى بعد تجي تلقي عليه نظرة ، لكني ما أنسى نظرة الشماته الوحشية اللي
كانت تنبعث من عينها ، بكل

كره و بغض ... و قسوة ...








سلمى كانت تمنعني أشوف قمر ، كل كرهها لأخوي سلطان صبته علي أنا ، و صرت أنا
أمثل سلطان قدامها ،


و بدت علاقتنا تتدهور بشكل سريع ... و في النهاية تجمدت ...









اختلت الموازين عندنا بالبيت و انعفس النظام ...





الشعور ، بأنه هو حي لأن قمر انقذته ، و لأنها انقذته هو تركت زوجها يغرق في
البحر و تصير أرملة ، هذا

الشعور ذبح أخوي سلطان أكثر مما ذبحه الغرق ، و الالتهاب الرؤي الحاد ...






أما منال ، و اللي عرفت ( من هي ) ، حبيبة سلطان الأولى ، و اللي هي نفسها ،
اللي انقذت زوجها من الموت

بالتالي من أنها تترمل ، و ولدها يتيتم ، و اللي ترملت هي بدورها في لعبة قدر
فظيعة ، و تيتم طفلها قبل ما

ينولد ، ما كان منها إلا انها استسلمت بلا إرادة ، لأي شي يكتبه القدر و يقرره
عليها ، مهما يكون .....










سلطان أخوي , ما قدر يشوفها ... ما قدر حتى يقول لها كلمة شكر ، أو كلمة تعزية




عاش بعذاب ... و مرارة و حزن طويل ... حالته كانت أصعب من أن يتحملها انسان ...
لدرجة أن ...


في مرة من المرات ، صحـّـتني منال من النوم آخر الليل ، و هي تبكي و ما لها حال
... و قالت لي :



- (خله يشوفها يمكن ترد له روحه ، بيموت إن ظل على ذي الحال )









ما كان أخوي يسألني عنها ، ما كان يجرأ يسألني عنها ، لكن أنا كنت أطمنه عليها
كلما تطمنت أن حالتها تحسنت شوي ...






قمر ما عاد رجعت بيت أهل زوجها ، و بيتها الجديد اللي كان ينبني باعوه على حاله
...




رائد و ماجد ، فقدوا (أبوهم ) مرة ثانية ، و ها المرة بشكل أعنف ...



كانوا لابسين ملابس عوم ، بالتالي ظلوا طافين على سطح البحر ، ماسكين بأخوهم
الكبير اللي ما يعرف يسبح ،

لين طغى الموج ، و فلت منهم ... و غرق ....







احنا ما شفنا اللي صار له و لا كيف صار ...



ياسر كان ماسكني ، و أنا عيني على نواف كلى كتف أمه و هي تحاول تسبح صوب الساحل
... ، بعدها ياسر

شال الولد و أنا مسكت منال ، و صار ياسر يسبح بسرعة و احنا نسبح وراه ...







كان هو أول واحد وصل الساحل و الولد على كتفه ، حطه على الرمل و جا بسرعة
يمسكني ...




قبل ما نوصل البر ، شفت قمر و هي تسحب سلطان لين وصلت الشاطي ... صرخت ...




- (أخوي سلطان غرق)






شفتها و هي تهز فيه ... تنعشه ... تحضنه ... تصرخ ... ( لا تموت يا سلطان )

(سلطان حبيبي رد علي )








أتعجب ، كيف قدرت أتذكر مثل هالتفاصيل في مثل ذاك الوضع ؟


يمكن الحين ، بعد ما هدأت الأمور و استقر الوضع ، بدت ذاكرتي تستعيد الأحداث
....





أذكر ، لما وصلنا للساحل ، و جينا نركض صوب سلطان ... كان هو جالس ، و عنده
واقفه قمر ... تطالع حواليها ... جت عينها على عيني ، بس ما كأنها شافتني



نظرتها كانت تايهة ... ما كأنها موجوده ... كأنها لاشيء ...


و بعد ثانيتين أو ثلاث ، انهارت قمر فاقدة الوعي ...






منال أول ما وصلت الساحل راحت لولدها و شالته عن الرمل و ضمته لصدرها بقوة ...



و جت بعدها لعندنا و سلطان ماسك قمر على ذراعه و هو جالس بمكانه ما تحرك يحاول
يصحيها



- (قمره ... قمره ... )





و احنا بها الوضع ، ما جا ببالنا أن فيه ثلاث أشخاص من اللي كانوا معنا ما
ظهروا

لين وصلنا بعد شوي صياح الولدين ، و هو عايمين في البحر ...



- ( لحقوا علينا ... بسام غرق )






قمر كانت آخر وحدة عرفت أن بـسـّـام غرق ...

كانت آخر مرة شافته فيها وهم وسط البحر ...

مع ذلك ، هاجسها كان بأن سلطان حي ، أكبر من هاجسها بأن بسـّـام مات ...







من أول لحظة ، لما بدأ القارب يهتز فجأة ، و احنا متمسكين به بالقوة ، وقفت قمر
فجأة و صرخت :


- (اقفز يا سلطان ) ...




سنتين و هي ما تطيق يجي طاريه قدامها ، و تتظاهر بانها نسته و حتى كرهته ... و
أنا صدقت أنه ما عاد يعني لها شي ...


لكن يوم الحادث ...


ما كان همها إلا أنها تنقذ سلطان من بين كل الموجودين ....






أخوي عايش ، لأن قمر انقذت حياته ...



و هذا اللي مستحيل ننساه يوم من الأيام ....





*
* *
*









سافرت قمر مع أخوها ثامر ، يكملوا دراستهم برّى ، و معها طبعا ولدها اليتيم بدر
...

و مرت سنين ، و انقطعت الأخبار ، و انشغل كل واحد بحياته ، و اندفنت ذكريات
الحادثة المفجعة تحت أكوام

و أكوام من الحوادث اليومية ، و انسيت أو بالأحري تتوسيت ... و ما عاد أحد يجيب
ذكرها أبدا ....

*********************

~ عودة القمر ~




الحلقة الثانية عشرة



* * * * * * * * * * *









- روح مع خالك ، و هو يشتري لك .




طالعني ولدي (بدر ) باستنكار ، يبيني أنا أروح معه ، بس رديت قلت له :




- خلاص حبيبي أنت الحين صرت رجـّـال و لازم تساير الرجال !




شكله اقتنع ، و ابتسم ، و قال :


- زين يمـّـه ، بس لا تنسي اللي وعدتيني به ؟


ابتسمت له و قلت :



- حاضر ، يالله روح الحين قبل ما يمشي عنك ...







و راح يركض بكل عفوية و بكل براءة ...

ولدي بدر خلـّـص 11 سنة من عمرة ، و بكرة باسوي له ( حفلة ميلاد ) للمرة الأولى
بحياته ..

بصراحة ، كان هدفي من الحفلة هو أنا نعزم أهلنا و أصحابه الجدد ، عشان يتعود
عليهم و يتقرب منهم ،

بعد ما قضى عشر سنين و كم شهر برى البلد ...








ما صار لنا غير فترة قصيرة من ردينا للبلد ، و دخل المدرسة المتوسطة ، كل شي
بالنسبة له جديد ...






ولدي بدر ، صار يعني لي كل شي بالدنيا ... الدنيا كلها ...



فقدت حبيبي ، و فقدت زوجي ، و رحلت عن بلدي و أهلي و ناسي ... ما ظل لي إلا
وليدي ...




و صرت أشوف الحياة بس عن طريقه هو ...




اتصلت بـ سلمى ، و عزمتها و أولادها على الحفلة ، و أكدت لي أنها رح تكون من
أول الواصلين ،

و ما كذبت خبر ... !











- ماشاء الله على ولدك يا قمر ! اللي يشوفه ما يصدق أن عمره 11 سنة ! ما اعطيه
أقل من 15 سنة ! الله

يحفظه لك !






قالت سلمى و هي تناظر ولدي ، وسط بقية الأولاد...


بدر طالع ضخم البنية ، مثل أبوه الله يرحمه ، و كان لابس ثوب و غترة ، و يتصرف
تصرفات أكبر من

عمره .. و أحس بفخر لما أشوفه ... الحمد لله ، الله عوضني به خير ...







- بس تصدقي متعلـّـق بي تعلق الأطفال بأمهاتهم للآن ؟





قلت لسلمى ، و طالعتني و هي ترفع واحد من حواجبها و تنزل الثاني ، و تبتسم بمكر
:




- هو اللي متعلـّـق بك ؟ و الا أنت اللي مهووسة به ! ها قمر ؟






ضحكنا ، ضحكات صادقة ، مثل الضحكات اللي كنا نضحكها أيام الدراسة ، قبل عشر
سنين ...




ما كأن عشر سنين و زود ، فصلت بيننا ... سلمى هي سلمى ، و قمر هي قمر ...



أما شوق ....







- ذكرتيني بالأيام اللي راحت ! لما كنا نجلس بالساعات ، أنا و أنت ِو شوق ،
نسولف و نضحك

بكل سعادة ... أيام الجامعة ! تذكرين ؟






- أكيد ...

- يا ترى وش أخبارها ؟

- الله أعلم ...







بسرعة ، وجهنا أنظارنا للأولاد ، ما نبي نرجع للوراء و نذكر الماضي ... خلنا
نطالع قدام ... المستقبل ...










بعد ما خلصت الحفلة ، و ولدي أخذ كفايته و زود من الانبساط ، و ثامر و أبوي و
أمي راحوا غرفهم ،

ظلينا أنا و بدر وحدنا ....










- ها بدري ! مبسوط ؟

- كثير ! مشكورة يمـّـه ...

- يالله حبيبي نروح ننام !






سكت شوي ، مع أن عيونه ظلـّـت تتكلم ... ، لين رد قال :


- ما نسيت ِشي ؟





ابتسمت له ، كنت أعرف أنه ينتظر على نار ... و قمت ، و طلعت العلبة من الخزانة
، و عطيتها له ...



- تفضل يا عين أمك يا أنت ! و هذه الهدية اللي طلبتها ! آمر بعد ؟






أخذ بدر العلبة بسرعة ، و فتحها بسرعة ، و طلع الـ ( هاتف الجوال ) و هو شوي و
يطير من الفرح ...




كان يتمنى واحد من زمان ، و انا ما بغيت أجيب له ، و ادري أنه ما يحتاج له ...


بس ، وش يسوى ( جوّال ) مقابل لحظة يعيشها في حضن أبوه ؟

أبوه اللي مات قبل ما ينولد ... لا عمره شافه و لا عمره عرف معنى كلمة أب

لو أملك الدنيا كلها ، و يطلبها وليدي مني ما أتأخر عليه ...







ناظرته و هو فرحان ، فرحة تسوى الدنيا و اللي فيها ، و طالع فيني ، يبي يعبر عن
شكره ،

و جا صوبي و ارتمى بحضني و ضميته بقوة ...







صرت أقبل جبينه و راسه و أنا فرحانه لفرحه ، فرحانه أكثر أن الناس كلهم مدحوا
فيه و باركوا لي عليه ...









و أنا أقبـّـل راسه ، فجأة ... داهمني شعور غريب ....










تسللت لأنفي ريحة ... ريحة عطر ... من الغترة اللي كانت على راس بدر ...







حسيت كأن جسمي تكهرب و سرت به رعشه ... معقول ؟ ... معقول ...؟؟؟






جا وليدي يبي يبتعد عني ، ضميته لي أكثر ... و صرت أتشمم غترته ... أتأكد ...
من الريحة ...


الله يا زمن ... !







بعـّـد وليدي عني شوي ، و طالعني باستغراب ، و رديت قربت راسه من أنفي و أخذت
أنفاس طويلة ،

واحد ورى الثاني ... مو مصدقة ... هذا حلم ... ؟؟






- يمـّـه ؟؟ خير ؟





سألني بدر و هو مستغرب ...





- بدر ... من وين لك هذا العطر ؟

- عجبك يمـّـه ؟ اشتريته مع خالي !








شلت الغترة من على راسه ، و قربتها من أنفي و شميتها مرة بعد مرة ... و ما دريت
بدموعي تسيل على

خدي ... ، و على شفايفي ... تعبير حائر ... ما هو عارف ... هل هي لحظة سعادة و
الا حزن ؟

هل أبتسم و الا أبكي ... ؟؟؟







- يـمـّـه وش فيك ؟


طالعني بقلق ... و طالعت به و أنا ما ادري وش الشعور اللي غلبني ساعتها ...





- هذا العطر ... شمـّـيته من قبل ... قبل سنيــن ... قبل ما تنولد أنت يا بدر
...





تعجّب بدر ، و سألني :


- عطر من ؟ ... أبوي ؟






طلعت مني آهه غصباً علي ، الكلمة تهز قلبي و ترج جسمي كله ، لا طلعت من لسان
ولدي اللي

ما عمره عرف وش معناها أصلا ...



- يمـّـه أنت ِبخير ؟




هزيت راسي ، نعم بخير ... و الغترة بعدها عند وجهي ...





- ما هو أبوك الله يرحمه ... شخص ثاني ... كان يستخدم نفس العطر ... من قبل 13
سنة ...

- صحيح ، البيـّـاع قال أنه عطر أصلي و قديم ! بس ريحته اعجبتني ...

يمـّـه من هو ؟







سالت آخر دمعة على خدي ، و مد بدر يدّه و مسحها ، و هو بين المستغرب و بين
القلـِـق و الحيران ...




- خلاص بدر ، يالله نروح ننام تأخـّـر الوقت ...



اعترض بدر ، و قال بالحاح ...



- يمـّـه قولي لي ؟

- خلاص حبيبي ، خذ الجوال و رح غرفتك ...






ما أبي أذكر شي ...

ما أبي أفتح الجروح ....

ما أبي أحيي الذكرى الميتة ...

سلطان انتهى ...

سلطان اندفن ...

سلطان غرق ... وسط البحر ... ذاك اليوم ...












رحت لغرفتي ، و الغترة معي ، و معها ريحة عطر سلطان ... للحين ما نسيته ، بعد
كل هذه السنين ... !


وش جيبك يا ذكرى الحين ؟


تاه قلبي في ذكرى الماضي ... ذكرى العذاب ... ذكرى الألم ...


آه يا سلطان ...


يا ترى وين أراضيك ...؟


يا ترى عايش و الا ...


يا ترى تذكرني ... ؟


إيه يا زمن ....











ما تصورت أني بعد كل هذه السنين و العمر ، بـ أرد أذكره ... و من ريحة عطره ...



... الله ... ... ... يا سلطان ...










تمددت على سريري ، و الغترة بحضني ، عند قلبي ، و على وجهي ...

اسحب منها ريحتها ، و تسحب مني دموعي ...





تقلـّـبت كل المواجع و كل الآهات ...

و أنا أحاول ابعثر الذكرى اللي سيطرت علي ، بعدت الغترة عن وجهي و شحت به ناحية
اليسار ...

و طاحت عيني ... على واحد من الأدراج ...

الدرج اللي احتفظ فيه بعلبة خاصة ما فتحتها من سنين ...










تملكتني الرغبة العارمة ، و قمت ، و فتحت الدرج ، و طلعت العلبة ...

كانت علبه مجوهرات ...

و بداخلها ... كان فيه ... عقد به حجر بالمنتصف ، منقوش على ظهره :

(( حبيبتي قمر حلوة )) ....





و بداخل العلبة بعد ، كانت متبعثرة 33 خرزة ( فص ) فضية ....







*
* *
*






بعدما هدني حبيبي و قال لي ...... ناوي أخطب وحدة من ناسي و هلي

لا تكدري خاطرك أو تزعلي ..... الزواج حظوظ و حظك ما هو لي

صرت أدور عن حبيب فاضي لي ... غايتي أنسى حبيبي الأولي

كفكفي دموعك يا عيني و اجعلي ... باب قلبك منفتح للي يلي

أي واحد يعرض الحب أقبله ....... حتى لو أدري بكلامه مجامله

ما يهمني وين قلبي أرسله ......... المهم حبي الحقيقي اقتله

له قبر باحفر و بيدي بادفنه ......... و انثر أزهار الغدر في مدفنه

خله يروي الأرض بدموعه و أنا ...... بارتحل لقلب غيره و اسكنه

و انكتب من بعد هجره لي نصيب ... واندفن قلبي مع ذاك الحبيب

ما شغل بالي نصيبي وش يجيب ؟ ... ملتهب جرحي و محتاجه لطبيب

ويلي عيـّـا القلب ينسى نظرته ....... وهو كاشخ لي و لابس غترته

عطره عايش في نسيمي لـمتى ؟ . ... حظها لا قامت تشمه حرمته !

كنت أظن بانساه في كم يوم يمر ..... مرت شهور و سنين و مر عمر...

لين جا يوم ٍحضنت ابني بدر ... كان أشم في غترته نفس العطر !

رجعت الذكرى في بالي للورى ... و انفتح بعد الدهر ذاك القبر

و انبعث محبوبي من تحت الثرى ..... قلبه نابض ما فناه طول الصبر

سالت العبرة على خدي و بكيت ... لسـّـه حبي عايش ٍفي المقبرة

حتى عطره لحد يومي ما نسيت ... حتى صوته و حتى همسه أذكره

و ولدي يمسح بيدينه عبرتي...... وش بلاها أمي تشمم غترتي ؟!

بدر يا روحي و غاية مهجتي ..... آه لو تسمع خبايا قصّتي ...

يا ولدي خل الجراح مسكرة ...... ما بي افتح قلبي ما بي أذكره

مدري وش صار بحياته وش جرى ؟ ..... يفتكرني و الا ناسي يا ترى ؟؟

يا ولدي حبيت قلبه و حبّني ......... في النهاية خذ له غيري و سابني

ما ادري وش حصل بها وش عابني ؟ .... ما سال وش صار لي وش صابني؟

كل حياتي و كل كياني كان له ...... تالي خلاني وحيدة مذلله

ما رحم فيني الدموع السايله ........ و الشعور اللي بقلبي شايله

عطره هيّج حبي اللي أكننه ........... ليت أشوفه ، ليت أشمه و احضنه

لو يرد لي لو بعد إمية سنه ............ كان أحطه في فؤادي و اسجنه






*
* *
*










( هبه ) ، هي بنت أخوي سلطان الوحيدة ، و اللي جابها بعد تسع سنين ، من ولادة (
نواف ) ، و البنت الوحيدة

و أصغر طفلة في عيلتنا حاليا . الحين هبه في الثالثة من عمرها و أخوي و منال
متعلقين بها و يدللوها دلال ما

شافه أخوها الأول و الوحيد ، نواف ...








و لمـّـا يكون عنده عمل طويل ، كثير ما كنت آخذها و نروح نمر عليه هو و ياسر
بالشركة .






اليوم ، اثنينهم رح يتأخروا الى الليل ، و انا بأجازة في الوقت الحالي ، و أخذت
هبه ، و رحت بها لمكتبهم ...










- هذه شكلها رح تصير إدارية مثلك يا سلطان ! وش رايك تكتب الشركة باسمها أو
تورثها لها بعد عمر طويل؟



قال ياسر يمزح ، و ضحكنا كلنا ...






- متى راجعين ؟ جت الساعة سبع و نص ! و بعدين أنا مسوية طبخة حلوة و لازم تتعشى
معنا يا سلطان !





رد أخوي :




- خلال ساعة نكون خالصين إن شاء الله ، اذا بغيت ِتروحي روحي بس خلي هبه عندي
...





ابتسمت ، و قلت :



- تراك مدللها بزيادة يا أخوي ! الله يعينك عليها إذا كبرت !





شالها بحضنه و صار يقبلها بسعادة كبيرة ، كانت من أروع الصور اللي شفت فيها
أخوي ، أب يحضن طفلته

الصغيرة الحبوبة ، و هو واقف قدام النافذة المفتوحة ، و بعض الأنسام تداعب
شعرها الأملس .... و البدر

المكتمل يرسل نوره حوالينا بكل غرور ....

الله ...

و لا أجمل من ذي صورة !







- اصبر سلطان ! باجيب كاميرا و أصورك ترى المنظر حلو بالمرة !





قلت بمرح ، و جلسنا نضحك بسعادة ...




بعد شوي ، جا أخوي يلم أغراضه عشان نروح . و على وحده من الطاولات كان فيه
أرواق و طرود ،

أظنهااشياء البريد اللي وصله اليوم .




راح أخوي و القى عليها نظرة تفحص ، و توقف و دقق نظرة استغراب في وحدة من العلب
...





- يالله سلطان خل البريد لبكرة !




قال ياسر و هو يفتح الباب يبي يطلع و أنا جايه صوبه ، لكن سلطان ، و هو شايل
هبه على كتفه ، ترك شنطته

العملية من إيده ، و أخذ ذيك العلبة و بعض الرسايل ، مصر يفتحها لآخر لحظة ....







فتح أخوي العلبة ، و احنا جالسين ننتظره بطوله بال ...


و لو تشوفوا تعابير الذهول اللي طلعت على وجهه فجأة ... تقولوا هذا شايف
جني...!








فجأة التفت للورا ، صوب النافذة ، كأنه سامع أحد يناديه ، و طالع في القمر ...





... أنا استغربت ، و اندهشت ، اش ممكن يكون شاف داخل العلبة ؟؟





العلبة كانت صغيرة ، بحجم (شريط كاسيت ) تقريبا ، وش ممكن يكون داخلها ...؟؟؟





- وش بلاك يا سلطان يالله باموت جوع ؟




قال ياسر ، و التفت لنا سلطان ، و طالع بي بذهول ... ، ما فهمت معنى نظرته ، و
سكـّـر العلبة و دخلها بشنطته

و طلع معنا ...







فيه شي تغير ، ما حسيته على بعضه ، حتى و احنا على العشاء ما أخذ بنته يأ ّكلها
بنفسه كالعادة ، عطاني اياها و

صار ياكل شوي شوي ، و بشروذ ...






أنا طبعا فضولي وصل حده ، و انتهزت أول فرصة لقيتها ، و رحت ، و فتحت شنطة
سلطان خلسة ....





شفت العلبة و طلعتها ، و انا التفت يمين و شمال خايفة أحد يشوفني ، فتحت العلبة
شوي شوي ... و اندهشت ...







ما كان داخلها غير ( فص فضي ) ، و ورقة مكتوب عليها :



(( القمر يبلغك السلام ))








*
* *
*








بعد ثلاثة أشهر ، في مرة من المرات ، و بشكل غير متوقع ، سألني أخوي فجأة :


- قمرة رجعت البلد ؟






طالعت في أخوي ، و أنا كلي اندهاش ، يمكن ما سمعته زين ؟



- إيش قلت أخوي ؟؟




و رد علي بنفس النبرة :



- قمرة رجعت البلد ؟؟؟





ظليت أناظر به ، نظرة بلهاء ، كأني وحدة غبية أو ما تفهم اللغة ... من كثر ما
أنا متفاجأة من السؤال ...


- ... أي ... قمرة ... ؟؟





سألت ، و أنا أبي أقنع نفسي أني ما سمعته زين ، أو أنه يقصد شي ثاني ...



- قمر صديقتك ... ردت البلد و إلا ما عندك خبر ؟






أكيد كان يقصد قمر نفسها ، ما غيرها .... !





- ... قمر ... صديقتي زمان ؟





طالع بي بنفاذ صبر من ( استهبالي ) ، لكن ...




- ... وش جابها على بالك الحين ؟؟؟






أخوي ، مد إيده بجيبه ، و طلـّـع علبة صغيرة ، و فتحها قدّامي ....





داخل العلبة ، كان فيه أربعة فصوص فضية ، مثل الفص اللي شفته قبل ثلاث شهور ...
و جنبها سلسلة

فضية ....





أخوي ، أخذ السلسلة و صار يدخل بها الفصوص واحد ورا الثاني ...





الحين بس ، لما شفت الفصوص في السلسلة ، تذكرتها ....





طالعت بكل معاني الدهشة و الذهول و الاسغراب الشديد ... هذه ... سبحة أخوي
سلطان ، اللي كانت عنده قبل

13 سنة ، و اللي أذكر ... أن قمر أخذتها منه يوم رحت أنا معها له في مكتبه ذاك
يوم .... ! ! !







قمر ... سافرت قبل أكثر من عشر سنين .... و أخبارها عني انقطعت ....




و أنا ... بعد كل اللي صار في الماضي ، ما تجرأت اتقصى عنها و عن أخبارها...


و الحين ... ما اقدر اتجرأ ...




*
* *
*






فيه شي تغير في سلطان ... الرجـّـال ما هو بطبيعته الأوله ...



الشروذ صار يرافقه أغلب الوقت ... و البهجه تهل عليه بشكل ملحوظ و غريب ، كلما
وصلته علبة جديدة ، من

العلب اللي صارت تجيه نصف كل شهر ... !





يفتحها ، و يبتسم ، و تشوفه يرتخي فجأة و تنبسط كل عضلاته ، و يسبح في بحر من
الشروذ ... تقول

( مخدرات ) و العياذ بالله !







اليوم ، جالس على أعصابه ، ينتظر البريد ، ينتظر ( الفص المخدر )






- وش فيك يا سلطان ما انت على بعضك ؟

- ولا شي ياسر ... خليك بحالك .

- يا رجـّـال ! اللي يشوفك يقول عاشق غرقان في الحب !

- ياسر ما لي مزاج لتعليقاتك الساعة ، أجلها شوي ...

وش رايك تنقشع عني الحين ؟








وشوي ، و وصل البريد ، و وصل معه الفص الفضي ، و تهلل وجه الرجّال و صار غير
اللي كلمني قبل
شوي ... !




- ياسر ، وش رايك نروح نتعشى الليلة بمطعم ؟ على حسابي ؟

- سبحان مغير الأحوال !





ابتسم ، و أخذ الفص رقم 30 ، و دخله في السلسلة ... و قال :


- باقي ثلاثة ...


- سلطان ، أبي أقول لك شي ، تراك مجنون يا أخي ...






ما عبرني ، بعده في نشوة المخدر !


- سلطان ، أقول لك تراك جنيت ، و لازم تروح المستشفى !





انتبه لي فجأة ، كأني قلت شي خطير ، و طالعني بنظرة ادراك ، يمكن أوحيت له
بفكرة كانت غايبة عن باله ؟


- المستشفى ....






قالها ، و ابتسم ، و أخذ نفس طويل ، و رجع لحالته الأولى ، الطبيعية ، انتهى
تأثير المخدر ....


- و بعد ما تكتمل السبحة ؟





سألته ، بس ما رد علي ... أنا بديت أخاف عليه ، أنا متأكد أن هذه من علامات
الجنون المبكرة ، و يا ليتنا نلحق

عليه قبل فوات الأوان ... !







- سلطان وش تفكر فيه ؟ بعد ما تخلص السبحة ؟

- يكفيني .. أني أحس بها موجودة حواليني ، في مكان قرب أو بعد ... بس هي
حواليني ...

- أنت مجنون من جد يا سلطان ، المره يمكن تزوجت واحد ثاني و عشان كذا تبعث لك
الفصوص ، مثل ما

بعثت السلسلة ليلة زواجها من بسام ، الله يرحمه ... تذكر ؟







يا ليتني ما قلت اللي قلته ، ثار سلطان بوجهي :





- اسكت يا ياسر اسكت ، خلني اتهنى لحظة من عمري ، اسكت يا ياسر و اطلع برى لو
سمحت ...

حتى لو تزوجت عشر مرات ... قمرة عايشة بأنفاسي أنا...

روحها هي اللي تحركني ... أنسامها مازالت بصدري من ذاك اليوم ...








لما رجعت البيت ، قلت لشوق :




- أخوك سلطان مريض ، و رح ينجن ، و لازم تشوفي له طبيب نفساني ...







*
* *
*








ثلاثين فص ، في ثلاثين شهر مروا ... و قمر موجودة بمكان ... بس ما بغيت أسأل
عنها ...







أكيد ردت البلد ... لكني ما ودي أشوفها ... ما أعرف بأي وجه و أي تعابير أقدر
ألتقيها ... بعد أكثر من عشر

سنين .... من الفاجعة المشؤومة ...









إش الهدف ... من أنها ترسل الفصوص ؟ ما أدري ...



هل هي بنفسها اللي ترسل الفصوص ؟ بعد مو متأكدة ...





اللي متأكدة منه ، أن أخوي سلطان زي ما قال ياسر .... قرّب ينجن !





أظن هذا رح يكون حكمكم عليه لما تعرفوا وش اللي صار .... !







*
* *
*








كان اليوم نصف الشهر ... الواحد و الثلاثين ، و سلطان كالعادة جالس ينتظر
(الجرعة) التالية ....





انتظر ... و انتظر ... لكن الجرعة تأخرت ....




و الرجّال صار ما له حال ...





تأخر الوقت بالليل ، و ما وصلتنا العلبة المنتظرة ....




أنا بصراحة كنت تعبان ، و قلت له :



- يالله أنا ماشي ، ما بتروح ؟





صار يناظر الساعة ... بقلق و ضيق صدر ... و تالي قام وراح بنفسه يتأكد من صندوق
البريد ... و ما لقى شي ...






اتصلت عليه زوجته بعد شوي تسأل عنه و ليه متأخر ، و سمعته يقول لها إنه يبي
يروح مشوار و يرد بعدين ...






رجعت أنا البيت ، و قلت لشوق أنه أخوها مو بعلى بعضه ... و أن القمر ما سلم
عليه الليلة !






شوق كانت قلقة ، لكنها ما علقت على الموضوع ...



يوم ثاني ، كان أسوأ و أسوأ ....


أنا قلت يمكن البريد متأخر أو حصل خلل أو شيء ... و أكيد القمر بيوصله اليوم !



اللي صار ... أن اليوم عدى ، و عدت بعده أيام و أيام .... و رحل الهلال ... من
غير سلام ...










سلطان كان مثل المجنون .... كل شوي يسأل عن البريد ... يدخل يفتح الصندوق ، و
يطلع يفتحه ...

أعصابه صارت مشدودة و تركيزه متشتت ... و كل اللي بالعمل ، و أكيد بالبيت ،
لاحظوا ....







كان ينتظر الشهر الجديد ... يمكن القمر نسى الشهر الماضي ، و جل ما لا يسهو ؟




لكن ... اللي صار ... أن البدر اكتمل ... و ما سلم عليه ...



في ذاك اليوم أنا كنت مو موجود بالمدينة ، طالع مشوار عمل ... و شوق و حدها مع
الأطفال بالبيت ...







*
* *
*






كانت الساعة وحدة الليل ... و كنا نايمين ، و رن جرس الباب ....





صحيت من النوم مفزوعة ، من يمرنا هالساعة ؟؟؟




زوجي ياسر ما كان موجود ، و مستحيل يكون هو رد و ما معه مفاتيح البيت ....





الجرس ظل يقرع باصرار و أنا قمت من سريري متوجسه ... و رحت أبي أطل من النافذة
أشوف من يكون ؟



في نفس اللحظة رن الهاتف ، و طلع رقم جوال أخوي بالكاشف ...



رفعت السماعة و كلي خوف ... وش صاير ... ؟ الله يستر ...




- ألو ..

- هلا شوق ، أنا عند الباب ...

- عند الباب ؟؟؟

- افتحي شوق ....






طليت من النافذة و قدرت أشوف سيارة أخوي ، و أنا أرد عليه ..



- طيب تفضل ...











ثواني ، و كان أخوي قدامي ....


مثله ... مثل شبح ... مثل مومياء ... و الله أني ما أنسى حالته ذي ... طاح قلبي
يوم شفته حسبت صار شي


بالأولاد أو منال ...





بلعت ريقي و همست بصوت مختفي ...



- خير ؟؟





تنهد أخوي ، قال يطمني ...



- بسم الله ... لا تخافي شوق ما صاير شي .... كلنا بخير ...




ما تطمن قلبي ... رديت أسأله :


- وش فيه ؟؟









فجأة ، ارتمى على الكنبة ... و سند ظهره عليها بتثاقل ... و رفع راسه و غمض
عينه ....و مسح براحه إيده


على جبينه و هو يتأوه بألم ....







أنا ظليت واقفة مثل التمثال ... مذعورة ... و لساني مو قادر يقول شي ....




فتح عينه و قال لي ... بدون أي مقدمات ....




- قمر رجعت الديرة ؟ وين هي ؟






انفجر قلبي بنبضة قوة كبيرة ، بعد انحباس .... و سرى دم حار متوهج بجسمي كله
... و ما قدرت ركبتي


تشيلني ...







جيت و جلست جنبه اجمع شوية أنفاس ... و اهدىء نفسي من الفزعة ....




طالعت فيه ، و أنا صامته ... للحين لساني مشلول ... لكن نظراتي كانت تعبر بكل
شرح و توضيح ....






أخوي ظل يناظرني و يقرأ تعابير وجهي ... طبعا ... الموقف صاير فوق مستوى
التبرير ... و أنسب تعليق كان

له ... هو شلال من الدموع فاضت من عينه قطّعت قلبي قبل تقطع طريقها على خدينه
....








مسكت راسه و قمت أمسح الدموع ... و مد إيده و مسك إيديني ... ونطق ... بالجملة
الأخيرة اللي قدر ينطق


بها لسانه ذيك..ليلة..





- أرجوك شوق ... شوفي لي وين هي ...؟؟؟

******************


~ و تجدد اللقاء ~


الحلقة الثالثة عشر


* * * ** * * * * *








أخيرا قرر أخوي ثامر أنه يتزوج ، بعد ما مرت سنة و نص من رجعنا البلد و أمي تلح
عليه كل يوم !



و الاختيار كان على وحدة من معارفنا القدامى...





حفلة الخطوبة رح تكون عقب كم يوم ، و الوالدة ما خلت أحد بالديرة إلا و عزمته !





في الواقع انشغلت كثير أواخر الأيام .... و قررت آخذ أجازة كم يوم ...





ولدي بدر ... صار ما بين كل يومين ثلاثة يروح يتغذى أو يتعشى أو حتى يبات في
بيت جدته ، أم بسام الله

يرحمه ...






الولد صار يتعلق بعمينه ، ماجد و رائد كل يوم بعد يوم ... خصوصا بعد ما قرر
ثامر أنه يرتبط ...






الولدين اثنيهم يدرسوا بالجامعة ، و فارق السن بينهم و بين بدر حول تسع سنين
... بس صاروا عنده أقرب

أصحابه...







بصراحة ... أنا بديت أقلق ...


كبر الولد ... و صار شوي شوي يبتعد عني و يتعلق بأصحابه ... و بالأخص عمينه ...




أكيد هذا الشي الطبيعي ... لكن ... أنا اللي وضعي مو طبيعي ...ما أبي ولدي
يبتعد عني ... هو كل اللي بقى

لي من الدنيا ....





بُعد بدر عني أواخر الأيام ... يمكن أعطاني فرصة إني ... إني... أفكر
في...سلطان..



آه يا سلطان ....





*
* *
*






من ليلتها ... ليلة ما جاني أخوي بذيك الحالة ، و أنا أحاول ... مع أنى و الله
ما ودي ، بس ... أحاول أشوف

طريقة التقي فيها بقمر ...






ودي بس أسألها ... هي ليه تسوي كذا ؟ و إيش قصدها من بعث فصوص السبحة بهذه
الطريقة ؟؟؟






الفرصة جتني من الله ، يوم عزمنا بعض معارفنا على حفلة خطوبة بنتهم ، لثامر ...
أخو قمر ... و شفتها

فرصة ذهبية ... و لازم أحضر الحفلة ...









توقعت ... في ذي الحفلة ... طبعا باشوف .... سلمى !




بعد ما تهاوشت معها قبل سنين ... قطعت علاقتي بها ... و في المرات اللي التقينا
فيها صدفة بشكل أو بآخر ...

كل وحدة منا كانت ... تتجاهل الثانية ...





منال بعد كانت معزومة ، بس طبعا ما فكرت تروح ...


أخوي لما عرف مني عن الحفلة ، قال لي :




-( اتصلي علي أول ما ترجعين لي بالخبر ... )





رحت الحفلة و أنا قلبي مقبوض ، كنت متوترة ... و من أول ما وصلت ، لقيتهم
بالاستقبال !






*
* *
*






مبسوطين و مستانسين ، كنا بأمان الله ، أنا و قمر واقفين عند المدخل نرحب
بالمعازيم ، و معنا قرايب قمر و

العروس ...



و فجأة ، ظهرت في الصورة ... شخصية صدمتني ! ...





- مساء الخير ...



قالت ( شوق ) .... نعم شوق بعينها ... و هي جاية تدخل الصالة ....




أنا ... ما تكلمت .... بس ظليت أدقق النظر أتأكد ... هي و إلا غيرها ؟؟؟



و جت وحدة من أهل العروس ترحب بها بحرارة ....


ناظرت قمر ....


ما شكلها استوعبت ... لأنها كانت واقفة تطالع بنظرة استغراب !





لفت شوق صوب قمر ... ابتسمت ... و ردت تقول :


- مساء الخير ... قمر !... مبروك ...




و مدت إيدها تبي تصافحها....





قمر ... مدت إيدها ببطء و تردد .... و أخيرا لامست يد شوق ... و سلمت عليها ...




- كيف حالك ... يا قمر ؟

-... بخير ... الحمد لله ... تفضلي ...






البرود ... اللي ساد الأجواء ذي اللحظة ... خلاني أحس بقشعريرة تسري بجسدي ...



التفتت شوق صوبي ... تبي تسلم علي ...



صافحتها ... ببرود الثلج ... و بابتسامة مجاملة باهتة ... و لا كأننا كنا في
يوم من الأيام ... أقرب الصديقات و

أحب الأخوات ....





النظرات الصامتة الرهيبة...تبادلناها احنا الثلاث....




ثلاث صديقات ... كانوا يوم من الأيام ... زميلات بالجامعة .... من أعز الناس
على بعض ... ياما كنا مع

بعض ... نروح و نجي مع بعض ... ناكل و نشرب مع بعض ... نسولف و نضحك مع بعض ...
نحزن و

نبكي مع بعض ...







الحين ... و بعد ما مر على تفرقنا حول 13 سنة ... ردينا اجتمعنا مع بعض في مكان
واحد ....





كل وحدة تناظر الثانية ... بمنتهى البرود ... كأنها تتعرف عليها للمرة الأولى
...




اجتمعنا احنا الثلاث ... للمرة الأولى ... بعد كل ذاك العمر ....





الدكتورة قمر.... أخصائية أمراض أورام أطفال ....

الدكتورة شوق ... أخصائية أمراض عيون ...

و الدكتورة سلمى ... أخصائية ... ... ... طبعا حزرتوا ؟؟؟








أخصائية أمراض و جراحة المخ و الأعصاب ....!





من يوم ما صار لقمر ذاك النزيف بالمخ و أنا مهووسة بجراحة الأعصاب زي ما انتوا
فاكرين !











- تفضلوا يا جماعة ليش واقفين عند الباب !






جا صوت قريبة العروس .... شتت نظراتنا الباردة ... و بدد الأجواء الصامتة
الرهيبة اللي سيطرت علينا ....




دخلنا وسط القاعة .... احنا الثلاث و معنا قريبة العروس ... و جلسنا حوالين
مائدة وحدة ....



بدت قريبة العروس تتكلم بمرح و احنا نتجاوب معها ، بشكل ( شبه طبيعي ) و كل
وحدة منا تحاول تتجاهل

نظرات الثانية اللي ( من ذاك النوع ! )




و زي ما اقتضى الحال ، عرفنا عن أخبار بعض بشكل ( غير مباشر ) !








*
* *
*









كانت الطريقة اللي استقبلتني بها قمر .... أبرد من الجليد ...



حتى ... ما سألتني أي سؤال عن أحوالي ... و أخباري ...



تكلمنا و كأننا نشوف بعض للمرة الأولى ...



أنا كنت أحاول بين جملة و الثانية اسأل و لو بطريقة غير مباشرة ... عن أخبارها
و وين صارت تشتغل و متى

ردت البلد ...





طلعت في النهاية ببعض المعلومات ....



في الواقع ما مداني أجلس معها كثير ، دقايق و قامت تستقبل ضيوف جدد ... و لا
ردت جلست معي عند نفس

الطاولة ....




قمر ... شكلها ما تغير كثير .... نفس الوجه النحيل ... و العيون العميقة
النظرات ... و الصوت الدافيء

الشجي ....




و حتى سلمى ما تغيرت كثير ... و دايما ... تعابير قلبها معكوسة على وجهها زي ما
كانت الأول .....

قدرت أشوف تعابير الأستياء ... و المجاملة الباهتة اللي حاولت تخفي بها ذيك
التعابير ....







مرت ساعة و نصف ... و صار لازم أطلع ، و أنا للآن مو قادرة اجتمع مرة ثانية
بقمر ...




طبعا لا هو الوقت المناسب و لا المكان المناسب ، عشان أسالها ذاك السؤال ...

بس بغيت ... أدبر أي شي ، و لا أطلع بخفي حنين !







انتهزت فرصة عبورها قريب مني ، و قمت و ناديتها ...

- قمر ....






التفتت لي ، و نظرتها ممزوجة استغراب و نفور و تجاهل ...



- نعم .......؟

- أنا باطلع الحين ... بغيت أسلم عليك ...

- تو الناس .......

- عندي بعض المشاغل ....

- أهلا و سهلا ....

- إن شاء الله زواج مبارك و الله يوفق لهم .....

- مشكورة و الله يبارك فيك .......








كل هذا كلام عادي و فاضي بعد ، الحين جاي الكلام المهم !







- بس ... بغيتك تزورينا عاد و نسولف مع بعض شوي !





الحدة اللي ناظرتني بها بغت تخليني اعتذر عن هالطلب !

بلعت ريقي و ابتسمت أبرر :




- من زمان ما شفناك و وحشتنا سوالفك ... أتمنى تزوريني أي يوم يناسبك ! وش رايك
بالخميس الجاي ؟






رغم أني شفت علامات الرفض على وجهها ، لكني أصريت ... هي حاولت تتعذر بأكثر من
عذر ، و مع

إصراري أخذت منها وعد بأنها تزورني في أقرب فرصة مناسبة ....





الحمد لله ، على الأقل طلعت من هالحفلة بوعد ...... و إن كان .... وعد مجاملة
...








لما رديت البيت ... اتصلت على أخوي سلطان و لقيته ينتظرني على نار ...




- نعم شفتها و كلمتها ، و عزمتها تجي تزورني قريب ...

- متى ؟

- ما ادري يا سلطان زين منها قالت : يصير خير ....






سكت أخوي شوي ، و تالي سأل :



- هي بخير ؟

-.... نعم ... بخير و مبسوطة لخطوبة أخوها ...





رد سكت شوي ، و سألني تالي :


-.... تزوجت ؟؟؟

- و الله ما ادري ! ما جا طاري ذا الموضوع ... بس لا جتني باعرف أكيد ...






و أنا ببالي ... تزوجت أو ما تزوجت ... بإيش عاد يهمك يا سلطان ...؟؟

و بإيش تفكر ... ؟؟؟






خلها ... للأيام ....





*
*




الأيام تمر ... و أنا انتظر أي اتصال من قمر ... دون فايدة ...



و أخيرا اتصلت أنا بها أذكرها بوعد الزيارة ... و اعتذار بعد اعتذار ، لين في
النهاية انحرجت و قررت تجيني

في يوم معين ...




و جا اليوم الموعود .......






*
* *
*





وصلت بيت شوق .... اللي ما جيته من سنين و سنين .... تغيرت فيه أشياء كثيرة



و عرفت أنهم يبنون لهم بيت ثاني ....



ما كنت أبي اجي و اسمح لذكريات الماضي أنها تظهر من جديد ...



بس إصرار شوق أحرجني و خلاني أجيها غصبا علي ، و الله يستر ... !











اللقاء كان طبيعي و عادي جدا طول الوقت ....

سألنا عن أخبار بعض ... أخبار البيت و الأطفال و العمل ...

و شفت أولادها ... ولدين اثنين ... ما عندها بنات ، و عرفت أن ( منال ) جابت
بنت وحدة بعد ( نواف )








الأمور مرت طبيعية لين جيت أبي أتصل على السواق يجيني ، لما قالت لي فجأة ...





- قمر ودي أسألك سؤال ... إذا سمحت ...؟؟

- خير ؟؟؟






و من ملامح وجهها عرفت أن الموضوع ... ... ... ؟




- سبحة سلطان لسه عندك ...؟؟؟








تفاجأت ... و وقف قلبي ... حاصرتني بزاوية ما قدرت أهرب منها

وقفت و كملت اتصالي و كلمت السواق يجيني ... و حاولت اشغل نفسي بترتيب عبايتي
علي ....




مسكت الشنطة ، و مدت شوق إيدها و مسكتها ... و طالعتني بنظرات كلها ألم ...
كلها رجاء ... كلها

عتاب ....




- قمر الله يخليك ... سلطان أخوي تعبان ... لا تسوين فيه كذا ....






و لا تكلمت بكلمة وحدة ... و شوق ... واصلت كلامها بنبرة حزينة ...





- أنتِ أنقذتِ حياته في يوم من الأيام ... أرجوك ... لا تدمريها ...



- مع السلامة






قلتها ، و طلعت .... أنتظر السواق عند الباب ...

ما كنت أبي شوق تشوف دموعي اللي تفجرت بعيني ...

اللي تدمرت هي حياتي أنا ... مو حياتك أنت يا سلطان ...

الفصوص كانت توصل له ... و تأثر بها أكيد ...




سلطان أنت تألمت ؟؟



خلاص .... ما عاد أظهر بحياتك مرة ثانية ... و بقية الفصوص ... باتخلص منها و
انتهينا ....





*
* *
*







النهاية ذي ما أقنعت أخوي سلطان ، لكنها على الأقل ريحت باله بعد حول سنتين من
العذاب ... مع ذيك

الفصوص ...الحين صارت الشهور تمر ، و لا يعني له يوم النص منها شيء ... و لا
عاد فيه قمر ... يسلم

عليه ....







القصة بكذا وصلت لـ ((( النهاية ))) أخيرا ، و الحمد لله ............










الشي الجديد اللي شغل بال أخوي و بالنا كلنا هو هبة ...

صحتها أواخر الأيام صارت في تدهور ... دوم رافضة الأكل ، دوم خملانة ... دوم
تعبانة أو مريضة ...

كأنها عين و صابتها ، بعد كل خفة الدم و المرح و الحيوية اللي كانت عليها ...







كنت بالمستشفى ، لما وصلتني مكالمة من ( منال ) تقول لي أنها موجودة بقسم
الطوارىء و معها هبه ،
و الطبيب يقول عندها جفاف و محتاجة تنويم كم يوم ...





جيت بنفسي للطوارىء و شفت بنت أخوي ، كانت بالمرة تعبانة ، تقول أمها صار لها
يومين ما تاكل شي و

عندها (اسهال و تقيؤ) ... أخوي ما كان موجود ، كان بالعمل ...







تنومت هبه مع أمها بالمستشفى و بدت حالتها تتحسن شوي شوي ...




أخوي طبعا فزع لما عرف أنها بالمستشفى و جا مثل المجنون ... بس الحمد لله
حالتها صارت أفضل ... نزلة

معوية و تعدي على خير إن شاء الله ....










بعد يومين طلعت من المستشفى بصحة طيبة ... و استعادت نشاطها كم يوم ، قبل ما
ترجع تتدهور مرة ثانية

أسوأ من اللي قبلها ... و تتنوم من جديد ...









أخوي عاد ما كان له حال .... ما كان يقدر تصيبها ذرة غبار ... و كل شوي يقول لي
توصي بها و وصي

عيلها الأطباء ... و هم مو مقصرين ...







بعد ما استقرت حالتها ... شاف الطبيب أنه يسوي لها فحوصات أشمل ... اللي خلاني
حاطة إيدي على قلبي ...

و كاتمة أنفاسي ... لين صرخت بكل قوة ... صرخة هزّت جدران المستشفى ... و كسّرت
النوافذ ... و زلزلت

الأطوابق ... لما قال لي عقبها بيوم ...





- ( سرطان الدم ..)..







طحت ... و ما دريت بحالي ...


مستحيل ... مستحيل يكون ... صحيح ... فيه خطأ ... هبة بنت أخوي ... البنت
الوحيدة ... دلوعة العيلة ...

مهجة قلوبنا كلنا ... عندها ... سرطان في الدم ....؟؟؟ !!!









*
* *
*








تشخص مرض هبه بنت أخو زوجتي ... على انه ... سرطان في الدم ...



و حلت المصيبة على العيلة ... و بغى سلطان يموت يوم عرف ...



أخذها لمستشفى ثاني ... و سووا لها نفس التحاليل ... و جت بنفس النتيجة ...




و الرجال انهبل ... و العيلة كلها انفجعت ... و لا أقول ... غير إنا لله و إنا
إليه راجعون ....







أحيلت هبة بتحويل عاجل إلى أكبر مستشفى بالمنطقة ، إلى قسم أورام الأطفال ...


ما اقدر أوصف لكم الحال ... اللي كانت هي ، و أمها و أبوها ... و عمتها و كل
أهلها عليه ...






ما قدروا يتخطوا مرحلة الصدمة ، و يبدأوا مرحلة التصديق إلا بعد فترة ...


كانت غمامة سودا عاتمة كبيرة ... استحلت سمانا و أظلمت ديانا ... و ظلت مغطية
عنا النور ... شهور ...

و شهور ...







أمس دخلت هبة المستشفى الكبير ... و اليوم رح يشوفها الأخصائي و يقرر العلاج






*
* *
*






الدكتور ( هيثم ) – زميلي في التخصص – كان بأجازة و رح يرد بعد كم أسبوع ... و
كنت

المسؤولة عن كل المرضى في الوقت الحالي ...







كنت أراجع بعض نتايج التحاليل لمريض جديد محول علينا من مستشفى ثاني ...

لما سمعت صوت الباب يندق ...




- تفضل ...

- مرحبا دكتورة ....... هذا والد المريضة الجديدة ...





كانت الممرضة ، كنت طلبت منها تجيب والد أو والدة المريضة معها ...

رفعت عيني من على الأوراق ... و طالعت صوب الباب ...









شخصين اثنين ، غير الممرضة ... كانوا واقفين ...

امرأة ... و رجال ...

شوق ... و سلطان ... !










تجمدت نظراتي ... ما ادري أنا أتخيل .... ؟؟ أتوهم ...؟؟؟





طاح القلم من إيدي فجأة ...


و نزّ لت عيني في الملف بالغصب ... أبى أدور اسم المريضة ...

و شفته ... ( هبه سلطان ) ...






- تفضلوا ...




قالت الممرضة ... و سلـّـم سلطان ، و جا جلس على الكرسي قدام المكتب ... و ظلت
شوق ...

متجمدة عند الباب ........








التفتت الممرضة لشوق و هي تأشر لها على الكرسي ( تفضلي ؟ ) لكنها ظلت متيبسة
بمكانها ...




الله لا يوريكم مثل هالموقف ...






ما ادري ... أنظاري كانت تطالع في الأوراق اللي بين يديني ... و إلا تخترقها و
تخترق الطاولة ...

و تطالع برجلي اللي صارت ترتجف مثل يدي ... ؟؟







حاولت ... أرفع عيني صوب شوق ... ودي بس أتأكد ... هي شوق اللي أعرفها أو غيرها
؟ لكن ...





- طمنينا يا دكتورة فيه شي جديد بالتحاليل ؟





جا صوت سلطان ....

كان يكلمني ؟ أكيد كان يكلمني ...

هذا سلطان ؟ طبعا ... هذا سلطان ...

أنا مو بحلم ؟ مو خيال ؟

معقول ؟؟؟

معقول ؟؟؟




الاوكسجين خلّص من الغرفة فجأة ، لأني شوي و أختنق ...

التكييف انقطع فجأة ...

لأني شوي و اخترق ...

المطر نزل فجأة ... أحسه يبلل جسمي كله ... و شوي ... و أغرق .....




هذا سلطان ...

سلطان نفسه ...

العسل ...

قدامي الحين !

إنتوا تشوفوا ؟

قولوا لي ... هو و الا مو هو ؟

يشبهه ؟

الصوت ، الشكل ، الهيئة ... الإحساس اللي أحسه لا كان قريب مني ...

أنا قلبي مستحيل يتوه عنه ...

هذا سلطان أكيد ...

شوي و يغمى علي ...

أرجوكم امسكوني ....











ما أدري كيف ، هزيت رأسي ... ففهم مني أنه ما فيه شي جديد ...



- و العلاج ؟ ممكن ؟ موجود هنا أو أسافر برى ؟ الحالة ذي شفتوا زيها قبل ؟
عالجتوا مثلها ؟

ممكن تطيب زي أول ؟؟؟





هزيت راسي ... ما فيني صوت أتكلم ...






سلطان كان يتكلم بنبرة هلع ... نبرة فزع ... خوف و قلق ... أمل و يأس ... تصديق
و تكذيب ...

و الله كل هالمشاعر كانت تنبعث من صوته و كلماته في اللحظة نفسها ....







- متى نبدأ العلاج ؟ اليوم ؟ و كم يطول ؟ و رح ترجع طبيعية مثل أول ؟

ترى ما عندي بنت غيرها أرجوكم لا تتأخروا عنها ...








لها الحد ... و شوق ما قدرت ... انفجرت بصيحة مكبوتة فجأة ... و التفتنا كلنا
صوبها ...

و شفتها و هي شوي و تطيح ...






و رحت بسرعة ... و بسرعة فتحت ذراعيني و أخذتها بحضني ...

بلا شعور ... بلا إدراك ...

و صرت أطبطب عليها و أنا أبكي معها ...





لا تلوموني ...

أنا قبل ما أكون طبيبة ... إنسانة ... و صديقة ... و في ها اللحظة بالذات ...
صديقة في وقت محنة ...







- عيدوا التحليل يمكن ما يطلع صحيح ...




قالت شوق و هي تبكي بمرارة ... أنا ما أذكر وش رديت ...





- ما أدري من وين طلعت لنا هالبلوة ...

- يكفي شوق ... يكفي ...






هل كنت أواسيها أو أواسى نفسي ...؟؟؟ ما أدري .....





- الله يخليك قمر سووا أي شي عشانها أي شي ...

- أكيد ... أكيد ...





بعد ما هدأت شوق شوي ... قلت :



- خلينا نروح نشوفها الحين ...








شوق طالعت بسلطان ... اللي كان جالس على الكرسي ... و الله يعلم من فيهم أجمد
من الثاني ...؟؟؟




وقف سلطان ببطء ... و وجه نظراته صوبي أنا ...

و للمرة الأولى ... تلتقي نظراتنا ...







للمرة الأولى .... بعد فراق كل ذيك السنين ....

التقت نظراتنا .. في موقف فاجع ... مثل ما افترقت في موقف فاجع ... قبل ... 13
سنة ....




كانت نظراته مذهولة ...


أنا ... بسرعة طالعت صوب مقبض الباب ... و مديت يدي ... و فتحته ...



سلطان ... الحين أدرك أنا من أكون ... بس يمكن ذهول المفاجأة ... أو يمكن هول
المصيبة

اللي هو فيها ... ما خلاه يقدر يعبر ... بأي كلمة ...













طلعنا إحنا الأربعة ... أنا و شوق و الممرضة و سلطان ... و رحنا لغرفة هبه ...






رجلي بالكاد كانت تحملني ...

ودي أنهار ...

ودي أطيح ...

ودي أصرخ لا ... لا ... لا ...







بس مسكت حالي ... و حركت رجلي غصبا عليها ... و أجبرت نفسي أني أتظاهر بالتماسك

... كطبيبة ... مع مريض و أهله ...







الانفعالات الثانية محوتها من الوجود و ما عطيتها أي فرصة أنها تظهر ...






دخلنا الغرفة ... و شفت هبة ... الطفلة الصغيرة ... ملمومة بلا حول و لا قوة
... في حضن أمها ...

... منال ... أكثر امرأة كرهتها في هذا الكون ....







عيونها ... من فتحة النقاب ... كانت باينة ... حمراء و متورمة ... و أثر الدموع
ما برحها ....






سلـّـمت ... و سألت عن الأحوال ... و جيت لعند الطفلة أحاول أكلمها و أداعبها
شوي ... قبل الفحص ...



الطفلة بس شافتني قامت تبكي .... و أشرت على أبوها و جا و شالها بحضنه ... و
صار يحضنها

و يطبطب عليها ... و يقبلها .....







أنا بشر ...

و الله مو قادرة أتحمل ...

يا ليتني بحلم و اصحا منه بسرعة ...









بعد كذا فحصت عليها ... و أخذت من أمها و من شوق بعض المعلومات ... و منال ...
ما تدري ...

... من أكون ...









كان كل همها العلاج ... و كل شوي تسأل متى نبدأ و متى تطيب ... و توصيني ببنتها
الوحيدة المدللة ...






طلعت مع شوق و رحنا المكتب ...




تكلمنا كطبيبتين نتناقش بحالة مريض ... و قررت أني أبدأ العلاج بكرة و أعطي
لنفسي و لهم

فرصة استيعاب أني أنا قمر ... باتولى علاج بنتهم ...







و اتفقنا ... أن والد المريضة ... يوقع أوراق الإجراءات الضرورية بكرة ...











ما صدقت أني وصلت البيت أخيرا ...




كان ولدي بدر جالس ( يبني عشة طيور ) بالحديقة – و على فكرة ذي هواية عنده ،
تربية الطيور -

و أول ما شافني كالعادة جا يسلم علي و يحضني ...




- هلا يمه

- هلا حبيبي ...





أخذته بحضني بالقوة ... و حبسته بين ذراعيني لفترة ...

الولد ... على حس أن فيني شي ...






- خير يمه ؟

- خير حبيبي ... ما خلصت العشة ؟

- لا باقي ! ...

يمه فيه شي ؟؟







ابتسمت و أكدت ...





- لا بدري ... ، تغذيت هنا و إلا عند الجدة ؟ ( أقصد أم بسام )

- عند الجدة ، يمه عمي ماجد بيمرني بعد المغرب باروح معه مشوار ...










مشاويره مع عمينه ما تخلص ... أحس أنهم أبعدوه عني ... بس ما فيني قوة أعلـّق
الحين ... قلت باستسلام ...




- طيب حبيبي ... أباروح أرتاح ....








وقبـّـلت جبينه ... و تركته منهمك ببني العشة ...





وصلت داري منهارة تماما ... رميت بجسمي على السرير .... و تأوهت بمرارة ...










يوم القدر ... بعد كل هالعمر ... كتب أنه يجمعني بسلطان ... جمعني به ... في
أسوأ الحالات ... و أسوأ الظروف ........










بكيت بكاء ما بكيت مثله من مدة ...


طلعت الفصوص الثلاث اللي بقت لي من سبحة سلطان ....و شديت عليها بين يديني ...
و قربتها

عند قلبي ... و صحت ....









سلطان ...

سلطان ...

يا رب يكون حلم ...

يا رب يكون كابوس ...

يا رب ما يكون حقيقة ....









شوي ... و اندق الباب ، و جاني صوت ولدي بدر يناديني ...



بسرعة مسحت دموعي و جيت و فتحت الباب ...




- هلا حبيبي ؟

- يمه بس بغيت منك ...






و سكت ... و صار يطالع فيني بقلق ...





- نعم بدر وش بغيت ؟

- يمه أنت بخير ؟

- بخير ... بس قل لي وش بغيت ...؟





طبعا ألح علي ، و قلت له أن وحدة من صاحباتي بنت أخوها مرضت و تتعالج عندي ...
و أنا متأثرة
عشانها ...




- إذا بتتأثرين يمه كذا لا تعالجي ناس تعرفيهم !





هو قالها جملة عابرة ، و أنا أخذتها بجد ... هذا اللي لازم يصير ... أبي أحول
الحالة على الدكتور هيثم

أول ما يرد من أجازته... بس الحين ... ما لي إلا أني أبدأ العلاج ... قبل فوات
الأوان ....



***********************



من مواضيعي :