تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 18

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) (البقرة) mp3
وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ" صُمٌّ " لَا يَسْمَعُونَ خَيْرًا " بُكْمٌ " لَا يَتَكَلَّمُونَ بِمَا يَنْفَعهُمْ " عُمْيٌ " فِي ضَلَالَة وَعَمَايَة الْبَصِيرَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور " فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُونَ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْهِدَايَة الَّتِي بَاعُوهَا بِالضَّلَالَةِ . " ذِكْرُ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ السَّلَف بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ " قَالَ السُّدِّيّ فِي تَفْسِيره عَنْ أَبِي مَالِك عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَعَنْ نَاس مِنْ الصَّحَابَة فِي قَوْله تَعَالَى " فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْله " زَعَمَ أَنَّ نَاسًا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَام مَعَ مَقْدِم نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة ثُمَّ إِنَّهُمْ نَافَقُوا وَكَانَ مَثَلهمْ كَمَثَلِ رَجُل كَانَ فِي ظُلْمَة فَأَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْله مِنْ قَذًى أَوْ أَذًى فَأَبْصَرَهُ حَتَّى عَرِفَ مَا يَتَّقِي مِنْهُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ طُفِئَتْ نَاره فَأَقْبَلَ لَا يَدْرِي مَا يَتَّقِي مِنْ أَذًى فَذَلِكَ الْمُنَافِق كَانَ فِي ظُلْمَة الشِّرْك فَأَسْلَمَ فَعَرَفَ الْحَلَال وَالْحَرَام وَالْخَيْر وَالشَّرّ . فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ كَفَرَ فَصَارَ لَا يَعْرِف الْحَلَال مِنْ الْحَرَام وَلَا الْخَيْر مِنْ الشَّرّ . وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة قَالَ أَمَّا النُّور فَهُوَ إِيمَانهمْ الَّذِي كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ وَأَمَّا الظُّلْمَة فَهِيَ ضَلَالَتهمْ وَكُفْرهمْ الَّذِي كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ وَهُمْ قَوْم كَانُوا عَلَى هُدًى ثُمَّ نَزَعَ مِنْهُمْ فَعَتَوْا بَعْد ذَلِكَ . وَقَالَ مُجَاهِد : " فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْله" أَمَّا إِضَاءَة النَّار فَإِقْبَالهمْ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْهُدَى. وَقَالَ عَطَاء الْخُرَسَانِيّ فِي قَوْله تَعَالَى " مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا " قَالَ هَذَا مَثَل الْمُنَافِق يُبْصِر أَحْيَانًا وَيَعْرِف أَحْيَانًا ثُمَّ يُدْرِكهُ عَمَى الْقَلْب . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن وَالسُّدِّيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس نَحْو قَوْل عَطَاء الْخُرَسَانِيّ وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ فِي قَوْله تَعَالَى " مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا " قَالَ هَذَا مَثَل الْمُنَافِق يُبْصِر أَحْيَانًا وَيَعْرِف أَحْيَانًا ثُمَّ يُدْرِكهُ عَمَى الْقَلْب . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ فِي قَوْله تَعَالَى " مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا " إِلَى آخِر الْآيَة . قَالَ هَذِهِ صِفَة الْمُنَافِقِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا حَتَّى أَضَاءَ الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ كَمَا أَضَاءَتْ النَّار لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِسْتَوْقَدُوا نَارًا ثُمَّ كَفَرُوا فَذَهَبَ اللَّه بِنُورِهِمْ فَانْتَزَعَهُ كَمَا ذَهَبَ بِضَوْءِ هَذِهِ النَّار فَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِرُونَ وَأَمَّا قَوْل اِبْن جَرِير فَيُشْبِه مَا رَوَاهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى " مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا " قَالَ هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَزُّونَ بِالْإِسْلَامِ فَيُنَاكِحهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَيُوَارِثُونَهُمْ وَيُقَاسِمُونَهُمْ الْفَيْء فَلَمَّا مَاتُوا سَلَبَهُمْ اللَّه ذَلِكَ الْعِزّ كَمَا سَلَبَ صَاحِب النَّار ضَوْءَهُ وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة" مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا " فَإِنَّمَا ضَوْء النَّار مَا أَوْقَدَتْهَا فَإِذَا خَمَدَتْ ذَهَبَ نُورهَا وَكَذَلِكَ الْمُنَافِق كُلَّمَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاص بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه أَضَاءَ لَهُ فَإِذَا شَكَّ وَقَعَ فِي الظُّلْمَة وَقَالَ الضَّحَّاك " ذَهَبَ اللَّه بِنُورِهِمْ " أَمَّا نُورهمْ فَهُوَ إِيمَانهمْ الَّذِي تَكَلَّمُوا بِهِ وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَة " مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْله " فَهِيَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه أَضَاءَتْ لَهُمْ فَأَكَلُوا بِهَا وَشَرِبُوا وَأَمِنُوا فِي الدُّنْيَا وَأَنْكَحُوا النِّسَاء وَحَقَنُوا دِمَاءَهُمْ حَتَّى إِذَا مَاتُوا ذَهَبَ اللَّه بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِرُونَ وَقَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة فِي هَذِهِ الْآيَة إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُنَافِق تَكَلَّمَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَأَضَاءَتْ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَنَاكَحَ بِهَا الْمُسْلِمِينَ وَغَازَاهُمْ بِهَا وَوَارَثَهُمْ بِهَا وَحَقَنَ بِهَا دَمه وَمَاله فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْمَوْت سُلِبَهَا الْمُنَافِق لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَصْل فِي قَلْبه وَلَا حَقِيقَة فِي عَمَله " وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِرُونَ " قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِرُونَ " يَقُول فِي عَذَاب إِذَا مَاتُوا وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات " أَيْ يُبْصِرُونَ الْحَقّ وَيَقُولُونَ بِهِ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ ظُلْمَة الْكُفْر أَطْفَئُوهُ بِكُفْرِهِمْ وَنِفَاقهمْ فِيهِ فَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات الْكُفْر فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ هُدًى وَلَا يَسْتَقِيمُونَ عَلَى حَقّ وَقَالَ السُّدِّيّ فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ " وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات " فَكَانَتْ الظُّلْمَة نِفَاقهمْ وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات لَا يُبْصِرُونَ فَذَلِكَ حِين يَمُوت الْمُنَافِق فَيُظْلِم عَلَيْهِ عَمَله عَمَل السُّوء فَلَا يَجِد لَهُ عَمَلًا مِنْ خَيْر عَمِلَ بِهِ يُصَدِّق بِهِ قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ " قَالَ السُّدِّيّ بِسَنَدِهِ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ خُرْسٌ عُمْي وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " صُمٌّ بُكْمٌ عُمْي " يَقُول لَا يَسْمَعُونَ الْهُدَى وَلَا يَعْقِلُونَهُ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَقَتَادَة بْن دِعَامَة فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ قَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى هُدًى وَكَذَا قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : قَالَ السُّدِّيّ بِسَنَدِهِ " صُمٌّ بُكْمٌ عُمْي فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ " إِلَى الْإِسْلَام . وَقَالَ قَتَادَة فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ أَيْ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ.
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • أثر العمل الصالح في تفريج الكروب

    أثر العمل الصالح في تفريج الكروب: إن الأعمال الصالحة جميعها تشفع أحيانًا للإنسان في الحياة الدنيا، وتُفرِّج عنه بعض مآسيه ومعاناته، وتكشف عنه كرباته وآلامه، مع العلم أن الله تعالى ليس بحاجةٍ إلى أعمال الإنسان وطاعاته وعباداته، ولكنها رحمته وفضله على عباده. وفي هذه الرسالة عرضٌ لتأثير العمل الصالح في تفريج الكربات بشقَّيْها: النفسية والمادية.

    الناشر: شبكة السنة النبوية وعلومها www.alssunnah.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/330170

    التحميل:

  • توحيد الألوهية

    في هذه الرسالة سيكون الحديث عن توحيد الألوهية، وذلك من خلال المباحث التالية: تعريف توحيد الألوهية. أسماؤه الأخرى. أهمية توحيد الألوهية. أدلته. أركانه. تعريف العبادة لغةً، واصطلاحاً. الفرق بين العبادة وتوحيد العبادة. متى تقبل العبادة؟ أهمية الإخلاص والمتابعة. أركان العبادة. أيُّهما يغلب، الرجاء أو الخوف؟. الخوف الواجب والخوف المستحب. أنواع العبادة. عبودية الخلق لله عز وجل. فضائل توحيد الألوهية. أسباب نمو التوحيد في القلب. طرق الدعوة إلى توحيد الألوهية في القرآن الكريم. علاقة توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية في القرآن الكريم. ما ضد توحيد الألوهية؟. الفرق التي أشركت في توحيد الألوهية.

    الناشر: موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/172696

    التحميل:

  • معجم المناهي اللفظية

    معجم المناهي اللفظية : فهذا بابٌ من التأليف جامع لجملة كبيرة من الألفاظ، والمقولات، والدائرة على الألسن قديماً، وحديثاً، المنهي عن التلفظ بها؛ لذاتها، أو لمتعلقاتها، أو لمعنى من ورائها، كالتقيد بزمان، أو مكان، وما جرى مجرى ذلك من مدلولاتها.

    الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع بالرياض

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/169026

    التحميل:

  • فضل قراءة بعض آيات وسور من القرآن الكريم مُؤيَّدًا بسنة النبي عليه الصلاة والسلام

    فضل قراءة بعض آيات وسور من القرآن الكريم مُؤيَّدًا بسنة النبي عليه الصلاة والسلام: قال المُصنِّف - رحمه الله -: «فقد تاقَت نفسي أن أُصنِّف كتابًا أُضمِّنه: فضل قراءة بعض آيات، وسُور من القرآن الكريم مُعتمِدًا في ذلك على ما يلي: أولاً: على الأحاديث الصحيحة الواردة عن نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -. ثانيًا: على الأخبار الموثوق بها الواردة عن خِيرةِ الصحابةِ والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين -. رجاءَ أن يكون ذلك مُشجِّعًا على قراءةِ القرآن الكريم؛ لما في ذلك من الأجرِ العظيمِ، والثوابِ الجزيلِ».

    الناشر: موقع الدكتور محمد محيسن http://www.mehesen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/384412

    التحميل:

  • الدر النضيد على أبواب التوحيد

    الدر النضيد على أبواب التوحيد: شرح لكتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وهو كتاب يحتوي على بيان لعقيدة أهل السنة والجماعة بالدليل من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهوكتاب عظيم النفع في بابه، بين فيه مؤلفه - رحمه الله - التوحيد وفضله، وما ينافيه من الشرك الأكبر، أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر والبدع.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2557

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة