عرض مشاركة مفردة
  #39  
قديم 12/02/2008, 02:05 PM
الفارس الاخير
مُخلــص
 
رد : الـفـضائيـــات وتأثيـرها على مجتمعنـا

86 ـ رسائل متبادلة


ما زال جيلنا يذكر الدور الذي كانت ((الجدّة)) تقوم به وهي تبث إلى الأطفال قيمنا وعاداتنا من خلال القصص و((السوالف)). التلفزيون أو الطبق الفضائي اغتصب هذا الدور الآن. ترى لو التقى الإثنان فماذا سيقولان لبعضهما عن دور كل منهما في الحياة المعاصرة والحضارة الإنسانية؟
الدكتور أحمد بن سعيّد استمع إليهما وهما يتناقشان ويتهاوشان وسجّل هذا الحوار:

ما زلت تقولين: ((الدش لا يجوز))؟

لم لا تفصحين عن مصابك، وتعلنين نهاية سرابك، لم لا تقرين بالحقيقة، وأن عصرك فقد بريقه؟ هلا سألت نفسك لماذا هجرك الأولاد، وتركوك نهباً للسهاد؟ لاشك أن معينك نضب، وعقلك أصابه العطب، زاغت عنك العيون، وحامت حولك الظنون، ورميت بالجنون، انتهى زمن كنت فيه (التلفاز)، ومصدر الحكايات والألغاز، ولم تعد مجالستك ماتعة، وأصبحت في الأركان قابعة، فسبحان من داول الأيام، وأظهر النور بعد الظلام، ها أنا يا عجوز معقد الآمال، وقبلة الأجيال، امتلكت الحلوم، وسخرت العلوم، وحويت (النجوم)، لا ينام ماردي، ولا يشبع مشاهدي، ولا يتعب إلا حاسدي، شخصت إلى قنواتي الأبصار، وحار أمامها الاختيار، ألم تري كيف يتوق الناس امتلاكي، ويتسامقون زُمَراً إلى أفلاكي، وكيف يهرع إليَّ الأطفال، ويتسمر حوليَ الأبطال، وتشتاق لمرآيَ ربات الحجال، فأين أنت من كل هذا يا عجوز، ما زلت ترددين ((الدش لا يجوز))، تعساً لك، لم تكرهين لقائي، وتحاربين إغرائي، وتسعين دوماً لإطفائي، أليس الأولى بك شكر آلائي، حين أنقذت العقول من ترّهاتك، وحميت الأجيال من خرافاتك، ونقلتهم من الملل إلى الإثارة، ومن القدم إلى الحضارة، ومن الرتابة إلى الإبداع، ومن التفرق إلى الإجماع، ومن الجمود إلى الحركة، ومن المحاق إلى البركة، ومن الخيار الأوحد، إلى ديموقراطية التعدد، لقد أصبحتُ كالدم في العروق، لا يستغني عني مخلوق، اذهبي إن شئت شرقاً وغربا، واضربي في مناكب الأرض ضربا، فستجدين قوماً في بيوت الصفيح، تتحلق أمام عالمي الفسيح، فماذا بقي لك بعد هذا يا عجوز، وقد أصبحت مجخّية مثل الكوز.


ارحلي إلى مزابل التاريخ، أو عيشي إن شئت فوق المريخ. موتي بالغيظ والشقاء، واقتلي نفسك يا شمطاء. عما قليل سترحلين، وأنا في حلقك كالسكين، وقد هجرك الجميع، وأصبحت كناقة فاتها الربيع.

الطبق
(الدش)

ـــــــــــــــــــــــــــ

يا ناشر الفضيحة. . !

كنت أحسبك ستتوارى من الخجل، فإذا بك تتحدث كالبطل، وإذا بك تتبجح، وبأردية الحق تتمسح.
تعيرني بقصر باعي، وانفضاض أتباعي، فمتى كان دليل الحق كثرة المؤيدين، واجتماع الناعقين، ألا ترى أنك وإبليس سواء في كثرة الأتباع، وافتتان الرعاع؟ ماذا فعلت بالأمة يا طبق، لقد تركتها في آخر رمق. يا ناشر الفضيحة، وعدو اللغة الفصيحة، يا مهمش الأفكار، يا فاضح الأسرار، يا هاتك الكرامة، يا ظاهر الدمامة، يا قاتل الإبداعات، يا مضيّع الأوقات، يا هادم اللذات، يا مفرق الجماعات، لقد اجتمعت مع الموت في هدم العلائق، وإشاعة الفوضى بين الخلائق، يساقون إليك مخدرين، ويقتنونك غير مختارين.
أتسمي ما تقذفه شاشتك حضارة، وأنت فيما أنت من حقارة؟ أحشفاً وسوء كيل، فأبشر بالثبور والويل.اختزلت الدنيا في وجبة، أو نظرة واصطكاك ركبة، قبحك الله، كم أفسدت من عقول، وخربت من حقول، ومرت من طاقة، وأحييت للشيطان من ناقة، وزيفت وعي الأجيال، وزينت سوء الأعمال، وجعلت الحثالة أسوة، وصيرت السفهاء قدوة، وأظهرت العزة رِقّا، وجعلت الكذب صدقا، وتاجرت بالمرأة، وجعلت شرفها هزأة، وحولت الناس إلى قطعان استهلاك، وأذكيت رغبتهم في الامتلاك، ورفعت شعار ((العولمة))، وجافيت كل مكرمة، وأفسدت الزوج على زوجته، وجعلته يزهد في قسمته، لما تبديه شاشتك من صور الحسان، وملكات الجمال الفتان، الرافلات في العيش الريان. فما أنت يا طبق غير رسول العبث، وبريد الرفث. ثم تأتي بعد هذا تتطاول علي، وكان الأحرى بك تقبيل يدي، ما شأنك والعماليق يا طبق؟
ما يضر البحر أمسى زاخراً = أن رمى فيه غلام بحجر

إن حالك معي كما قال الشاعر:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها = فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

اعرف يا طبق قدرك، أراني الله -عن قريب- قبرك.
الجــدّة

----------
المصدر: مجلة الأسرة العدد (45) ذو الحجة 1417هـ



من مواضيعي :
الرد باقتباس