عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 22/01/2007, 08:38 PM
السيف الثائر
مُشــارك
 
بغداد لم تسقط بفعل خيانة...

الدكتور فاضل الربيعي : بغداد لم تسقط بفعل خيانة...
بل استدرجت الامريكان الى ميدان نموذجي


شبكة البصرة

خاتمة الملف السياسي الذي أعدته «الشروق» في الذكرى السنوية الثالثة لغزو العراق تحت عنوان «الغزاة ربحوا معركة... المقاومة تكسب الحرب؟» واشتمل على حوارات ومقالات متنوعة في محاولة لرسم صورة للواقع العراقي الراهن وتوقع ما يمكن أن يحمله المستقبل.

وفي هذا الجزء الثالث والأخير، حديث مطوّل مع الكاتب والسياسي العراقي فاضل الربيعي، تناول فيه ما حف بالغزو سياسيا وعسكريا وآلت اليه الأمور بعد الاجتياح من اشتباك مباشر بين المقاومة والمحتل.

ويتحدث الربيعي في المقابلة عن خطة استدراج الأمريكيين الى ميدان نموذجي هو ميدان المقاومة، ويشرح كيف اختارت القيادة العراقية نهج المقاومة الشعبية منذ عام 1998.

واضافة الى الحديث مع الكاتب والسياسي العراقي، قراءة في سيناريو تصفية علماء العراق وتخريب قاعدته العلمية من خلال اغتيال المئات من العراقيين المتخصصين في مجالات علمية مختلفة وتهجير آلاف آخرين، وفي المقال جواب عمن هو المنفذ والمستفيد.



الدكتور فاضل الربيعي يقصّ تفاصيل سبقت وأخرى لحقت غزو العراق

حوار: فاطمة بن عبد الله الكرّاي

لم يكن الكاتب والسياسي «الفاضل الربيعي» أحد أركان النظام العراقي قبل وخلال 2003، ولم يكن الرجل من أنصار صدام حسين ولا هو من مجاملي حزب البعث الحاكم. الدكتور فاضل الربيعي، الكاتب والمحلل السياسي، الذي يطالعنا بتحاليله بين الفينة والاخرى، كان معارضا للنظام العراقي...

وفي هذا الحوار الذي أردناه سرديا، بعد أن رفعنا جل الاسئلة، يتحدث «الربيعي» عن الموقف الوطني، وعن العمالة التي باعت وطنا، وعن الاحتلال الذي دمّر كل ما بناه العراقي لآلاف السنين...

عن كل هذا تحدث الدكتور الربيعي لـ «الشروق» وكانت البداية مع مثل هذا اليوم منذ ثلاث سنوات...

يقول الربيعي:

صباح التاسع من أفريل 2003، اعتقد الكثيرون ربما بدافع الهلع والخوف والذعر أو بدوافع نقص المعطيات، أو بفعل مواقف مسبقة من النظام، أن احتلال بغداد كان نتاج خيانة من جانب الجيش أو الدولة، أو حتى حزب البعث. وكان هذا الاعتقاد خاطئا الى النهاية، جملة وتفصيلا، إذا ما عاد المرء بذاكرته الى الوراء، ليتأمل المشهد قبل ثلاث سنوات، فسوف يلاحظ أن الدولة التي تلاشت واختفت بكامل أجهزتها ومؤسساتها ومرتكزاتها، لم تكن عملية تلاشيها بفعل ضربات قوات الاحتلال. بل ثمة شيء آخر، لم يُترك بسهولة، هو أن ثمة خطة محكمة تقف خلف قرار «تغييب الدولة عن المسرح».

هذه الخطة يمكن القول إنها «خطة الصدمة والذهول العراقية المضادة». ومعلوم أن خطة احتلال العراق كانت تحمل اسم «الصدمة والترويع» ويتذكر العديدون أن وزير الاعلام الصحاف كان يردد دائما في مؤتمراته الصحفية اليومية، أن الامريكيين «سيرون ردا على خطتهم هذه صدمة وذهولا مضادة». في هذا الاطار كانت «الصدمة» العراقية أي المواجهة من العراق هي اختفاء الدولة خلال بضع ساعات. لم يكن هناك أي شرطي أو رجل إطفاء أو شرطي مرور، بينما اختفى الجيش. أما «الترويع» العراقي الذي توعدت به القيادة الامريكان، فقد بدأت اليوم التالي للاحتلال عندما بدأت أولى ضربات المقاومة. اليوم ونحن نستقبل الذكرى المشؤومة الثالثة للاحتلال والاستعمار الجديد، نذرك أتم الادراك معنى هذا الترويع الذي وجد الامريكيون أنفسهم في قلبه، ولذلك يمكن القول أن ذكرى احتلال بغداد، برغم كل ما تشي به من تعبيرات عن الألم والشعور بالمرارة، هي مناسبة لتصحيح الصورة الخاطئة التي روّج الاعداء والقائمون على الاحتلال. ما يزعم أنها خيانة، بغداد لم تسقط بفعل خيانة ولكنها استدرجت الامريكيين الى ميدان نموذجي، لقتال بطولي يمحو الفارق الهائل في القوة بين قوة عظمى هائلة الجبروت وبين مقاومة تملك أسلحة بسيطة وحتى بدائية، من عبوات ناسفة و»آر.بي.جي»... ميدان من هذا النوع يمكن بسهولة، وبالفعل أن يُمحى فيه الفارق بين المتصارعين، ولذلك كان خيار المقاومة الشعبية خيارا استراتيجيا وشعبيا، توفرت له كل شروط النجاح والاستقرار والاستمرارية. والدليل على أنه خيار استراتيجي، قابل لأن يستمر وتتوفر له أسباب الاستمرار، أن المقاومة العراقية الباسلة لاتزال في قوة زخمها، مستمرة وفقا لوتيرة متصاعدة لمدة ثلاث سنوات.

إن صورة بغداد اليوم بعد 3 سنوات احتلال، وبرغم المآسي، هي الصورة الوحيدة المشرقة في هذا العالم، لأنها المكان الوحيد الذي تتواصل فيه مقاومة أسطورية مرغت أنف الامريكيين في الوحل.

والمعركة هناك، ليست من أجل حماية العراق أو العرب أو المسلمين فحسب، بل هي لحماية العالم.

ففي شوارع بغداد سوف يتحدد مستقبل البشرية. فاذا ما أعلن الامريكيون عن هزيمتهم، أو فرّوا من ميدان المعركة، فإن صورة العالم بأسره سوف تتغير، لأن القوة العظمى الوحيدة المهيمنة، لن تعود هي القوة الوحيدة، وستجد الولايات المتحدة الامريكية نفسها أن إطارا جديدا قد تشكل لاعادة صياغة علاقات القوة في عالم تصبح فيه أمريكا قوة عظمى بين قوى عظمى أخرى، بكلام آخر، في العراق تجري اليوم معركة صياغة علاقات دولية جديدة من أجل عالم لا مكان فيه، لا للاستعمار الجديد ولا للهيمنة وللتحكم بمقدّرات الشعوب. وبهذا المعنى فإن العراق، يقدم للعرب فرصتهم التاريخية من أجل أن يساهموا في بناء مثل هذا العالم.


* ما هي المعلومات التي يمكن أن يفيد بها الدكتور الربيعي، قرّاء «الشروق»، معلومات لم تنشر الى الآن. كيف تصرّفت القيادة العراقية، وكيف اخترت كمعارض نهج الوطنية مع الاختلاف، في حين عمل آخرون على التحالف ضد الوطن مع الاحتلال، لمجرد إزاحة نظام؟

ـ أريد أن أعود في هذه المناسبة بذاكرتي الى الاشهر الثلاث السابقة لاحتلال العراق، من أجل التأمّل في الكثير من المعطيات والوقائع. في نوفمبر 2002، تلقينا دعوة من القيادة العراقية موجهة الى قيادة التحالف الوطني العراقي بقيادة الاستاذ عبد الجبار الكبيسي لزيارة العراق، وبالفعل شكلت قيادة التحالف وفدا من ستة من القياديين كنت من بينهم وذهبنا الى العراق. في هذا الوقت كانت كل المؤشرات تؤكد أن الحرب ستندلع وأن الغزو الامريكي سيقع وبطبيعة الحال، فقد كان من واجبنا أن نتقدم بمبادرة شجاعة على قاعدة الحوار مع النظام من أجل إيجاد مخرج سياسي. في هذا الوقت أيضا يدفع شعار من أجل المصالحة الوطنية كسبيل لتحقيق التحوّل الديمقراطي لم يكن بإمكاننا أن نقف مكتوفي الايدي، بينما كانت بلادنا تتعرض لمخاطر الاحتلال... وكان علينا أن نتخطّى كل الخلافات والاعتراضات والتقدم ببرنامج المصالحة لقطع الطريق على الغزو الامريكي. وذهبنا بالفعل الى بغداد، ووصلنا وأجرينا أولى الاتصالات مع القيادة العراقية. كان اللقاء الاول مثيرا واتسم بحميمية عندما استقبلنا نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت ابراهيم الدوري في مكان خارج العاصمة، وتحدثنا بصراحة تامة. الانطباع الفوري الذي تولّد عندنا أن القيادة العراقية لم تكن لديها أية أوهام عن إمكانية إلحاق الهزيمة بالامريكيين في حرب تقليدية، يتواجه فيها جيشان، أحدهما جيش أكبر امبراطورية عسكرية عرفها التاريخ، وجيش من العالم الثالث، وحطّمته سنوات الحصار الطويلة والحروب...



وعندما استفسرنا من نائب الرئيس عن الخيارات المطروحة أمامنا، أدركنا من أجوبته أن القيادة العراقية استعدّت لخيار آخر، هو خيار المقاومة الشعبية. وقال لنا الاستاذ الدوري: لقد استكملنا استعداداتنا التي أجريناها طوال خمس سنوات سابقة لـ 2003، ونحن الآن مطمئنون أننا سنبدأ بخطة مقاومة شعبية جهّزنا لها كل مستلزماتها من المال والعتاد والرجال، وسنقاتل حتى عشرين عاما»...

هكذا كان كلامه.

وفي أثناء المداولات مع النائب عزت الدوري فهمنا أن الامريكيين طلبوا من القيادة العراقية، قبل خمس سنوات من الغزو، بصورة مباشرة وغير مباشرة، بأن يقبلوا باحتلال أمريكي عسكري، وأنهم قالوا إنه يمكن للنظام أن يستمر في وجوده، باستثناء الرئيس صدام حسين، وأن وظيفة هذا النظام، هي «إدارة الاحتلال». كان احتلال العراق خلاصة استراتيجية أمريكية تخصّ المنطقة بأسرها، انطلاقا من العراق، كان يراد تفكيك كامل منطقة الشرق الاوسط وإعادة تركيبها وفق خرائط جديدة... وبطبيعة الحال فقد كان قرار الغزو مبيّتا، واختلقت له كل الاكاذيب والاراجيف، وفي الواقع فإن الامريكيين لم يكونوا يضغطون على النظام العراقي لا من أجل الديمقراطية ولا من أجل التسليح الشامل، ولو أن قيادة النظام نصّبت «الأم تيريزا» رئيسا للمجلس الوطني ولو جاءت بـ «مانديلا» عراقي ليكون رئيس وزراء، وكتبت دستورا يضاهي دستور الولايات المتحدة الامريكية أو صنعت ديمقراطية طبق الاصل للديمقراطية الفرنسية، فإن الغزو سيقع. لأن المخطط الامريكي الذي بدأ بأفغانستان، كان يستهدف، وانطلاقا من العراق، رسم خرائط جديدة للعالم، وللمنطقة العربية تحديدا ولذلك لم يكن أمام القيادة العراقية سوى التحضير وقبل سنوات من حدوث الغزو، لمقاومة منظمة وشعبية يلعب فيها حزب البعث العربي الاشتراكي، والقوميين والاسلاميين واليساريين دورا أساسيا ومكمّلا لدور الفصائل العسكرية المسلحة. لا خوف على المقاومة من أي اختراق، فالنواة الصلبة في المقاومة هي بمأمن عن أي اختراق، وهي تمتلك كل شروط العمل السري كما أنها تمتلك رؤية سياسية ذات طابع برنامجي متكامل، لعراق ما بعد التحرير، يقوم على قاعدة بناء عراق واحد موحّد وللجميع.
أما الاستراتيجية العسكرية التي اشتغلت عليها هذه المقاومة، فهي ثلاثة أسس:

1 ـ إنزال أقصى حد ممكن من الضربات بقوات العدو وآلياته، والى الدرجة التي يصبح فيها «الاحتفاظ بالعراق» مستحيلا. والى الدرجة التي يعجز فيها الاحتلال عن البقاء في العراق، أو أن يتمكن من فرض أي سيطرة حقيقية عليه.

ـ ثانيا: تفكيك مؤسسات وأدوات الاحتلال، والى الدرجة التي يصبح فيها بناء نظام يدير الاحتلال عملا مستحيلا.

ـ ثالثا: اعتماد سياسة الحرب الشعبية طويلة المدى، والتي تدخل البلبلة والارباك، بحكم طول السنين، في صفوف الاحتلال.هذه العوامل تحققت وتتحقق، وأنا على يقين أن الصراع لن يُحسم اليوم، مثلما أنه صراع لا يهم العراق فحسب.


كان اللقاء يتم في تونس، وكان الدكتور الربيعي يتوقف في كل مرة، لكي يدير اهتمامه نحو شاشة التلفاز فقد كان يوم إجراء المقابلة هو يوم من أيام محاكمة الرئيس صدام حسين. كان ذلك يوم الخامس عشر من مارس المنقضي، حين وقف صدام يلقي إفادته أمام المحكمة التي نص على وجودها قرار من «بريمر» الذي يدير الاحتلال في العراق... وحين استهل صدام «إفادته» المكتوبة بعبارة: «أيها الشعب العظيم... يا جماهير أمتنا المجيدة»... ضرب الربيعي كفّا بكفّ... وعلت ملامحه حمرة وقال: «... ومن قال إنه ليس الرئيس»... وكان الربيعي يواصل أنه معارض وغاب عن العراق مدة ثلاث عقود ونيف، ولم تطأ قدماه وطنه إلا سنة 2002 حين قابل مع رفاقه عزت ابراهيم.



نم بسلام يا شهيد الرافدين فلم تذهب رياحك سدا
فلقد خلفت ورآك رجالا يعتمد عليهم في وقت الشدة والمحن
لم تخن بلدك وتبيع عرضك ودينك
بل أسست المقاومة العراقية الوطنية التي هي الآن تذيق الصليبيين والصفويين كأس المنون وتجرعهم العذاب
الله أكبر الله أكبر
والعزة لله ولرسوله
وليخسأ الخاسئون

الجهاد الجهاد حتى النصر أو الشهادة




من مواضيعي :
الرد باقتباس