الموضوع: فتاوي للتائبين
عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 28/06/2012, 11:13 AM
معتز عبدالله
مُشــارك
 
: فتاوي للتائبين

صيام عاشوراء لا يكفر إلا صغائر الذنوب ، وليس للكبائر إلا التوبة

السؤال :


إذا كنت ممن يشربون الخمر ، ثم نويت أن أصوم غداً وبعد غد (التاسع والعاشر من محرم)، فهل سيُحسب لي هذا الصيام ، وبالتالي تُغفر لي ذنوب السنة الماضية والسنة القادمة؟

الجواب :
الحمد لله
أولا :
الذي يغفر الله به ذنوب سنتين هو صيام يوم عرفة ، وأما صيام عاشوراء فيغفر الله به ذنوب سنة واحدة .
وينظر فضل صيام يوم عرفة في جواب السؤال رقم (98334) ، وفضل صيام عاشوراء في جواب السؤال رقم (21775) .


ثانيا :
لا شك أن شرب الخمر من كبائر الذنوب ، وخاصة مع الإصرار عليها ؛ فالخمر أم الخبائث ، وهي باب كل شر ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة ، فروى الترمذي (1295) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَشَارِبَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا ، وَالْمُشْتَرِي لَهَا ، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
والواجب الإقلاع عنها والتوبة من معاقرتها والإقبال على الله .


وصوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة لا يكفران إلا صغائر الذنوب ، وأما كبائرها فتحتاج إلى توبة نصوح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : صيام يوم عرفة يكفر سنتين ، وصيام يوم عاشوراء يكفر سنة . لكن إطلاق القول بأنه يكفِّر ، لا يوجب أن يكفر الكبائر بلا توبة ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال في الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان : ( كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) ؛ ومعلوم أن الصلاة هي أفضل من الصيام ، وصيام رمضان أعظم من صيام يوم عرفة ، ولا يكفر السيئات إلا باجتناب الكبائر كما قيده النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فكيف يظن أن صوم يوم أو يومين تطوعا يكفر الزنا والسرقة وشرب الخمر والميسر والسحر ونحوه ؟
فهذا لا يكون " انتهى من "مختصر الفتاوي المصرية" (1 /254) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" يَقُول بَعْضُهُمْ : يَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ الْعَامِ كُلَّهَا ، وَيَبْقَى صَوْمُ عَرَفَةَ زِيَادَةً فِي الْأَجْرِ ، وَلَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ ، أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَهِيَ إِنَّمَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ .
فَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ ، لَا يَقْوَيَان عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ ، إِلَّا مَعَ انْضِمَامِ تَرْكِ الْكَبَائِرِ إِلَيْهَا ، فَيَقْوَى مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ .
فَكَيْفَ يُكَفِّرُ صَوْمُ يَوْمِ تَطَوُّعٍ كُلَّ كَبِيرَةٍ عَمِلَهَا الْعَبْدُ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا ، غَيْرُ تَائِبٍ مِنْهَا ؟ هَذَا مُحَالٌ .
عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ مُكَفِّرًا لِجَمِيعِ ذُنُوبِ الْعَامِ عَلَى عُمُومِهِ ، وَيَكُونُ مِنْ نُصُوصِ الْوَعْدِ الَّتِي لَهَا شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ ، وَيَكُونُ إِصْرَارُهُ عَلَى الْكَبَائِرِ مَانِعًا مِنَ التَّكْفِيرِ ، فَإِذَا لَمْ يُصِرَّ عَلَى الْكَبَائِرِ تَسَاعد الصَّوْم وَعَدَم الْإِصْرَارِ ، وَتَعَاونَا عَلَى عُمُومِ التَّكْفِيرِ ، كَمَا كَانَ رَمَضَانُ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مَعَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ مُتَسَاعِدَيْنِ مُتَعَاوِنَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ ، مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ قَالَ : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) سُورَةُ النِّسَاءِ/ 31 ؛ فَعُلِمَ أَنَّ جَعْلَ الشَّيْءِ سَبَبًا لِلتَّكْفِيرِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَتَسَاعَدَ هُوَ وَسَبَبٌ آخَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ ، وَيَكُونُ التَّكْفِيرُ مَعَ اجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ أَقْوَى وَأَتَمَّ مِنْهُ مَعَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا ، وَكُلَّمَا قَوِيَتْ أَسْبَابُ التَّكْفِيرِ كَانَ أَقْوَى وَأَتَمَّ وَأَشْمَلَ " انتهى من "الجواب الكافي" (ص13) .


وقد روى الترمذي (1862) عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبْ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" : "وَقِيلَ : إِنَّمَا خَصَّ الصَّلاةَ بِالذِّكْرِ لأَنَّهَا أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ , فَإِذَا لَمْ تُقْبَلْ فَلأَن لا يُقْبَلُ غيرها من العبادات أَوْلَى" انتهى من "تحفة الأحوذي" (5/488) بتصرف . وكذا قال العراقي والمناوي .
ويراجع جواب السؤال رقم : (38145) .


فإذا كانت العبادات لا تقبل مع الإصرار على شرب الخمر فكيف يقبل صوم عاشوراء ؟ بل كيف يكفر ذنوب سنة ؟
فالواجب عليك أن تبادر إلى التوبة النصوح الصادقة ، وأن تقلع عما أنت مقيم عليه من شرب الخمر ، وتستدرك ما أنت عليه من التفريط ، وأكثر من الباقيات الصالحات ، عسى الله أن يتوب عليك ، ويتجاوز عنك ما سلف من تفريط وتعد لحدود الله .
ثالثا :
ما ذكرناه لك هنا ، ليس مانعا من صيام يوم عرفة ، أو عاشوراء ، أو ما شئت من نوافل الخيرات ، من صلاة وصيام وصدقة ونسك ، فشرب الخمر لا يمنع من ذلك كله ، والوقوع في كبيرة ، لا يعني أن تمنع نفسك من الطاعات والخيرات ، فتزيد الأمر سوءا ، بل بادر بالتوبة والإقلاع ، وأكثر من الخيرات ، حتى ولو غلبتك نفسك ووقعت في بعض الذنب .
لكن صحة العمل ، وقبوله شيء ، والفضل الخاص بتكفير ذنوب سنة أو سنتين شيء آخر.


قال جعفر بن يونس: كنت في قافلة بالشام ، فخرج الأعراب فأخذوها ، وجعلوا يعرضونها على أميرهم ، فخرج جراب فيه سكر ولوز ، فأكلوا منه ، والأمير لا يأكل !!
فقلت له : لم لا تأكل ؟ فقال أنا صائم !
فقلت : تقطع الطريق ، وتأخذ الأموال ، وتقتل النفس ، وأنت صائم ؟!
فقال : يا شيخ ؛ أَجْعلُ للصُّلح موضعا !!
فلما كان بعد حين رأيته يطوف حول البيت وهو محرم ، فقلت : أنت ذاك الرجل ؟
فقال : ذاك الصوم ؛ بلغ بي هذا المقام !!
(تاريخ دمشق 66/52) ..
راجع جواب السؤال رقم : (14289) .


موقع اسلام سؤال وجواب




من مواضيعي :
الرد باقتباس