عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 20/03/2007, 04:43 PM
طالب القرب
مُثــابر
 
نساء من تاريخ عمان العريق

يزخر التاريخ العُماني بالعديد من الشخصيات التي ارتبطت أسمائهم بذكر التاريخ العُماني العريق ويبقى ذكرهم إلى يومنا هذا فخرا وعزا وقدوة لنا كعمانيين لنسير على نهجمهم لما قدموه من الأعمال العظيمة لتصل عُمان إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم في شتى نواحي الحياة، ومن هؤلاء كانت السيدة / موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس الدولة البوسعيدية ونقتبس نبذة مختصرة عن السيدة مأخوذة من كتاب ( عُمانيات في التاريخ ) للمؤلف خليفة بن عثمان بن محمد البلوشي
لم تحفظ لنا الأيام في الفترة بين عام 1783 حتى عام 1832 امرأة عمانية حديدية أقوى من شخصية السيدة موزة التي ذكرها المؤرخون كثيراً بأسماء عديدة، منها السيدة فاخرة، والسيدة معاذة، ولكن لا يغير شيئاً من أن السيدة موزة كانت سياسية وعسكرية بالدرجة الأولى، وحاولت كثيراً أن تنقذ عرش السلطان سعيد ابن أخيها السيد سُلطان بن أحمد وتدفعه إلى زنجبار.



لقد خلف الإمام أحمد بن سعيد من بعده سبعة أولاد وثلاث بنات، وهم هلال وسعيد وقيس وسيف وسلطان وطالب ومحمد، أما البنات فلم يحفظ لنا التاريخ إلا اثنتان هما السيدة ميرة والسيدة موزة التي فرضت بقوة شخصيتها، وصلابة عزمها وإرادتها اسمها في التاريخ.

لقد انتقلت العاصمة من الرستاق إلى مسقط على يد حمد بن الإمام سعيد بن أحمد، وذهبت السلطة بعده إلى عمه والابن الخامس للإمام أحمد بن سعيد وهو السيد سلطان الذي اتخذ لنفسه ولأولاده من بعده لقب السيد بدلاً من الإمام.

ويعتبر عهد السيد سلطان (1793-1804) من أزهى عهود عمان، كما يعتبر السيد سلطان نفسه من أبرز الحكام العرب آنذاك. وفي عهده انتقلت الإمامة إلى مسقط، ولكن المنية عاجلته قبل أن ينتهي من إرساء قواعد دولته على أسس دولته.

وقد اختير سعيد (الابن الأصغر) منذ البداية لخلافة أبيه. هذا وقد لعبت السيدة موزة دوراً كبيراً في إعداد وتربية السيد سعيد، وأثرت عليه بقوة شخصيتها، وعبقرية فكرها، ودفعته بطموحها نحو التألق والشهرة، وغذته بالحنكة والدهاء، والتي اكتسبتها من البيئة العمانية، التي تطلبت ذلك. فأمسكت العرش عنه وهو صبي لمدة أربع سنوات، وحفظته له، وواجهت في سبيل ذلك جحافل جيوش الوهابية بدهائها وثقتها الكبيرة، ولم يدر بخلد أحد أن العهد سيطول بهذا الغلام اليافع في بلد مثل عمان اشتهر بالفتن والثورات. وكان لا بد من تنصيب وصي عليه، ولكن عمته-وخلافاً لكل السوابق-أعلنت أنها ستتولى بنفسها حكم البلاد والوصاية على ابن أخيها حتى يبلغ سن الرشد، ويتولى شئون الملك بنفسه، وقد صدم هذا القرار المفاجئ رغبات الوزراء الذين كانوا يريدون استغلال صغر سن الملك الجديد للاستيلاء على السلطة، ولكنهم في نهاية الأمر لم يجدوا بُداً من الطاعة والخضوع، وصار عليهم أن يفدوا إلى ديوان الأميرة الوصية كل نهار ليرفعوا إليها تقريرهم عن شئون البلاد، ويتلقوا أوامرها حولها لتنفيذها، وقد أمسكت الأمور بقوة وحزم، وراقبت الأشخاص والأشياء بعين يقظة ساهرة.

ولم يمض على توليها شئون الوصاية إلا وقت قصير حتى تعرضت شجاعتها لامتحان عسير، فقد نشبت في البلاد ثورة هوجاء. وهنا كشفت الأحداث عن معدن السيدة، حكمة في الرأي، وصلابة في التصميم، ونشاطاً في العمل حتى كسبت إعجاب من حولها، ولم تكتف بتدبير الأمور من بعيد بل كانت تشرف عن كثب على التنفيذ بنفسها، فكانت تذهب وحدها كل ليلة متنكرة بلباس الرجال لتتفقد أحوال الحاميات المتاخمة لمراكز العدو، وكثيراً ما كادت أن تقع في الأسر، لو لم تنقذها أصالة فروسيتها، وسرعة حصانها، وقد خرجت ذات ليلة ما، وكانت حزينة منقبضة النفس، فقد سمعت أن العدو قد لجأ إلى الرشوة والمال يستميل بهما المدافعين عن حصون المدينة بغية احتلالها بالحيلة والخداع، بعد أن عجزت قوته وجيوشه عن ذلك، فذهبت بنفسها تريد أن تمتحن ولاء ضباطها وجنودها، فألتقت هنالك وكانت متنكرة بلباس الرجال بضابط أحد المواقع المهمة، وحاولت باعتبارها من رجال العدو إغراءه بالمال والوعود على أن ينفض يديه من الأميرة الوصية وينضم إلى معسكر الثوار.

ولكن غضبة الضابط الشهم وغيظه، أفرحتها وردت إليها معنوياتها، وإن كان الحادث كاد أن يكلفها حياتها على أيدي أتباعها باعتبارها من جواسيس العدو، لو لم تكشف لهم عن هويتها. وازدادت محنة مسقط واشتد البلاء عليها باشتداد الحصار وإحكامه، فقد نفذ الطعام وانتشرت المجاعة، وأنقطع الأمل في أي عون يصل إلى المدينة من الخارج، وران عليها جو من الكآبة واليأس، وهنا قررت الأميرة أن تقوم بهجمة أخيرة لفك الحصار، فتموت ميتة كريمة بدلاً من الاستسلام، وكان لديها من البارود ما يكفي معركة واحدة، ولكن لم يكن عندها الحديد اللازم، لذا أمرت أن تُجمع جميع المسامير في البلد، حتى وإن تخلع من الأبواب والصناديق ومن كل شئ، وأن يجمع الحصى بالحجم المناسب ليكون ذخيرة من البارود لقذائف المدافع والبنادق، كما جمعت كل ما هو مصنوع من الحديد أو الرصاص أو النحاس في البلد وصهرته إلى قذائف وطلقات وقنابل.

لم توفر دون ذلك شئ، حتى الدولارات الفضية في خزائن القصر، صهرتها لكي تكون طلقات للبنادق، وتم الأمر بسرعة ونشاط، وبعد أن تيسر لها هذا القدر من العتاد، بدأت بالهجوم المنتظر، وكان النجاح حليفها فيه، فقد أُخذ العدو على حين غرة وتفرقت جموعه في كل جهات الأرض مولياً الأدبار بعد أن ترك خلفه نصف جيشه بين قتيل وجريح وأسير، وسلمت مسقط، وعادت البلاد جميعاً إلى حُكم الأميرة دون منازع، واستمرت في تنظيم البلاد وإدارتها حتى بلغ إبن أخيها سن السابعة عشر وتسلم منها مقاليد الحكم واستطاع توجيه أنظاره إلى فتح أقطار جديدة.




من مواضيعي :