الموضوع: فجعت قلبي
عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 23/12/2006, 09:47 PM
صورة لـ زهرة الخزامى
زهرة الخزامى
ودود
 
رد: فجعت قلبي

~ وداعا ًأيّها العسل ~



الحلقة التاسعة


* * * * * * * *










كنت جالسة أحفر حفرة صغيرة في رمل الشاطىء ،

بملعقة كوب الآيس كريم ، اللي أكلته قبل شوي ...

قمر و سلطان ، كانوا قريبين مني ،


بس بمسافة ما تسمح لصوتهم أنه


يوصلني و انا طبعا ما تعمدت أسمع ...





فجأة ، شفت قمر تمشي بسرعة صوب السيارة ،


و أخوي رايح وراها ، و جيت معهم و أنا متوقعة


أن مشاحنة حصلت بينهم ...





قمر كانت كل شوي تمسح دموعها ، و فتحت باب السيارة

و سحبت شنطتها و طلعت (خمسة ريال ) و رمتها على

سلطان ، و بعدها مزعت ورقة و رمتها صوبه ... !





تركت باب السيارة مفتوح و راحت تمشي بسرعة ...


كانت ، تبي تروح البيت مشي !


أنا ما أدري وش اللي دار بينهم بالضبط ،


بس صرخت بوجه أخوي :


- ( وش سويت ؟؟؟ )






سلطان ، كل علامات الهلع و الفزع كانت


متفجرة على وجهه ، و هو ينادي :

- ( قمره أرجوك ... )




ابتعدت قمر عن موقف السيارات و راحت تمشي


بسرعة على الشارع ، و أنا امشي وراها و انادي عليها

و لا ترد ، لين مسكتها ...






- قمر اصبري ! وين رايحة !!؟؟

- تركيني ... بـ ارد البيت

- جنـّـيتي يا قمر ؟ الله يهديك ، تعالي بس ...






و حاولت اسحبها معي ، لكنها تملـّـصت مني ،


و راحت تبي تكمل طريقها ...




- أرجوك قمر اهدئي شوي ...






في ذي اللحظة ، مرت علينا سيارة ( ليموزين ) ،


و لا شفت إلا قمر تأشر عليها ...




وقفت سيارة الليموزين جنبنا ، و جت قمر بسرعة

و فتحت الباب ... تبي تدخل ... و أنا مسكتها ...






أخوي سلطان ، و اللي كان قريب منا جا مسرع


و قبل ما تدخل قمر السيارة صك الباب اللي كان مفتوح و هو يصرخ

على ( السواق ) :




-( خلاص روح )

- لا انتظر





صرخت قمر و هي تمد إيدها مرة ثانية لباب السيارة تبي تفتحه






تحركت يد سلطان ، يمكن لا إراديا ،

و مسك إيدها يبعدها عن الباب بقوة ...





- اتركني

- ما أخليك تروحين يا قمر أبدا

- مو بكيفك ، وش دخلك أنت؟ من تظن نفسك ؟





و هي تسحب إيدها و تحاول تمسك ( مقبض ) الباب ،


و تفتحه شوي ، و يرد سلطان يصكه بالقوة ، و يصرخ على

السواق :




- قلت لك روح خلاص يالله...






السواق الهندي ، مسكين شكله تخرّع ، بسرعة فلت ...






- ليه؟

صرخت قمر




- مجنون أنا أخليك تروحي معه؟ يالله نرد السيارة

- ما أبي أروح معك ، غصب هي؟ ما أبي أركب سيارتك ،


أكرهك يا سلطان ، أكرهك ، أكرهك أكـــرهــــــــــــــــك









و التفتت لي ، و ارتمت بحضني و صارت تبكي بكا يقطع القلب ،



و انا أحاول أهديها




- قمر ، خلينا نروح السيارة كذا وقفتنا بالشارع غلط ... ا


لله يخليك قمر...




قالت بشكل متقطع ، بين الكلام و الشهق و البكاء و الدموع :




- ما... أبي ...... أركب ........ معه .....



- أرجوك قمر ، عشان خاطري أنا أرجوك ...






بصعوبة أجبرتها ترجع للسيارة ، بعد مدة ، خلها توصل البيت ،


و بعدين اللي تبي تسويه تسويه ...






جلست معها على المقاعد الخلفية و هي

تبكي بشكل مو طبيعي ، خفت يصير لها شي ،

و الله ما اسامح نفسي لو صار

لها أي شي ...




سلطان في البداية ظل واقف برى السيارة ، بعيد عنا شوي ،


لين بدت قمر تهدأ شوي ، و بعدين ركب ...



أول ما جلس على المقعد و صك الباب قال :

- قمر أنا آسف...



و تمر ، ردت بسرعة و بحنق و انفعال :



- ما ابي أسمع صوتك ، اسكت ... اكرهك...






طالعت بعين أخوي من خلال المرايا ،


حسيته يبي يقول شي ، لكن أنا قطعت أي محاولة نقاش بينهم :



- بعدين سلطان ، يالله نمشي...






سلطان قاد بسرعة ، و كذا مرة كان يسأل :

- (أنتوا بخير؟ )







لما وصلنا عند بيت بو ثامر ، رد قال :




- قمر ... أنا ... أنا آسف ...






قمر فتحت الباب ، دون ما تقول كلمة وحدة ،

و نزلت من السيارة صكته بقوّه هزّت السيارة كلها !




التفت سلطان علي و قال :


- روحي معها







نزلت فتحت باب السيارة و نزّلت رجلي على الأرض ،

أبي أنزل ، لكن قمر – وهي تطلّع مفاتحيها من الشنطة –

قالت لي بحدة :



- خليك يا شوق ، مع السلامة.






و دخلت البيت ، و صكـّـت الباب ....




نزلت من السيارة و وقفت لحظة ، و رديت ركبت جنب أخوي ...





- وش صار يا سلطان؟


- كان لازم تكرهني ... عشان تعيش حياتها ...





و مشى بالسيارة ، أنا ما رديت سألته عن شي ...




مشى ببطء ، كان شارذ الذهن ، و متوتر ،


و لما وصلنا عند الإشارة ، خذ اللفة و رجع نفس الطريق !





طالعت فيه و انا مستغربة ، و لا سألته لين وصل

عند بيت بو ثامر مرة ثانية و وقف عند بابهم و قال :



- انزلي شوفيها يا شوق...


- نعم؟


- انزلي شوفيها يا شوق لا تذبحيني...







ما شفتها عدلة ، ترددت ، تفشلت أروح لها الحين ،


بعدين وش أقول لها و لأمها ؟ و وش تقول هي عني ؟

لما شافني أخوي جالسة بمكاني


ما تحركت طالع فيني بنفاذ صبر ...





- زين خلني بس أتصل و اسأل ... جيب جوالك...


- انزلي شوفيها يا شوق لا يكون صابها شي...






خوفتني جملته ، قمر كانت منفعلة بالمرة ،

و يمكن لا قدر الله يتكرر اللي صار قبل كم يوم ..





و أنا جاية بانزل وفتحت الباب ، شفنا سيارة ( بسـّـام ) ،

جاي لبيت بو ثامر ، و أول ما شافها سلطان ، قال لي

( خلاص )

و انطلق بنا ...









*
* *
*








تغيبت قمر عن الجامعة اليوم التالي ، لما ما شفتها


في الصباح ، فزعت ، خفت يكون صار لها شي ، ما قدرت أتصل

عليها بعد اللي صار ... ما تجرأت ...






رحت لسلمى اسألها عن قمر ، و قالت لي أنها كانت


تحاول تتصل عليها الليل و لا قدرت تكلمها ...




وجهت لي سلمى سؤال مباشر :


- (صار شي أمس؟ )





و لا عرفت بإيش أجاوبها ...

سلمى يمكن كانت على حق ، لما حاولت تمنع لقاء قمر بسلطان ... لكن ...



كانت عيونها كافية ، ما كانت بحاجة للكلام ...


( لو يصير لقمر أي شي ، يا ويل سلطان مني )








تكرهه ، بمقدار حبها لقمر ... و بديت أشك


أنها تكرهني أنا بعد ، و تعتبرني المسؤولة



عن اللي صار لقمر ، ذيك الليلة ...


مع أني ، ما دبرت أي لقاء بين قمر و منال ،


و تفاجأت بها مثلهم بالضبط ...





الكره ، عمى قلبها ... و جردها من انسانيتها ،


و خلاها تتصرف بلا رحمة ، مثل وحش ...



يشمت بفريسته ... و يتلذذ بعذابها ...







*
* *
*






ليلة الخميس ، هي ليلة الخطيب الخاصة ...


و الليلة جاي لي بسـّـام ، للمرة الأخيرة ....




قراري ، كان إني أنفصل عنه ، مو لأنه عندي أي أمل


في أن العسل يرجع لي ، أو أني أحب بسـّـام ،


إنما لأني شفت في بسـّـام إنسان أفضل من


أنه يستحق انسانة مثلي ...









ما عدت فتحت الموضوع قدام سلمى ،


قراري الخاص و ما بغيت أي شخص يشاركني فيه ...




الأيام الثلاثة اللي فاتت ، تغيبت عن الجامعة ،


مو من تعب ، بس اعتبرتها فترة نقاهة ،


و فاصل بين أحداث الأمس و اليوم ..




قضيت كثير من الوقت ، أكتب في بحث سلمى



على الكمبيوتر ، و لما جهز ، أرسلته مع ثامر لبيتها ...


ما كنت أبي التقيها و أظن هي بعد حست بكذا ،



و اكتفت بشكري على الهاتف ، دون أيه أسئلة ....






استقبلت بسـّـام بشكل طبيعي ،


و هو كان ( مشتاق ) لأنه ما شافني من يوم السبت ...


يوم الأحد ، يوم لقائي الأخير بالعسل ،


كانت أمي طالعة مع أمه السوق سوى ،


و هو وصلهم مشوارهم ، مر على

بيتنا بس ما نزل شافني ...



و هذا أفضل ، لأني يومها ، لو كنت شفته بوجهي ،


كنت رميت الدبلة عليه بعنف ...



أما الحين ، أعصابي هادئة و أقدر اشرح له بهدوء ...



و بطيب خاطر ...







- تصدقي يا قمر ، توحشيني بسرعة !


الأسبوع طويل و ما فيه غير ليلة خميس وحدة ! ما تكفي ...




قلت في بالي :


- ( أجل لما تعرف أنها الليلة الأخيرة ! وش رح تسوي ؟؟؟ )






قررت اللحظة ذي إني أدخل في الموضوع ،


كرهت نفسي و أنا فاتحة له المجال للتعبير عن مشاعره ،


فيما أنا أخفي( السكين ) ورا ظهري ...






- بسـّـام ....

- عيون بسـّـام ؟

- .... تسلم عيونك ...

- غمضي عيونك !






اندهشت ، و طالعته باستغراب ، و رد قال :


- يالله قمر حلوة ، غمضي عيونك !






ما ادري ليه ! بس جاريته و غمضت عيني ...


فجأة ، حسيت بشي يتحرك حول رقبتي ،


بغيت افتح ، جا صوته يأكد علي :



- لا تفتحي !





و ثواني ، و قال :



- الحين افتحي !



فتحت عيني ، و جت على عينه مباشرة ،


كانت مليانة حب و تقدير ...



و نزلت بعيني أبي أشوف الشي اللي علقه على رقبتي ،


جيت أبي أحرك إيدى أتحسسه ، لقيتها مضومة بين يديه ...


رديت أطالع بعينه ، ابتسم لي ابتسامه عذبة و


رفع إيدي إلى شفايفه ... و قبلها ....






- إن شاء الله يعجبك !





كان عقد ذهبي جميل جدا ... به حجرة بالمنتصف ،


محفور على خلفيتها :


(( حبيبتي قمر حلوة ))








نقلت بصري بين العقد و بسام ...


و فاضت عيني بالدموع غصبا علي ....




الإنسان اللي شاريني و يبيني ...


إللي يحبني و يقدرني ...


اللي يتودد لي و يتقرب مني ...


و أنا اللي كنت ، ناوية أغرز سكين بقلبه ....




ما قدرت اتحمل ...


ظهرت صورة سلطان ، و احنا عند البحر ، و هو يقول :



- ( اعتبريني موجه عدت ... و ما بقى إلا الزبد ) ....








تلاشت كل معاني الحب اللي حملتها لسلطان ...


تبددت كل مشاعر العشق اللي خزنتها لسلطان ....


تبعثرت آخر أطياف



الأمل ...و تجمدت آخر قطرات الدموع ...


و انطفت آخر ألهبة الشموع ...



و انطلقت آخر صرخات القلب المفجوع ...




... وداعا يا سلطان ....

... وداعا يا العسل ...

و داعا بلا رجوع ....








*
* *
*







كنت أبي استعير كم ورقة من عند أخوي






سلطان ، أطبع عليهم بحثي ، و اللي رح يكون الدور


علي أقدمة السبت الجاي .



بحث ( سلمى ) كان حلو ! معد بالكمبيوتر !


قمر ساعدته فيه ... يا ليت أقدر أسوي مثله !


بس مستحيل أطلب من



قمر أنها تساعدني ... !





دقيت الباب ، و ما جاني جواب ، فتحته و دخلت .


ما كان أخوي موجود بالمكتب ،



و رحت لعند أوراقه و أخذت رزمة .





على نفس المكتب ، لفتت نظري ورقة نصف مطوية ،


كانت ممزقة ، و بشريط لاصق جمعت أجزاءها ...


بفضول أخذت الورقة و فتحتها ... و عرفت على الفور ،


أنها من قمر ! ...









*
* *
* * * *

أشيلك فوق رمش العين ..... و أعزّك و انت هاملني...

حسبتك لي حبيب ٍزين ..... و اثاري بس تجاملني ...

عشانك باسط الكفين ..... و كل شي أنت حارمني...

يا ساكب دمعي عالخدين ..... يا شاغلني و ظالمني...

يا سالبني و ناسي الدين ..... و زي داين تعاملني ...

حبيبي فيك طبع ٍشين ..... تـواعدني و تماطلني...

تغيب و ما اعرفك وين ..... تفر مني و تغافلني ...

و لا منّي بعدت يومين ..... تصر أنك تقابلني ...

و لا مرة اجتمعنا اثنين ..... تمل منّي و تعاجلني ...

كلامك ينقسم نصّين ..... تذم فيني و تغازلني ...

حبايب حنّا لو ندّين ..... اعــاتبك و تــراددني ...

تبيني و الا حاير بين ..... تهدني و الا تاخذني ؟...

تلاعبني على الحبلين ..... تقرّبني و تبـاعدني ...

تحمّلتك و طبعك لين ..... كرهتك ، لا تواخذني ...




* * * *
* *
*














ظهر أخوي فجأة ، طالع من دورة المياه ،


و شافني و شاف رزمة الورق الأبيض تحت ذراعي ،


و الورقة الممزقة بإيدي ...






- هلا شوق..

- هلا ، بغيت كم ورقة أطبع عليها بحثي ...

- تفضلي أكيد...





و دنا مني ، ومد إيده ، و أخذ ورقة قمر من يدّي ....



- أنا آسفة !

- ما فيه داعي ...

- ... تامر بشي أخوي؟ بـ أروح أكمل شغلتي ...



- ... ما ردت للجامعة؟

- ... لا ...







جلس سلطان عن كرسي المكتب الدوار ...


و تنهد بضيقة صدر ... و رفع الورقة قدام عيونه ،


فما قدرت أشوف تعابيره بعدها ...




انسحبت من الغرفة بهدوء ... و تركت سلطان ...


يلملم أجزاء قلبه ، مثل ما لملم أجزاء الورقة الممزقة .....









يوم السبت اللي بعده ، رجعت قمر للجامعة ...


لا ، في الواقع ... ما رجعت قمر ...


اللي رجعت وحدة غير ... اكتشفنا انها ما هي قمر



اللي نعرف مع مرور الأيام ...



فيها شي تغير ...




صارت أميل للجدية ، و العصبية ، و نفاذ الصبر ...



و تشاحنت أكثر من مرة مع زميلاتنا ، و لأسباب


ما كانت تعبرها في الماضي ...




و لاحظت ، أنه و لو بالصدفة جا طاري


سلطان أو منال قدامها ، يضيق صدرها و تتأفف


و تعابير وجهها تمتلي كره و



بغض و تعلق أحيانا تعليق جارح ،



أو تغير الموضوع بشكل غير لائق ...






هل ممكن للحب ، أنه يغير الانسان بذا الشكل ...؟؟






كان أول خبر تفاجأنا به يوم السبت ذاك ،


هو أن موعد زواجها خلاص تحدد بعد كم أسبوع ...




أنا تحاشيت أتكلم معها عن أي شي من اللي



صار مع أخوي سلطان ، و هي بدورها بعد ما


أشارت للموضوع و لابحرف واحد ...







أنا صارت عندي عقدة الذنب ...


حسيت أنني تسببت بتحطيم حب قمر لسلطان ، بحسن نية ...






في نفس اليوم ، بعدين لما سألني أخوي عنها :




- ردت للجامعة ؟

- نعم ...

- و كيفها ؟

- خلاص يا سلطان ، نصف شوال الجاي ... حفلة زواجها .








طالعت بسلطان ، مثل اللي يطالع بمتهم ... و قلت :



- ارتحت الحين ؟





و عطيته ظهري و طلعت .







أنا ما عمري سألته عن اللي صار بينهم ذاك اليوم ،


بس منها عرفت ... أنها كانت خاتمة القصة ... قصة الحب



المأساوية ، اللي انكتب عليها أنها تنذبح و هي في المهد ...



و بكذا ، كانت نهاية حب قمر حنا لسلطان ...





*
* *
*











خلصنا الدوام ، و جت الساعة 5 و نص ، و أنا و سلطان


لسا موجودين بمكتبه نملم أوراقنا .




كان يوم أربعاء ، و كنت أبي ألحق أروح ارتاح و اقضي


لي كم شغلة ، قبل ما اروح عرس بسـّـام .


أنا و بسـّـام معرفة قديمة و الرجال عزيز علي ،


و لازم احضر زواجه .








- يالله سلطان يكفي ! نكمل بكرة .


- بكرة الخميس يا ياسر ، ما فيه دوام . أبي أخلص


الشغلة و تكون جاهزة للسبت .


- أجل أنا بـ اطلع ، وراي عزومة الليلة و عندي كم شغلة أنجزها ...





يعني أنا مو قوي الملاحظة لذيك الدرجة ،


بس كأنه وجه الرجـّـال انعفس ، و قط القلم من إيده ، و قال :


- يالله ، أنا بعد طالع خلاص ...







و في نفس اللحظة ، جا العامل و بايده علبة صغيرة ،


و عطاها سلطان ...



- إش هذه ؟

- جاية بالبريد






بعد ما طلع العامل ، صار سلطان يقلب بذيك علبة ،


مستغرب ... و شاف اسمه و بريده الخاص مسجل عليها ...





- افتحها شوف !




قلت و أنا كلي فضول ، لأن العلبة الصغيرة


شكلها كان غريب ... !





فتح سلطان العلبة ، و أنا جنبه ، و اندهشنا


لما شفنا اللي فيها ...


أنا كان اندهاشي اندهاش تعجب و تساؤل ، لكن هو ...


كانت دهشته دهشة ذهول ... و وجهه اعتفس كلـّـش ...


و تعابيره صارت مخيفة و مهولة ... مفزعة

إن صح تعبيري ...







داخل العلبة ، كان فيه سلسلة فضية مقطوعة ...


و جنبها ... كان فيه ورقة صغيرة مكتوب عليها :



((( القمر يقول لك الوداع ... )))



*******************


~ فاجعة ~

الحلقة العاشرة


* * * * * * *





مرت سنتين من زواج قمر و بسام ،


و تقريبا سنة من زواج شوق و ياسر ،


و أربع شهور من خطوبتي أنا و

( يوسف ) .


احنا في بداية العطلة الصيفية و زواجنا رح يكون بعد 25 يوم ...



علاقتنا أنا و قمر و شوق ، استمرت مثل ماهي ،


أخوات و صديقات و زميلات دراسة ...




كانت المرة الأخيرة اللي تهاوشت فيها مع شوق


هي قبل سنتين ، لما دبرت لقاء بين قمر و سلطانوه ، بعدها ،

و لما شفت النتائج الإيجابية ، و قرار قمر باتمام


زواجها من بسام ، و طردها سلطانوه من حياتها نهائيا ،


بعدها ، حمدت ربي أن شوق قدرت تدبر بينهم هاللقاء ،


و صرت مدينة لها بالشكر !




أكبر دليل على أن سلطانوه انتهى من حياة قمر ،


هو تقبلها لمنال بشكل طبيعي ، و خصوصا في حفلة زفاف


شوق ، حتى أن اللي يشوفهم سوى يفكرهم من الأصحاب ...


... تقريـــــــــبا من الـ (( أصحاب )) ! !




بعد كذا ، التقت قمر بمنال مرة أو مرتين ، في بيت شوق ،


و الأمور سارت بشكل طبيعي .



... تقريـــــــــبا (( طبيعي )) ! !




آخر الأيام أنا كنت مشغولة بالتحضير لزواجي ،


و ما شفتهم أو كلمتهم من أكثر من أسبوعين ، إلا البارحة ،


اتصلت علي شوق و سمعتها تقول انها مخططة


تروح رحلة للبحر مع زوجها ...



*
* *
*






نجحنا احنا الثلاث ، و كنا مبسوطين ...


و قلت لياسر أبي أسافر سفرة حلوة ، بس ما شجعني ..،


عنده شغل كثير .... و بالمقابل ، وعدني انه طول


الأجازة يوديني رحلات ...




كنا مقررين نروح رحلة بحرية بكرة ...


و اليوم ما عندي شي و رحت بيت أهلي ..




كنت في البيت ، ملانة و ودي اغير جو ...


اتصلت على سلمى لقيتها مشغولة

و اتصلت على قمر أبي أشوف إذا فاضية


تطلع السوق معي ؟




- متى ؟

- الحين ! أمرك و نروح ؟

- خليها لبكرة شوق ، عندي شغلة العصرية ذي .

- بكرة باروح البحر مع ياسر ! يمكن ما نرد غير آخر الليل ...

- الله ! حلو ! زمان ما رحت البحر ...

- تجوا معنا ؟ و الله فكرة ! إش رايك قمر ؟




و على كذا تواعدنا نلتقي هناك ...


يوم ثاني ، و أنا أجهز بالأغراض ، قال لي ياسر :




- كثري من كل شي بعد زود ...

- تبالغ ياسر ! كلنا أربعة أشخاص ! هذا إذا جا


بسام و قمر و شفناهم !

- سلطان و زوجته و ولده جايين معنا .




اندهشت ، طالعت فيه باساغراب متفاجأة :




- سلطان و منال جايين ؟ من قال ؟

- أنا جبت طاري الرحلة قدام سلطان و عجبته الفكرة


و قلت له يجي معنا !



الحين ، صرت بحيرة ...

صحيح ... أن سنتين مروا ... عمر مر ... و ذكريات انست ...


بس ... ما ارتحت للفكرة ..




- ياسر .... قمر رح تكون معنا ....




كأني أبي ألفت انتباهه لشي يمكن يكون غفل عنه ؟




- و إذا ؟ أهلا و سهلا ... إحنا أولاد اليوم ....




للحق ، ما ارتحت ، كان ودي أتصل على قمر أقول لها


، سلطان و منال جايين ، أو حتى أقول لها ، لغينا

الرحلة ... ما ادري ، بس حسيت أنهم لو التقوا ...

رح يصير شي ... و شي ... الله يستر منه ... !




من قبل ، في مرة من المرات ، كنت اسأل أخوي إذا كان يحبها ،


و هو جاوبني بأنه يعشقها ...


بعدها بكم شهر ، سألتني منال بشكل مفاجىء :




- ( سلطان كان يحب وحدة قبل ما يتزوجني ؟ )




و اعترفت لي بانها سمعت كلام بيني و بينه ليلة من الليالي ،


و ما كان اسم قمر انذكر ذيك الليلة ، و ظلت منال

في داخلها تتساءل الى الآن :


-( من هي ؟ )





هذا السؤال شفته بعيونها بأكثر من مناسبة ، تقريبا ،



في كل مرة أشوفها فيها ...



و لا أنا جاوبت ، و لا هي ردت سألت ...


*
* *
*





وصلنا عند البحر ، احنا و أخوي سلطان قبل قمر و بسـّـام .



منال أصرت تجيب معها ( نواف ) الصغير ، و ما تركته عند امي بالبيت .


ياسر استأجر قارب آلي ( طرّاد ) ، و ناوي ياخذنا بقلب البحر فيه ...




لمحنا سيارة بسـّـام و هي تعبر ، و أشر ياسر عليهم ...




سلطان ، و حتى منال ، ما كانوا عارفين ان قمر و بسام جايين معنا




و حسيت بحرج الموقف ، و انقهرت في ياسر ، كيف يتصرف كذا ؟؟؟






بسام و ياسر تصافحوا بكل ترحيب و بساطة ،


و رد سلطان تحية بسام من بعيد !




أما قمر ، فأول ما نزلت من السيارة وقفت بمكانها ...




جيت لعندها و سلمت عليها ، و شفت بعينها نظرة ا



لاستنكار و اللوم و الاستياء ...



- بعدين أقل لك وش صار ، غصبا علي ...




ما حسيتها مرتاحة ، و لولا الحرج ... يمكن قالت لزوجها :


- ( خلاص رجعنا البيت ) !





ماجد و رائد ، أخوان بسام التوأم بعد كانوا موجودين ...


و أول ما نزلوا من السيارة على طول هجموا على

القارب و البحر ، بكل براءة الأطفال ...






حاولنا كلنا نتصرف بشكل (( طبيعي )) ،


ما كأنه فيه ( شي ) مو في محله !




الطبيعيين كانوا ياسر و بسام و منال ، و الأطفال طبعا ...




أما الباقي ، لو يدقق الواحد النظر ، كان لاحظ الشحنات


الغير مريحة اللي دارت حوالينهم ... !



*
* *
*




كنا متواعدين أنا و شوق ، نطلع رحلة بحرية مع بسام و ياسر ،


نغير جو و ننبسط شوي ...


رائد و ماجد ما صدقوا خبر ، على طول جهزوا عدتهم


و لباس العوم يبوا يروحوا معنا ، و طبعا ما كسرنا

بخاطرهم ، و أخذناهم ...



الولدين اليتيمين متعلقين بأخوهم بسام ،


تعلقهم بالأب ، اللي فقدوه من سنين ...




لما وصلنا المكان اللي اتفقنا عليه ، انصدمت ...




كان فيه سيارة ثانية ... أعرفها زين ....

سيارة ما ركبتها من سنتين ...

و صاحبها شخص ... ما شفته من سنتين ...


و لا أبي أشوفه أبدا ....




حسيت أنها حفرة و طحت فيها و ما قدرت أطلع ،


بسام وقف السيارة جنب سيارتينهم ، و ماجد و رائد قفزوا

على طول للبحر ...


و أنا ... تدبّست ... و ما قدرت أنسحب ...




جت شوق لعندي تسلم علي ،


و طالعتها بنظرة غضب و استياء ، و لسان حالي يقول :



- ( وش جابهم هذولا بعد ؟ )



شوق فهمت علي و قالت لي أنه صار غصبا عنها ...



ما كان عندي خيار ، ليتني قدرت أرجع ...

يا ليت ...





بعدين ، لو انسحبت ، رح يظن ( صاحب السيارة )


أن وجوده أثر علي ...

رفعت عيني للسماء ، الله يعدي الوقت بسرعة و بخير ...


و بعدها ناظرت المرأة الثانية ، اللي كانت مع شوق ...





كانت زوجة ( صاحب السيارة ) جالسة على


سجادة مفروشة على الرمل ، و بيدها ولدها الصغير نواف ...

و الله يعيني عليها ...




رحنا و جلسنا معها ، و بدينا نسولف


و أنا مو طايقة أسمعها ..

من بد كل البشر اللي خلقهم ربي ،


هذه الانسانة أنا ما أطيقها بالمرة ... !

غصب هي ؟ ...

ما أقدر أستحملها أبدا !




- الجو حلو كثير ! ليتنا نجي كل اسبوع هنا !




قالت منال ، و ردت شوق :




- ياليت ! بس وين ؟ ! ياسر كله مشغول بعمله ،


ما قدر ياخذ أجازة نسافر لنا كم يوم،


اذا بغيته لازم أحجز قبل

اسبوع على الأقل !

- يعني سلطان اللي فاضي ؟


و الله ما ادري كيف صادفت فرصة نجي معكم !

يا حظك يا قمر ، زوجك يقدر يأجز وقت ما يبي !




استثقلتها ، وش قصدها يعني ؟


عشان بسام شغله حر ، و مو صاحب منصب مثل أزواجهم ؟



رديت بلهجة حادة :



- بسام بعد مو فاضي ، و الحين نبني بيت جديد



و ماخذ كل وقته ... و بعدين عنده مسؤوليات كثيرة في البيت و

العيلة ، و لا يقدر يأجز أو يسافر بكيفه ...




و على هالحال ، كلما قالت شي وقفت



لها برد اعتراض ، يمكن هي ما حست ، أو ما اهتمت ،


بس شوق كل شوي تناظرني ( هدّي الجو شوي ) ... !


حتى و أنا أتكلم ، عيوني ما كنت أجيبها بعينها !


أسوي حالي منبهرة بالبحر و السماء ...

ما أبي أشوفها ...




و لأني كنت اناظر البحر ... كان لابد إن عيني تجي على ...


( صاحب السيارة ) ... تلقائيا ....



و بسرعة ، أبعدها ...

أصرفها أي مكان ...

يا ليت مركبة فوق راسي عشان ما أشوف إلا السماء !




جا الجماعة من جولتهم الأولى بالقارب ،


مبسوطين ، و أصروا ياخذونا معهم في الجولة الثانية ،


قبل ما تغرب

الشمس ...




الفكرة كانت فكرة ياسر ، أنا طبعا ما عجبتني ،


ما بغيت أركب مع ذاك الشخص في زورق واحد ، و بعد معنا

زوجته و ولده ... ؟؟ هذا اللي ناقص !




ما ابي اقترب منه مسافة أقل من عشرين متر ....


ما أبي أحس بوجوده و أكون في الحيز اللي تقدر فيه أنسام

الهواء تعبر عليه و تجيني ...

ما أبي صوته يهز طبلتي ...

يا ليتني جبت معي ( سدّادة آذان ) !

أو حتى ...

سدادة حناجر أبلعه إياها !

ما كنت أبي أرطب معهم أبدا ...

لكن ، لما شفتهم كلهم راكبين ، اضطريت أركب غصبا علي ...





جلسنا احنا الثلاث في مؤخرة القارب ،


و الرجال كانوا قدام ، و رائد و ماجد يتنقلوا من



جهة لجهه و معهم

كورة صغيرة ...





انطلق القارب بسرعة معتدلة ، كان ياسر هو اللي يقود ، و جت الأنسام تلفح الوجوه
و تداعب الرموش ، و

تشرح الصدور ...




كانت الشمس تقرأ خواتيم السورة ، قريب تودع ...



أمواج البحر كانت هائجة نوعا ما ... و كان القارب يتراقص مع رقصتها المستمرة ،
فوق و تحت ...

يمين و شمال ...





شوق كانت تتأمل الموجات اللي يتركها القارب وراه ، و منال كانت تداعب طفلها
الصغير ...





بعد شوي ، وقــّـف ياسر القارب وسط البحر ...




صرنا كأننا بجزيرة صغيرة ، الماء يحيط بنا من كل الجهات ،


و السماء تعانق البحر عند الأفق ، الساحل



بعيد ... قرص الشمي ( يذوب ) داخل البحر شوي شوي ...




المنظر الجميل ، و وجوده هو على نفس القارب ،


على بعد كم متر مني ، خلى الذكريات تدور براسي رغما

عني ....




تذكرته ، و هو يقول لي :


- ( اعتبريني موجه و عدت ، و ما بقى الا الزبد )





انتهزت فرصة انشغال الكل بجمال المنظر ، و تسللت بنظري ...



و القيت نظرة خاطفة عليه ...




كان جالس على يسار ياسر ، و بسـّـام على الطرف اليمين ،


كانوا يتكلموا و يضحكوا ...



صوت المحرك اللي غاب – بعد ما وقف ياسر القارب –


عطى فرصة لصوته أنه يوصلني ...

جهور و رنان و واضح ... مثل ما كان ...




يا ليت ياسر يشغل المحرك مرة ثانية ، ما أبي أسمع صوته ،



ما ابي أشوفه ، ما ابي أكون و هو بمكان واحد ....




شحت بوجهي بعيد ، و على وسع البحر و السماء ،


ضاق صدري ... الكل كان مبسوط و أنا كنت أبي بس يمر




الوقت بسرعة ، و أرجع لبيتي ....



آه يا بيتي ...




رائد ، و هو يلعب – يسوي حاله يقود –



ما ادري اش سوى و ضرب بالمحرك و انكسر شي منه بدون

قصد ...



جا ياسر يبي يشغل المحرك ، ما اشتغل ...


كرر المحاولة مرة و ثنتين و عشر ... دون فايدة ....


المحرك تعطل ، و احنا علقنا في وسط البحر ....



تسعة أشخاص ... على قارب صغير يتأرجح على الموجات


الغاضبة ، وسط البحر




ما كان في القارب أية مجاديف ، و المسافة بيننا


و بين الساحل ، مو قصيرة ...


بدا التوتر يسود الأجواء ، بدل الانبساط و المرح اللي كانوا قبل شوي ..



ياسر مازال يحاول و المحرك عنيد ...

إش يصير لو ظلينا كذا ....؟؟؟



الشمس ، كانت تنذرنا بالرحيل الموشك ، لازم نرجع الساحل و إلا ...




بعد مدة ، و ياسر و البقية يحاولوا يسووا اي شي بالمحرك ،


و بعد ضربات متكررة ، كسر ياسر منه جزء ثاني



، ما ادري وش صار له و فجأة اشتغل ....




اشتغل المحرك ، و انطلق القارب فجأة بسرعة مذهلة ،


بأقصى سرعة يقدر عليها ...


اهتز و كلنا اهتزينا معه ، و الأولاد طاحوا و تعوروا ......





حاول ياسر يخفف من السرعة ، لكن المقود المكسور ،


و المحرك الخربان عصوا الأوامر ...



بدا كل واحد يصرخ من جهه ، ( وقفوه ... وقفوه ) ،


و القارب منطلق بلا مبالاه مصر يكمل مشواره


للآخر ....




أي شي يطلع قدامنا رح نصطدم به ، و تكون العواقب وخيمة ...


و هذا الـ ( أي شي ) ، كان قارب كبير مهجور ، عايم وسط البحر ...



صرنا نقترب من القارب ، و لا نقدر نروح يمين


و لا شمال ، و قاربنا ( مفلوت من غير فرامل ) ....




ترافعت الصرخات ، و وقفنا كلنا مرة وحدة ،


و اهتز القارب و اختل توازنه ، و اللي قدر يمسك بشي مسك ، و

اللي ما لحق ... طار ...




عرفنا أن حنا رايحين فيها لا محالة ،


و الضوء الأحمر توهج قدامنا ... و دقت أجراس الخطر ...


و كل ٍعلق يده عند قلبه ...





- اقفزوا كلكم ... بسرعة .......




صرخ ياسر صرخة النداء الأخير ... و فزعنا الفزعة الأخيرة ...




ما اذكر ... إش اللي صار بالضبط ...


الفزع و الذعر اللي عشته ، كان أعظم من انه


يسمح لذاكرتي أنها تسجل تفاصيله

أو حتى تلحق تشوف تفاصيله ...




أذكر ، أني كنت أشوف القارب العائم يقترب ...


و أن قاربنا كان يتأرجح بعنف ...


ما اذكر ، من اللي قفز ... و إذا كان أحد قفز أو لا ...



بس أذكر ... أن سلطان كان بعده واقف ....




- سلطان اقفز ....





قلت له بفزع ، و التفت سلطان لي ، و جت عيني بعينه ...



- اقفز يا سلطان بسرعة ...





ما اذكر ، كيف كانت تعابير وجهه ،


اظن كان مذعور ؟ لا ... كان يبتسم ؟ تهيأ لي




أنه ابتسم ... أو يمكن






اختلطت علي الأمور ...




ما عاد بيننا و بين القارب إلا ثواني ...




كأني سمعت صوت بسـّـام يناديني ؟؟؟




- قمر ... يا قمر ... انزلي ...




خلاص ... القارب الثاني قدّام عيوني على طول ...


خلاص رح نصطدم به ...


خلاص هذه النهاية ...





صرخت ... بكل قوة الصراخ اللي سمح بها


الكون تطلع من حنجرة بشر ...

صرخة زلزلت الأرض ، و هزت البحر ،



صدعت السماء و دوت الكون ...





- اقفز يا ســـــــــــلــــــــــــطـــــــــااااااااان






فجأة شفت روحي وسط الماء ، داخل في عمق البحر ...


شوي و أختنق ...




بلعت ماء كثير ... و انكتمت انفاسي ...





سبحت لفوق لين وصلت سطح الماء ،



هجمت الأنفاس على صدري بقوة ...





طالعت صوب القارب ، شفته و نصه غارق



و نصه طافي ، و بعده يمشي صوب القارب الثاني ،



و سلطان





واقف فوقه ....





- سـلـطـان ... سـلـطـااااان ... ســـلـــطــــــــااااااااااااان ....









سلطان قفز للماء في اللحظة الأخيرة ...

شفته و هو يبتلعه البحر ... ، و شفته و هو يطلع



مرة ثانية على سطحه ، بعد ما ارتطم القاربين و جلجلوا



الأجواء بضجة قوية ....

و يرد يختفي ...






الشمس تخلت عني في أحوج ألأوقات لها ...



النور كانت خافت ... دورت على سلطان ما لقيته ...





سبحت تجاه المكان اللي شفته به قبل شوي ،


أدور عليه و انادي ... و أصرخ ....




طلع سلطان من قلب البحر ، يصارع الموج ، يصارع الموت ،



سلطان ما يعرف يسبح ....




سبحت بكل قوتي ، بأكثر من كل قوتي ،



ما خليت فيني غضلة وحدة الا و حركتها بالقوة ... بالجبروت ...

بالغصب ...




أطالع بسلطان ، و هو مرة يطفو و مرة يغرق ...



عيونه مفتوحة لحدها ، شهقاته قوية و مقطوعة ، و إيده تحاول

تمسك الماء ... و روحه تهدد بالنزع ......




- تماسك سلطان تماسك ... تماسك أرجــــــــــــــــــــوك ....





أمواج البحر كانت تعاندني ، اخترقتها غصبا عنها ...



سبحت و سبحت ... استرجعت كل دروسي و خبرتي

بالسباحة ، و أخيرا ... وصلت لسلطان ....






مسكت سلطان ، و رفعته فوق ... فوق ...


و هو تشبث بي مثل ما يتشبث أي غريق بأي طوق نجاه ....



- تنفس سلطان تنفس ... تنفس ...





تنفس سلطان بنهم ... بشراهه ... و هو يضغط بيده علي ،


خايف ينفلت و يبلعه البحر مرة ثانية ....



رفعت ذراعه على كتفي ، و صرت أدوّر ... وين الساحل ...




آخر بصيص للشمس كان من ناحية ،



يعني الساحل من الناحية الثانية ...




و سبحت بسلطان ، بكل قوتي و بأسرع



ما سمحت لي به الأمواج ....





فجأة ، فلت سلطان من إيدي و سحبه عمق البحر ...





لااااااااااا






غطست وراه و مسكته ، كنت أشوف بقايا فقاعات



الهواء اللي كان بصده ، تتخلى عنه و تطلع من صدره ، من




فمه و أنفه بكل غدر ...




شديته لي و رفعته فوق ، صرخت ...



- سلطان تنفس ... تماسك سلطان ...أرجوك تماسك ...


تماسك الحين نوصل ...




تعبت ، خارت قواي كلها ، و احنا بعد ما وصلنا ...


ما ادري كم من الزمن مر ... يمكن شهر ؟ يمكن سنة ؟؟؟




البحر كان متعطش للفتك ، للغدر ...



أمواجه تلاعبت بنا ... فوق و تحت ... يمين و شمال ...


قدام و ورا ...




ما بدا لي أن البر موجود ....




ما لازم استسلم ، لازم أوصل ... تمسك يا سلطان ... باقي قليل ...



سحبته معي ، و أنا أسمع أنفاسه مرة ، و مرة لا ...



و أشوف عينه مفتوحة مرة ، و مرة لا ... و أحس بإيده




تمسكني مرة ، و مرة لا ...





أخيرا قربنا من البر ... شوي ... و حسيت رجلي تلامس القاع ...



وصلنا بر الأمان يا سلطان ... تمسك ...



ارتميت على الرمل ، بين البر و البحر ، عند مضرب الأمواج ...



التقط أنفاسي ... ارخي عضلاتي المنهكة ...




و أحس بالألم في كل جسمي ...



التفت لسلطان اللي جنبي .... كان ملقى على بطنه ،


و راسه على الرمل المبلل ، و أمواج البحر توصل طرف




أنفه ...



قمت و سحبته ، ابعدته عن الماء ...


و قلبته على ظهره ... و رفعته على رجلي و ذراعي ...



كان مغمض ... و فاقد الوعي ...


صرخت ،



- سلطان ... سلطان تسمعني ؟

سلطان رد علي ؟؟؟




و صرت أضرب بوجهه و صدره ، و اهز أكتافه بعنف ....




- رد علي يا سلطان ... رد علي ... تكلم ... أرجوك ...



قلبته بسرعة على بطنه مرة ثانية ، و ضربته على ظهره ..

طلع ماء كثير ... كثير ... من صدره .... يا بعد عمري يا سلطان ...



صار يكح ... و يطلع ماء من صدره ... من أنفه و من فمه ...



و تالي توقف ...



- سلطان لا تموت ... سلطان حبيبي لا تموت أرجوك لا ... لا ... لا ...




رديت عدلته على ظهره ، و صرت أنعشه بأنفاسي ،



ما توقعت أني رح استخدم الانعاش اللي تعلمناه بالجامعة




يوم من الأيام ، و استخدمه ، لسلطان ...



صار يكح ، رفعته على رجلي و سويته جالس ،



و أحنيته لقدام شوي .... و أنا أضرب ظهره .... و هو يكح ،



بين الواعي و المغمى عليه ...




- سلطان لا تموت ...

أرجوك لا تموت حبيبي لا ...إلا أنت أرجوك لا ... أرجوك ...




فتح سلطان عينه ، و أخذت راسه بين يديني ...


الماء يقطر من شعره الناعم مثل ما تقطر الدموع من عيوني الحمراء ...


عيونه هو بعد كانت حمراء من ملوحة الماء ...



- سلطان حبيبي أنت حي ؟ رد علي أرجوك ؟؟



كان يتنفس ، و عينه كانت تطالعني ...



- رد علي يا سلطان ؟ أنت حي ؟؟ كلمني جاوبني سلطاااان ...


- آه ...



طلعت آهة من حنجرته ... سلطان بعده حي ... ما مات ....


سلطان حي ... حي ... حي ...



أخذته بحضني ، و لفيته بذاعيني ، و ضميته بقوة ، بقوة ، بقوة ....



ما أدري من وين جبت ها القوة بعد ذاك التعب ...

ضغطت عليه ضغطة ، يمكن بغت تكتم نفسه من جديد ...



قولوا عني اللي تبون ...

سلطان بيموت بين يدي ...

لا احد يلومني ...




-لا تموت حبيبي أرجوك ... لا تموت ... يا بعد عمري ...

لا تمو ت و تتركني ، لا ... لا سلطان ... لا ... لا ... لا ...

يا رب لا ... خذني و لا تاخذه يا رب لا ....



رفعت راسي شوي ، و بعدته عني ، أبي أشوف وجهه و أتاكد أنه حي ...

كانت عينه مفتوحة ، و الهواء أحس به يطلع من أنفه ...


- أنت حي سلطان مو صح ؟

- ... قمره ...

- يا بعدي ...



رديت ضميته لصدري ، بلا شعور ، بلا وعي ، بلا إرادة ، بلا إدراك ...



و أنا أبكي بشدة ، مفزوعة مفجوعة ...


ماسكتنه بقوة ... بقوة ... بقوة ... ، خايفة البحر يسحبه مني ...

لا ... لا ... لا ...

إلا سلطان ...



مرة ثانية باعدته عني شوي ، أتاكد أنه صحيح حي ...



- سلطان ... أنت حي مو صح ؟ أنت حي ؟



حرك سلطان راسه و صار يدور بعينه ، طالع صوب البحر و قال :




- نواف ... منال ... شوق ...





عند ذي اللحظة ، انهارت عضلاتي ...

فقد ت كل احساس ... فقدت كل وجود ...



تركت سلطان من بين يديني ...

رفعت روحي ، لين وقفت ، كأني معلقة بخيوط نازله من السماء ....

طالعت البحر ...

أسود ... غضبان ... خسر فريسته

لفيت ببصري حوالي ....

شفت ناس تجي و ناس تروح ...

شفت نور كشاف يتولع فجأة ، من ناحية البر ...

سمعت أصوات ... ما قدرت أميزها ...

البحر كان يرقص ، و أمواجه بعدها تتأرجح ...

حتى الأرض كانت تتأرجح ....

و السماء كانت تدور ...

وين اختفى النور ؟ من طفى الكشاف ؟

ليه الأرض تهتز ؟ أنا بعدني في البحر ...؟

ما عاد أشوف

ما عاد أحس

ما عاد ادري بنفسي ....

سلطان حي ...

الحلم كذاب ....



*
* *
*




فتحت عيونها شوي شوي ، كانت نصف واعية في البداية ، ب



عدها ، بدا و كأنها استردت وعيها الكامل فجأة ، و

طالعت حوالينها ، و فجأة صرخت بفزع :




- وين سلطان ؟



كنت أنا جالسة جنبها و مسكت إيدها ،



و أنا أشوف علامات الذعر و الفزع المهوله على وجهها الشاحب ...



ردت صرخت ، و هي تحاول تقوم من السرير :



- وين سلطان ؟؟؟؟


- اهدئي قمر خليك منسدحة




شدّت على إيدي لين بغت أظافرها تنغرس فيني ، و ردت صرخت :



- وين سلطان ؟؟؟

- بالغرفة الثانية ، اهدأي قمر ...



ما كأنها صدقتني ، هزت راسها ( لا ) ، و ردت تسأل :



- وين سلطان ؟

-أقول لك بالغرفة الثانية ، بخير

- لا تضحكي علي ... سلطان مات ؟

- لا يا قمر ، بالغرفة اللي جنبنا



و قامت ... ، وهي بعدها في ملابسها المبللة اللي ما جفت ...



- وين قمر ....؟!

- أبي أشوفه

- خليك قمر أنت ِتعبانة ارتاحي شوي ...

- لا تكذبي علي شوق ، وينه ؟ مات ؟ خليني أشوفه ؟

وينه ؟؟؟


حالتها كانت هيستيرية ، جنونية ، ما هي طبيعية أبدا ...




قمت و رحت معها حسب رغبتها الملحة الجارفة ،


و طلعنا للغرفة اللي كانت جنبنا في طوارىء المستشفى ...



كان أخوي سلطان متمدد على السرير ،


و عليه قناع الأوكسجين ، و نايم ...



و جنبه ، كانت منال جالسة تبكي ، و ولدها نايم بحضنها ...


توني تركتهم قبل دقايق و رحت لعند قمر ، و اللي



ما استردت وعيها من طاحت عند الساحل ...



أول ما دخلنا ، قمر وقفت تطالع ، كأنها تبي تتأكد



هذا اللي ممدد على السرير هو سلطان و الا غيره ؟




و شافت منال جنبه و معاها الولد ، و مع ذلك ،


لفت علي و سألتني بتوجس :


- سلطان ؟


هزيت راسي ، أأكد لها أنه هو ... و ردت سألت :


- حي ؟


رديت هزيت راسي ، ايه حي ...


- أبي أشوفه ...


طالعتني ، ما ادري هي ( تستأذن ) و الا تعلن ، و الا تنذر ؟؟؟




أنا ما قدرت أتحمل ، انهرت و جلست أبكي ... ،



فهمت هي أن صابه شي ، و ذعرت و وقف قلبها و هي تنقل

بصرها بيني و بينه ... بفزع ... بذعر ...



بهلع ... بحال ... ما عندي كلمة وافية أقدر



بها اوصف التعابير اللي









كانت على وجه قمر و بقلبها ...



- سلطان ...



نادت فجأة و بصوت عالي ، و مرة ثانية بصوت أعلى :



- ســلــطــان ...



انتبه أخوي من النوم ، و فتح عينه و دار بها بيننا ، و استقرت عند قمر



- ... سلطان ...



نادت هالمرة بصوت مكبوت ، مسحوب ، منخفض .


ممزوج بصيحة ، ممزوج براحة ، و أسى ...



جت تبي تتقدم خطوة ، ما شالتها رجلها ...


حسيتها بتطيح و بسرعة مسكتها و اسندتها علي ،



و جلستها على

كرسي قريب منا ...



حضنتها بقوة ، بقوة مرارة ... بقوة الصدمة اللي راحت ،


و الصدمة اللي جاية ...




و أنا أشوفها ، مجرد هيكل ... مجرد بقايا قماش متمزق ...


بقايا روح و بقايا جسد ... بقايا حب و بقايا

عذاب ... و بداية فجيعة أكبر ...



وصلتنا أصوات و حركة عند الباب ، و شفنا بو ثامر و


أم ثامر داخلين الغرفة ، و جت أم قمر مثل المجنونة

تحضن بنتها ... و تبكي و تنوح ...



و شوي ، و وصلتنا صرخة من الممر ... عند الباب ...




- و لـــيـــدي ...




كانت صرخة أم مثكولة ، فقدت ضناها ... غرقان وسط البحر ...




أم بسـّـام ....





بسام ، كان الشخص الوحيد اللي ... ما رجع من ذيك الرحلة .......





*******************



من مواضيعي :